عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 20/05/2007, 16h26
الصورة الرمزية abuaseem
abuaseem abuaseem غير متصل  
طاقـم الإشـراف
رقم العضوية:17090
 
تاريخ التسجيل: March 2007
الجنسية: ليبية
الإقامة: انجلترا
المشاركات: 15,989
افتراضي رد: اراء و دراسات في الغناء و الموسيقى الليبيه

التغيرات والإضافات التي طرات على فنون أداء النوبة الليبية

بقيت النوبة الليبية فناً يؤدّى بالطريقة التقليدية القديمة في الزوايا العيساوية حتى بداية العقد السادس من القرن الماضي حيث لحقت بها بعض التغيرات في طبوعها وأوزانها وفي فنون أدائها ومناسبات وأماكن استعمالها وتقديمها ، ولعل السبب الرئيسي لهذه التغيرات الطارئة تحول النوبة من فن طرقي عقائدي إلى وصلة موسيقية غنائية إذاعية تبث عبر الأثير إلى مستمعي الإذاعة عن بُعد بدلاًَ من حضورهم ومشاركتهم في فعالياتها على الطبيعة مباشرة كما تعودوا من قبل.

وأول من قام بهذه المهمة الفنان " محمد مرشان " في فترة رئاسته لقسم الموسيقا بالإذاعة الليبية (1960 - 1963 ) حيث قام بتأسيس أول فرقة موسيقية غنائية متكاملة لأداء فنون النوبة بالإذاعة ، وقد أشرف على تدريبات الفرقة رائد من رواد النوبة الكبار وهو المرحوم الشيخ محمد أبوريانة ساعده في هذه المهمة تلميذه الشيخ محمد أبوبكر تومية ( الشهير بقنيص ) ، وقد قامت الفرقة لأول مرة ، بتسجيل مسموع لعدد ثماني نوبات مالوف كاملة حسب الترتيب المتّبع في الزوايا آنذاك ، وعندما استلم الفنان " حسن عريبي " رئاسة قسم الموسيقا بدلاً من مرشان قام بإعادة تسجيل هذه النوبات وأضاف إليها ثلاث نوبات جديدة حيث أصبح عدد النوبات المسجلة بالإذاعة إحدى عشرة نوبة ، وتكونت المجموعة الصوتية التي سجلت هذه النوبات من كبار مطربي الإذاعة الليبية في ذلك الوقت ، وتم في هذه التسجيلات اختصار طول النوبة التقليدية لتلائم العرض الإذاعة المسموع ، وفي خطوة ثانية قامت فرقة الإذاعة بأداء النوبات لأول مرة على المسارح العامة في عروض فنية ساهرة في بعض المناسبات الوطنية، كما شاركت هذه الفرقة في عدد من المهرجانات العربية والدولية خارج البلاد مما جعل النوبة تبتعد كثيراً عن بيئتها الأصلية في الزوايا العيساوية وفي المناسبات الدينية ، والاجتماعية
المختلفة.

ونورد فيما يلي أهم التغيرات التي لحقت بالنوبة عند دخولها الإذاعة بحجة التحديث والتطوير:

1. إعادة ترتيب مقاطع النوبات والتدخل في نصوصها وألحانها وإخضاعها لمقامية الموسيقا العربية المشرقية ممّا طبع هذه النوبات بطابع موسيقي شرقي عصري أبعدها كثيراً عن طابعها التقليدي الأندلسي القديم المتعارف عليه بين شيوخ هذا الفن الذين استهجن أكثرهم هذه التدخلات في تراث تقليدي له مكانة مقدسة في قلوبهم.
2. استبعاد الاستخبارات " الارتجالات الآلية " والاستفتاحات الصوتية واستبدالها بمقدمات موسيقية جديدة ذات طابع استعراضي مشحون بألحان وأوزان الغناء الشعبي القديم لا تمث إلى النوبة الأندلسية الليبية بصلة ، وقد تساوت في هذا الأمر نوبات البرول والمصدّر التي أصبح لها مقدمات موسيقية على السواء . .
3. إلغاء الطريقة القديمة في أداء النوبة المعروفة بشيخ وردّادة المستعملة في الزوايا واستبدالها بطريقة أداء المجموعة الكاملة مما جعل النوبة أشبه بأغنية جماعية تؤدّى بمصاحبة الفرقة الموسيقية.
4. إقحام بعض الفواصل الموسيقية داخل الصنعات بحجة ملء الفراغات النغمية وإصلاح بعض الكسور الإيقاعية في أوزانها .. علماً بأن بعض هذه الفواصل حل محل الألفاظ المساعدة القديمة التي كانت تستعمل لهذا الغرض.
5. عدم تسجيل النوبات ذات الطابع الصوفي كنوبة " يا بن عيسى يا ولي مكناس " ونوبة " يا محمد يا جوهرة عقدي " التي قيلت في مدح الرسول صلّى الله عليه وسلم ، بحجة أن نصوص هذه النوبات لاتناسب الإذاعة ولا الحفلات الساهرة والأولى بقاؤها في نطاق الزوايا العيساوية.

وهكذا بعد أن قدّمنا ، عبر الصفحات الماضية ، هذه الدراسة التاريخية الوصفية للنوبة الأندلسية الليبية ( نوبة المالوف المعاصرة ) التي شملت الثوابت والمتغيرات أو الأصول والإضافات في هذه النوبة وما حدث لها من تغيرات عند انتقالها من بيئتها الأصلية الزوايا العيساوية إلى حجرات التسجيل الإذاعية والمسارح العامة والمهرجانات العربية والدولية .. بعد كل هذا يمكننا القول إن هذا التراث الموسيقي الغنائي العريق الذي تنحدر جذوره وأصوله العريقة من بلاد الأندلس الزاهرة لازال يصارع من أجل البقاء والاستمرار في ظل الظروف المعاصرة رغماً عن كل ما تعرض له من محاولات التغريب والتشريق التي لا شك أن لها بعض الآثار المدمّرة عليه .. كما يتضح لنا مدى الجهود الجبّارة التي بذلها الشيوخ الكبار من رواد فن النوبة الغنائية في بلادنا من أجيال السلف الصالح عبر العصور الماضية في سبيل الحفاظ على هذا التراث العريق ، وفي سبيل العمل على استمراره ونشره وتوصيله بكل أمانة فنية ، وأدبية إلى أجيال الخلف التي يجب عليها في ذات الوقت واقتداءاً بالسلف الصالح القيام بهذه المهمة الكبيرة على أتم وأكمل وجه.




د. عبدالله مختار السباعي

المصادر: عبدالستّأر العريفي بشّيهْ ، فن المالوف في ليبيا، رسالة ماجستير غير منشورة
رد مع اقتباس