مذكرات مجنون تحف ونوادر
-( عندما وجد الشاطر حسن كنزا في البدروم)-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان ياما كان في سالف العصر والاوان وبالتحديد في فترة الستينات، كان هناك رجلا
اسمه الشاطر حسن يعمل أمينا في متحف ركن حلوان الذي كان يعرف قبل ذلك التاريخ
بأسم استراحة الملك فاروق .. وفي يوم من الايام خرج الشاطر حسن من منزله كعادته
واتجه بنشاط نحو مكان عمله ..
في الحقيقة لا اعرف السبب الذي جعل الشاطر حسن في ذلك اليوم بالذات يقرر النزول
الي بدروم متحف حلوان، ولا ادري ماذا كان يجول بخاطره وقتها لكن كل الذي أعرفه
انه اصطحب معه رئيس العمال "عم محمد " وهو في طريقه الي البدروم..
في ظلام البدروم الدامس بدأ الشاطر حسن ورئيس العمال يتقدمان بحرص وهما يتفقدان
بعض الاشياء المهملة، وفجأة ارتطمت قدم الشاطر حسن بشئ صلب فمد يديه ليتحسس
ذلك الشئ، واذا به يكتشف وجود ثلاثة اجولة من الخيش كانت مغلقة وملقاة في احد
جوانب البدروم .
قرر الشاطر حسن ان يعرف ما بداخل هذه الاجولة الغريبة، لذلك وبعد أن فض اول
جوال دس يده فيه، واخرج بحرص قطعة من محتوياته، وبالرغم من شحوب ضوء
المكان الا انه استطاع ان يري قطعة زجاجية ملونة كانت رائعة الجمال ..
لم يصدق الشاطر حسن عيناه وهو يخرج قطعة ثانية وثالثة ورابعة، وكان كلما أخرج
قطعة من الجوال يتأملها بأعجاب وانبهار، وخلال ساعة واحدة احصي الشاطر حسن
500 قطعة كانت في الحقيقة تمثل كنزا ثمينا نادر الوجود .
كانت الاجولة معبأة بخمسمائة تحفة من تحف الجاليه (Gallé) التي كانت في السابق من
مقتنيات الملك فاروق، والتي كانت أيضا تعتبر من اكبر واندر مجموعات الجالية في
العالم .
لكن ما هو الجاليه (Gallé) ؟
ينسب اسم جاليه الي الخزاف الفرنسي العظيم اميل جاليه (Émile Gallé)
الذي عاش في فرنسا في الفترة ما بين عامي 1846 و1904 م، والذي استحدث وبرع
في فن الرسم علي الأوانى الزجاجية التي كان يصنعها بمهارة وباتقان معجز، وكان يضع
على كل عمل فنى توقيعه الخاص، وتعتبر اعمال اميل جاليه من اغلي واندر التحف في
العالم .
نعود للشاطر حسن الذي رأح يشرح لعم محمد قيمة الكنز الثمين الذي عثرا عليه سويا
وربما اخبره وقتها بأن كبارالمسئولين عندما سيعلمون بهذا الأكتشاف العظيم سيصعد كل
واحد منهم اعلي مكتبه ليرقص فرحا وطربا وهو يوقع مكافئة مجزية للشاطر حسن
ولرئيس العمال الهمام ..
وعرف المسئولون بكنز الجاليهات الثمين، وخلال ايام تم تسجيل الجاليهات فى كشوف
عادية، ولم يتم تصويرها أو توثيقها .. أما بخصوص المكافئة فلم يري المسئولون داعي
أو سببا مقنعا لصرف مليما واحدا للشاطر حسن او لعم محمد ..
في السبيعنات استولي حي حلوان علي مبني متحف حلوان فقامت هيئة الاثار بنقل
محتويات المتحف الي متاحف اخري، وقد نقل الي متحف قصر عابدين وحده 1452
قطعة اثرية من بينها الخمسمائة قطعة جالية التي عثر عليها الأستاذ حسن الشيخ أمين
متحف حلوان وقتها، ومدير متحف مجوهرات الأسكندرية بعد ذلك، ومحمد عبد اللطيف
الساعى رئيس العمال وقتها ..
وبعد ان استردت هيئة الاثار المصرية مبني متحف حلوان عام 1988صدر قرار من
رئيس هيئة الاثار وقتها رقم 1580 بتشكيل لجنة لرد المقتنيات من متحف عابدين الي
متحف ركن حلوان مرة أخري، وفي نفس العام ارسل مدير عام المتاحف التاريخية الي
رئيس هيئة الاثار المصرية خطابا برقم 160 يطالبه بالاتصال بامين عام رئاسة
الجمهورية لتسهيل استلام اللجنة للاثار، وهو الامر الذي لم يحدث ابدا ..
(لأن دخول عابدين مش زي خروجه ) .
المهم انه في عام 2000 ارسل الاستاذ أحمد محمد دسوقي المدير بالمتاحف وقتها الي
السيد مدير عام امانة المتاحف التاريخية يطلب منه مخاطبة الامين العام للمجلس الاعلي
للاثار لاعادة التحف وخاصة الجاليهات الثمينة الي متحف حلوان.. لكن مدير عام
المتاحف التاريخية وقتها ارسل اليه جوابا عجيبا ينم عن انه كان رجلا متحفيا بحق حيث
كتب يقول :
السيد أ. احمد دسوقي ..
هل تم الانتهاء من الاعمال المطلوبة بحيث نبحث عن الجاليهات ؟
علي كل حال اود في النهاية ان اذكر أن خبراء التحف قدروا ثمن قطعة الجاليه الواحدة
بمليون دولار، ولا اود أن أذكر ان مجموعة الجاليهات النادرة تلك كانت قد تعرضت في
الماضي للنهب من قبل شخصية سياسية كبيرة، ولا اود ان اذكر أيضا ان ال500 قطعه
جالية التي اكتشفها الشاطر حسن معروض منها حاليا في متاحف عابدين 135 قطعة
فقط .. ولا اريد ان اسأل او اعرف أين اختفت الـ 365 قطعة ؟ وسأحسن الظن واقول
ربما كانوا في اجولة من الخيش في غياهب بدروم قصر عابدين ينتظرون شاطر اخر.
التحفجي
عمرو الخربوطلي