الموضوع: مقالات و بحوث
عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 19/04/2010, 19h34
الصورة الرمزية بهاء الدين 7
بهاء الدين 7 بهاء الدين 7 غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:211974
 
تاريخ التسجيل: avril 2008
الجنسية: فلسطينية
الإقامة: فلسطين
المشاركات: 95
افتراضي هل قال هذا الموسيقي الكبير كل ما عنده

سيكون تسخيفا للأمور لو انجرت الصحافة . وخصوصا الصحافة الفنية . الى المبالغة في استعمال لقب
(( دكتور )) امام اسم رياض السنباطي , مثلما فعلت مع عبد الوهاب , بعد ان نال لقب الدكتوراه الفخرية
في الموسيقى , في العام المنصرم , ونالها السنباطي منذ ايام . فالحقيقة ان هذا اللقب لا يضيف شيئا للقيمة الذي
يمثلها هذان الاسمان الكبيران في تراثنا الموسيقي المعاصر , بل الارجح ان يمنح اسماهما قيمة للقب ,
فيما لو احسنت وزارة الثقافة استعماله , فقصرت منحه على القلة التي لها في تراثنا الموسيقي المعاصر
مساهمة تضارع او تقارب ما قدمه عبد الوهاب والسنباطي . اما اذا كان هذا اللقب سيمنح يمينا ويسارا
لكل من اجزل العطاء لنقاد الصحافة الفنية او موظفي الاذاعات , فأصبح اسمه واصبحت موسيقاه رمزا للرواج
التجاري , فسيكون اللقب مجرد ضوضاء اعلامية فارغة , ليس هناك ما يدعو لنزج فيها بقيم فنية في وزن
السنباطي وعبد الوهاب .

هذا عن لقب الدكتوراه الفخرية في الموسيقى , الذي تمنحه وزارة الثقافة المصرية , فماذا عن رياض السنباطي
حامل اللقب هذا العام ؟

هناك اكثر من معيار يمكن ان نقسم على اساسه تيارات الموسيقى العربية المعاصرة ,
غير اننا اذا اردنا اعتماد اكثر المعاير شمولية وتعميما , امكننا القول ان مرحلة ما بعد سيد درويش قد
شهدت اربعة ملحنين رئيسيين , يمكن تقسيمهم الى فئتين : محمد القصبجي وعبد الوهاب في فئة ,
وزكريا احمد واسنباطي في فئة ثانية , الفئة الثانية واصلت خط الموسيقى العربية الكلاسيكية
كما وصلت الينا من القرن التاسع عشر عبر عبد الحامولي فمحمد عثمان فكامل الخلعي فداود حسني ,
بينما استجابت الاولى لرياح النوافذ الجديدة التي فتحها سيد درويش ....
ومع ان هناك الكثير من التفاصيل المتداخلة بين الفئتين , ومع ان هذا التقسيم لا يمكن ان يكون قاطعا
وحادا ( ربما بستثناء تصنيف زكريا احمد الشديد التميز ) ومع ان للسنباطي اعمالا يمكن نسبتها الى الفئة
الثانية فان التقسيم العام الذي اعتمدناه يعكس الخط الئيسي , والنكهة المميزة والشخصية العامة لأعمال
هؤلاء الاربعة الكبار . ولن تغرق في مزيد من التفاصيل العامة , بل نعود الى السنباطي .

مما يخالف التقسيم الذي اعتمدناه في بداية الكلام , ان السنباطي بدأ حياته متأثرا بالقصبجي تأثرا واضحا .
يبدو في كثير من الحانه المبكرة لام كلثوم , وربما كان اوضحها تأثرا بالقصبجي اللحن الممتاز الشهير
(( النوم يداعب )) ومعظم الحان السنباطي السينمائية لليلى مراد . وخاصة في فيلم ( غادة الكاميليا )
و ( ليلى بنت الفقراء ) اللذين شارك القصبجي في تلحينهما على كل حال ,
لقد بلغ من التنوع المبكر للسنباطي , ومن شدة تأثره بالقصبجي الكبير , ان اكثر من لحن للسنباطي
في تلك الفترة يمكن نسبتها الى القصبجي بكل سهولة . ولا احد يدري المستقبل الذي كان ينتظر
السنباطي لو استمر في هذا الطريق . ولكن نبوغا في وزن نبوغ السنباطي , لا يمكن في النهاية الا
ان يشق طريقه الخاص .

ان المعلومات القليلة المتوافرة عن شخصية السنباطي ( وهو بالمناسبة اشد الملحنين العرب بعدا عن الصحافة
والعلاقات العامة ) تشير الى ان الشخصية المحافظة للسنباطي والمتشبعة بالاجواء الدينية ,
كان الحبل الذي شد السنباطي الى الخط الكلاسيكي في التلحين . بعد ان انتقلت اليه جرثومة القصبجي المتجدد .

غير ان هذه السمة التجديدية لم تفارق السنباطي على كل حال . بل خلعت على كلاسيكيته في بعض الفترات
مسحة معاصرة , تبدو اكثر ما تبدو في الالحان القليلة التي لحنها لنفسه ومن اشهرها قصائده ( فجر)
( اشواق ) و ( الزهرة ) واغنيته السينمائية الطويلة (( على عودي )) وهي التي تبدو فيها روح
معايشة السنباطي لعبد الوهاب بشكل واضح .


غير ان هذا الخط لسبب لا بد من كشفه بكثير من التفصيل والدقة عند تأريخ السنباطي مستقبلا ,
بقي الخط الثانوي في حياة السنباطي , واندفع خطه الكلاسيكي المحافظ يتطور ويتعمق ,
ولعل اعظم الصدف التي واكبت ذلك تلاقي موهبة السنباطي الكلاسيكية الاصيلة المتدفقة كالنهر بصوت
ام كلثوم العظيم . الذي فيه الكثير من الصفات المشتركة مع الحان السنباطي , سواء في فطرته او في
اسلوبه الآدائي .

ومع ان السنباطي عايش عملاقين في التجديد هما القصبجي وعبد الوهاب ,
فان من الواضح ان فراغا هائلا كان سيبقى في تراثنا العربي المعاصر , لو لم يخض السنباطي تجربته
العظيمة في تطوير غناء القصيدة العربية الكلاسيكية .

وكم يبدو سخيفا ومثيرا للشفقة ذلك الحديث المشوه عن العلوم الموسيقية الذي يطلقه بعض الذين لا علاقة
لهم بالفن الموسيقي سوى معلوماتهم الاكاديمية ( وعن الموسيقى الغربية وحدها ) كم يبدو حديث هؤلاء ونظرياتهم
سخيفة ومثيرة للشفقة امام قلعة القصيدة العربية الكلاسيكية المعاصرة التي بناها السنباطي في اعمال مثل
- سلو كؤوس الطلى - سلو قلبي - نهج البردة - النيل - ولد الهدى - رباعيات الخيام - وحديث الروح -
ومصر تتحدث عن نفسها - الاطلال ----فالسنباطي في هذه الاعمال الشامخة والغزيرة في آن
لم يثبت فقط الماما محيطا بالمفامات والايقاعات العربية البالغة الثراء ( وهو في هذا المجال اكثر علما من
الذين اقتصر تعلمهم على التراث الاكاديمي الغربي ) بل خلق تراكيب في تداخل المقامات ,
ونسج حركات الانتقال المدهش والمتماسك بين مقام وآخر , وتزويج مقامات غريبة عن بعضها
او غير مألوفة التزاوج , ستكون في يوم من الايام مادة دراسية غزيرة ( بالاضافة الى كونها خلاقة وأصيلة )
لا شك بان احفادنا سيعرفون قدرها الحقيقي , اكثر مما نعرفه نحن ....
وقد ساعد السنباطي كثيرا في هذا المجال تملكه المطلق لآلة العود , الذي اعتبر من خيرة العازفين
المعاصرين عليه , وعزفه يتميز عن عزف فريد الاطرش , ( مع ان الشهرة الشعبية للثاني كعازف اكثر اتساعا )
بان عزف السنباطي ( شأنه في ذلك شأن القصبجي وعبد الوهاب ) يمتاز بالعمق والخصب والخيال غير المحدود ,
بعكس فريد الاطرش الذي يتميز بالاستعراضي مع شيئ من ضيق الخيال . وان كانت التقنية التنفيذية
واضحة فيه .


كما ساعده انه لم يخض تجربة القصيدة العربية بموهبته ومجهوده فقط ,
بل بحنجرة تاريخية هي حنجرة سيدة الغناء العربي ام كلثوم .
لعل هذه النقطة كانت في حياة السنباطي نقطة قوة ونقطة ضعف في آن .
فقد كان واضحا عند وفاة ام كلثوم ان هناك خاسرين كبيرين هما عبد الوهاب والسنباطي
الاول لأنه اعتزل الغناء منذ فترة طويلة وبدأ منذ منتصف الستينات يركز مجهوده التلحيني
الاساسي على حنجرة ام كلثوم , ولكن خسارته مع ذلك ظلت محدودة , لأنه كان قد بنى
مجده الموسيقي خارج اطار هذه الحنجرة العظيمة . وبقيت امامه حناجر اخرى ( عبد الحليم -
نجاة الصغيرة - وفيزه - وردة - ) اما السنباطي . فهو الخاسر الاكبر لان الخط الاساسي
في حياته الموسيقية قد ارتبط بحنجرة ام كلثوم ارتباطا كاملا ,
لدرجة ان التساؤل عند رحيل ام كلثوم كان عن اتجاه السنباطي وعن امكان اضطراره
لتطوير خطه الثانوي الذي اعتمد فيه على صوته .
ولكن صوته هو الاخر لم يعد صالحا للغناء ( بدليل اغاني ام كلثوم التي سجلها بصوته
على استوانات مع عوده وأسوأها عودة عيني )

ومع ان سنوات ثلاثا تكاد تمر عل رحيل ام كلثوم . فان السؤال ما زال مطروحا بالنسبة للسنباطي ,
هل انتهى موسيقيا بنهاية حنجرة ام كلثوم ,
ام ان في جعبته المزيد الذي لا بد من ان يجد سبيلا لاخراجه الى النور ؟


آخر أخبار القاهرة تقول ان السنباطي يبحث عن اصوات كلثومية ,
وانه وجد ضالته في صوت نسائي (( ياسمين )) لحن لها قصيدة البصيري في مدح الرسول
عليه الصلاة والسلام ---- التي انشدتها ليلة تقلده لقب الدكتوراة الفخرية تتويجا ختاميا
لحياة فنية طويلة , ولكن هذا الصوت اصغر كثيرا من الحان السنباطي ,

ليس في الفن قواعد ثابتة . فالشاعر الفرنس الشهير رامبو انهى حياته الفنية في التاسعة عشر من
عمره . والموسيقار الايطالي الشهير فردي ظل يعطي حتي طعن في الثمانين .

وحياتنا الموسيقية مجدبة . متراجعة لم تخلق بعد ما يسد فراغ كبير مثل السنباطي
, لذلك فان متعتنا ستكون كبيرة لو كان ما يزال في جعبته طرائف شرقية جديدة يتحفنا بها ,
ويضع علامات على الطريق في زمن التيه والتخبط . 23/10/1977

عنوان هذه الاسطر
هل قال هذا الموسيقي الكبير كل ما عنده ؟

الياس سحاب
دفاعا عن الاغنية العربية
رد مع اقتباس