الموضوع: مقالات و بحوث
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 26/02/2007, 23h07
أبو وحيد
Guest
رقم العضوية:
 
المشاركات: n/a
افتراضي رياض السنباطي ..

رياض السنباطي .. الجندي المجهول ..
كلما استمعت إلى إحدى الإذاعات التي تذيع أغاني الراحلة أم كلثوم .. اعتراني العجب ، كما يعتريني عندما أقرأ مقالات النقاد الفنيين أو أستمع إلى رأي رجل الشارع ..
فهناك تجاهل للسنباطي إما مقصود كما هو لدى النقاد العارفين بتاريخ أم كلثوم أو غير مقصود لدى رجل الشارع الذي إن أراد أن يدعي أنه سميع للطرب ويعرف في أم كلثوم يقول أنه سمع (إنت عمري) أو (سيرة الحب) أو (أمل حياتي) !!
والفئة الأخيرة معذورة لأن التركيز في الإذاعات منصب على الأغاني السالفة الذكر .. أما بعض النقاد وليس كلهم فهم من أستغرب موقفهم .. فإن كان الناقد تعبيرياً محباً للتغريب تراه يمجد القصبجي ورائعته ( رق الحبيب ) وإن كان شرقياً أصيلاً تراه يمجد زكريا أحمد .. وإن كان الناقد إمعةً لا رأي له تراه يمجد ( أنت عمري ) من منطلق الجهل بروائع عبد الوهاب القديمة والتقليد لا من منطلق الإكبار له ، وكل الملحنين السالف ذكرهم جهابذة ولا غبار عليهم إلا أنه إن أردنا سبر تاريخ أم كلثوم ، يكون من الكفر والإجحاد ، إنكار الفترة الذهبية ، فترة الأربعينات التي تربعت فيها أم كلثوم فعلياً على عرش الطرب وهذه الفترة كان الفضل الأول والأخير فيها للعبقري رياض السنباطي ..
رياض السنباطي هو الملحن الذي لحن لأم كلثوم ألحاناً أكثر من القصبجي وزكريا وعبد الوهاب مجتمعين .. وإن أقررنا أن اللحن الجميل هو الذي يصنع المطرب فأقولها وبكل ثقة إن أم كلثوم هي رياض السنباطي وكوكب الشرق استمد أشعته من شمس رياض السنباطي .
محمد القصبجي الذي لحن لأم كلثوم في بداياتها ورائعته ( رق الحبيب ) تُذكر دائماً
( وأشدد على أني لست بمعرض الطعن بالملحنين العظام ، لكنني بمعرض تحديد من منهم أسهم في مسيرة أم كلثوم الفنية أكثر من غيره ) على أن ( رق الحبيب ) من الناحية الفنية التعبيرية التي تهتم بالصورة السمعية أكثر من التطريب لا تزيد روعة عن الأطلال التي تجمع روعة التعبير في بدايتها واللحن الراقص في منتصفها والشجن الأصيل في منتهاها !!
لكن إذا ذكرت الأطلال لا يذكر السنباطي وكأنها أغنية يتيمة أو بنت حرام ؟؟!!!!!
أما زكريا أحمد ورائعته ( الآهات ) و ( الأمل ) فهما أغنيتان رائعتان .. إلا أنه لم يتخلص فيهما من الموروث الطربي القديم القائم على إهمال الإيقاع والتركيز على الآلات اوترية أكثر من الكمنجة ، والنقلات الموسيقية غير المترابطة ( لكنها رائعة وتحمل عبقرية فطرية ) مما يجعلك تحس وأنت تسمع الأغنية أنك تسمعها في قهوة شرقية قديمة أو في جلسة إنشاد وهو إحساس جميل لا ريب ، إلا أن التكنيك الموسيقي من حيث توزيع أدوار الآلات والإيقاع مفقود ، فالإيقاعات بطيئة جداً مما يجعل المستمع يشعر بالملل وأحياناً لا يميز الكوبليه من الآخر حيث يدخل زكريا من كوبليه إلى كوبليه مباشرة دون قفلة وارجعوا إلى أغنية ( الأمل ) تروا ذلك واضحاً . وأين ذاك من التحفة الشرقية الأصيلة ( رباعيات الخيام ) ؟ استمعوا فقط إلى المقدمة الموسيقية التي تبدأ بهدوء معبرة عن سكون الليل ثم تتعالى الألحان والنغمات وتتراقص الإيقاعات لتعبر عن إغراء الحياة ثم استمعوا إلى الموسيقى الصوفية في نهاية الأغنية التي تعبر عن الندم والتوبة وانظروا إلى توظيفه لطبقات صوت أم كلثوم العالية .
أما العملاق ورابع الأهرام محمد عبد الوهاب فمن استمع إلى ( النهر الخالد )
أو ( إجري وصلني ) أو ( عندما يأتي المساء ) أو رائعته الأخيرة التي أثبت فيها أنه عبقري حتى آخر نفس يتردد في روحه ( من غير ليه ) يعرف ماذا أقصد عندما أقلل
من شأن ( أنت عمري ) أو ( أمل حياتي ) إذ بدا في الأغاني التي لحنها لأم كلثوم في محاولة يائسة لتقليد بليغ حمدي ( الصيحة الحديثة في عالم التلحين والذي أجبر كبار ملحني عصره على الجلوس في المنزل ) ولمن يقول إن هذه الألحان وألحان بليغ كانت ملائمة للعصر فأقول إستمعوا مرة أخرى لـ ( الأطلال ) التي لا تحمل الحزن فقط بل فيها مقطع راقص بديع ( هل رأى الحب سكارى ) واستمعوا إلى توظيف السنباطي للجيتار الكهربائي و تقاسيم الأكورديون ولمحة من الآلات الغربية في أغانيه الأخيرة لأم كلثوم مثل ( من أجل عينيك ) .
أما من يدعي أن السنباطي تقليدي فهذه دعوى فيها نظر ، وربما غلطة السنباطي أنه لم يكن تجارياً بل أخلص للصوت الشرقي الفريد صوت أم كلثوم ، ومنحه من الألحان ما يوائم ذلك الصوت ، لكن إن أردت الإستماع إلى موسيقى مختلفة للسنباطي فاستمع إلى ( على بلد المحبوب وديني ) أو ( إن كنت ناسي أفكرك ) . لكن السنباطي سجن نفسه في صوت أم كلثوم وهي أحسنت إستغلال ألحانه وعندما أرادت مجاراة عصر الثورة الردئ وما تبعه من فقدان الكلاسيكية التي تميز بها الطابع الملكي المصري ، ورواج السوقية التي روجت لها الثورة لتقدم نفسها على أنها نصير الجماهير الكادحة والفلاحة والأمية ، ذلك العصر الذي كان عصر عبد الحليم و كمال الطويل و الموجي وأغاني تافهة مثل ( توبة ) التي تُذاع جنباً إلى جنب مع ( رباعيات الخيام ) و ( يا ظالمني ) ، ثم فترة السبعينات التي ملكها بليغ حمدي وأصبحت ( زي الهوى ) تُذاع مع الأطلال ، كان لا بد لأم كلثوم أن تصد ذلك الزحف السوقي ، فترجلت عن صهوة الفرس الأصيل رياض السنباطي لتركب " ببسكيليتة " بليغ حمدي لتلحق بالركب .
رياض السنباطي الذي عرّفه أحد النقاد الموسيقيين بأنه أعظم من أمسك العود في القرن العشرين ، السنباطي الذي جاء إلى المعهد الموسيقي في القاهرة ليستزيد في تعلم العود فوضعته لجنة الإستماع معلماً في المعهد !
السنباطي حارس القصيدة العربية ، بل هو القصيدة العربية ، فقصائد غيره تضحي طقطوقات أمام قصائده .
القصبجي امتلك النقاد وخسر الجمهور ( لهجر أم كلثوم له فأضحى منسياً للجمهور ) ، وبليغ حمدي امتلك الجمهور ، وعبد الوهاب امتلكهما معاً ، أما الجندي المجهول رياض السنباطي فخسر الإثنين لكن يكفيه ( رباعيات الخيام ) ( يا ظالمني ) ( ذكريات ) ( يللي كان يشجيك أنيني ) ( جددت حبك ليه ) ( الأطلال ) ( ثورة الشك ) ( نهج البردة ) ( سلوا قلبي ) ( ولد الهدى ) ..... هذه هي الثروة الحقيقية فالنقاد يذهبون والجمهور تتغير أمزجته أما الروائع فخالدة ..

مع تحياتي ..
أبو وحيد ..
رد مع اقتباس