رد: الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة
للحب أغني
لكَ أنتَ أُغنِّي
حُبُّكَ أنتَ هو الخالد
أعداءُ الأمسِ على جُثثِ القتلى
تشربُ من نَـخْـبٍ واحد .
لكَ أنتَ أُغَنِّي
صوتُكَ يختَصِرُ التاريخَ إلى أغوارِ الصَّمتْ
تُشبِهُكَ الدنيا ـ تختصرُ الكونَ ـ
وأنتَ … خُلاصتُها أنتْ .
للبحر شبيهِكَ أكتبُ شِعري
أَتَنَشَّقُ مِلءَ الرئتينِ على الشاطئِ
سفناً لم يدهَمْها القرصانُ
وحورياتٍ
ولآلئْ
لسماءِ الله أُغَنِّي
زرقةُ هذا السَّقفِ المتناهي البُعدْ
وحُــبُّكَ
شيئانِ بلا حَدْ ،
فليتوَزَّعْ مَجدُ الشِّعرِ على الشعراءْ
حينَ تَمرُّ فصولُ العام
تَتَبَدَّلُ ألوانُ الأشجارِ ، وأوزانِ الأشعارِ
وأحوالُ الرؤساء ،
ويظلّ الحبُّ هو الخالدُ
إذْ أعداءُ الأمسِ على جُثثِ القتلى
تشربُ من نَـخْـبٍ واحد
عيون المها
لِمَها الرُّصافةِ في الهوى سِفْرُ
لِعيونِها يتفجَّرُ الشِّعْرُ
سَهِرَ الضِّياءُ على شواطئها
وصحا على لأْلائهِ النَّهرُ
و أثارتِ النيران رِعشتُهُ
فتعلَّقتْهُ طُيوفُها الحُمرُ ،
تكبو السَّمومُ فما تُقارِبُها
وتزورُها الأنسامُ والقَطْرُ
وأبو نواسٍ سامِرٌ جَذِلٌ
في كأسِهِ تتألَّقُ الخَمرُ ،
يُومي لأهلِ الكرخِ في مَرَحٍ
ما تُؤجرونَ به هوَ السُّكرُ
دارُ النِّخيلِ الكرخُ ، أطيبِهِ ،
فعلامَ طبعُ نَزيلِهِ مُـرُّ ؟
وَلمَ الرُّصافةُ في تأنـُّقِها
بالكرخِ ليس لأهلها ذِكرُ ؟
يا ثِقلَ كرخيٍّ نُجاذبُه
لطفَ الهوى ، ووِصالُهُ نَزْرُ ،
مُتَرَدِّدٌ بالزهوِ ، أعْجَبَهُ
أنَّ الأحبَّةَ حَولَهُ كُثرُ
يدنو ، فتحسَبُ أنتَ لامِسُهُ
ويغيبُ ليس لِلَيْلِهِ فجرُ ،
ويقولُ : ” مُشتاقٌ ” . وفي غَدِهِ
يتمازجانِ : الشَّوقُ والهَجرُ .
ونُريدُهُ ، وَنُـلِـحُّ نطلُـبُهُ
فيجيئُنا من صوبهِ عُذرُ ،
ويَـظَلُّ هذا الجسرُ يفصلُنا
وكأنَّ دجلةَ تحته بحرُ
خُلِـقَتْ جسورُ الكونِ مُوْصِلَةً
إلاّ ” المُعَـلَّـقُ ” أمرُهُ أمرُ
العشاء الأول
تَـذكرُ ؟ إذ صافحتني
أوّلَ م التقيتَني
وهاجِسٌ من الهوى
إلى الهوى يَشُدُّني ؟
دُختُ ، شعرتُ بالدُّوارِ
حينما لمستَني
ولم تكن تَـعْـرِفُني ،
أدري إذا عَرَفتني
تُحِـبُّني ،
فكنتُ من مائدتي
أحرِصُ لا تُبصِرني
وأحتمي بجارتي
وإن تُمِلْ ..
مروحتي تحجبُني ،
وأسرقُ النظرةَ أحياناً ..
فلا تلمحني .
وانتهتْ الحفلةُ إذْ سألتَ عنّـي :
أينها ؟
من بعد ما افتقدتَني
ـ تعرفني اسماً كنتَ ، لا تعرفني .. ـ
وكنتُ غادرتُ إذْ استوقفْـتَني ..
سألتني ، سألتني ، سألتني ،
فلم أُجِبْ عن كلِّ ما سألتني
ولم تَزَلْ كَـفُّـكَ في كَفِّـي
إلى نِـهايتي تَشُـدُّني
يدي على فمي
وقلبي في انعدامِ الزمنِ
خرساءَ كنتُ
و ضحِكتَ واثقاً
زعزعْتَـني
ضِـحْـكتُـكَ الشَّمْـسُ بُعَيْـدَ مطرٍ تَـغْـمُـرُني
عَـجِـبتُ كيفَ لم أذُب
بدفئها
وكيفَ رجلي لم تزلْ تحملني ،
مُـدَّخَـرٌ حُـبُّـكَ لي
بين ثنايا زمـني
طريق الصمت
حَـذَّرتُـكَ
لا تسألني تفسيراً
إن سرتَ معي ،
ورضيت .
لم يَـطُـلِ الدربُ كثيراً ،
قلتَ :
” أما كنتِ قتلتِ فتىً بالأمسِ ؟
كانَ رقيقاً ومريضاً ومُـحِـبَّـاً و … ”
ـ يا ولدي
سيكونُ فراقاً هذا
هلاّ أقصرت .
كان مريضاً ورقيقاً ومُحِـبّـاً
حَـسَـنٌ ، ماذا يحتاجُ المَـيْـت ؟
ثم مشيـنا ..
حَـذَّرتُك لا تشتم أصحابَ الأمسِ
وأنتَ تسيرُ معي ،
فشتمت .
ثم مشيـنا ..
كانت عيناكَ تفرّانِ على الجهتينِ
إذا مَـرَّتْ بنت
كنتَ قريباً منّي
وبعيداً عنّي
مغروراً كنت .
ثم مَـــشـيـنا ..
وعطشـنـا
فتوقَّـفنا نشربُ
أشهدُ أنِّـي لم أشربْ من قبلُ
كما بالأمسِ شربت
الكأسُ أنا
والخمرةُ أنت .
ثم مشيـنا
واطـمـأنت
قلتُ ادخلْ يا آدمُ
دونَكَ أشجارُ الجنّـةِ
جَـرِّدْها غُـصُـناً غُـصُـناً
إلاّ شجـرَ الحزن ..
فأنا أفـزَعُ أفـزَعُ من أشجار الحزن .
أعرضْتَ عن الأغصانِ المسموحِ بها
وعصيت ؛
اسودّتْ أشجارُ الحزن غيوماً
في عيني
وبكـيت ،
مطروداً تخرجُ يا آدمُ
فارجِـعْ من حيثُ أتيت
|