الموضوع: ذكريات قصصية
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 05/03/2025, 08h40
الصورة الرمزية لؤي الصايم
لؤي الصايم لؤي الصايم غير متصل  
مواطن مساهم
رقم العضوية:785901
 
تاريخ التسجيل: August 2017
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 59
المشاركات: 2,550
افتراضي رد: ذكريات قصصية

ذو كرامة

تمضي الأيام والشهور والسنون سراعا وفجأة نتأمل صورة قديمة وننظر في المرآة فنكتشف أن وقت طويل قد مضى ورسمت ريشة الزمن بيدها غير الحانية على الوجه قسمات وعلى خصلات الشعر لتحولها من اللون الأسود الفاحم إلى اللون الأبيض الشاهق وتتداعى الذكريات وتطرق الرأس لتمر كشريط سينمائي أمام العين آثرت النفس أن يطول هذا الشريط..
لتستخرج منه ما بات في الذاكرة دفينا ومع العبث في خصلات الشعر البيضاء تذكرت "الشيخ رمضان السيوي" والذي التقيته وأنا في شرخ الصبا وهو قد تجاوز الثمانين ربما بنصف عقد من الزمن رجل صورته الآن تبدو واضحة وجلية أمام ناظري فهو متوسط الطول وبنيانه أيضا متوسط وله هيبة لا تخطئها عين وربما كان لقبه "السيوي" مرتبط بتلك الواحة البعيدة في الصحراء واحة سيوة فشكله قريب جدا من رجال هذه الواحة الوجه النحاسي الذي تبدو عليه أمارات الصحة والعنفوان مع اللحية الناعمة المهذبة البيضاء كلوزة القطن المتفتحة .لم أكن أعرفه مطلقا حيث أنه من قرية تبعد عن قريتنا مسيرة ساعة بالركوبة وسأقص عليكم كيف التقيت به
الليل في القرية في ذاك الزمن البعيد يبدأ بعد الانتهاء من صلاة العشاء ويحل سكون غير عادي اللهم إذا كان هناك مناسبة ما من أفراح أو عزاء أو ما يشابه ذلك في المواسم والأعياد حيث ليالي المديح وقراءة الأوراد وفي ليلة من ليالي السكون وعند انتصاف ليلها إلا وصرخة مدوية من بيت الجيران وطبعا لابد أن يهرع الجميع ليرى ماذا حدث ربما حريق وهذا من الأشياء التي كانت تؤرق كل البيوت في هذا الزمن ولكن أبدا لم يكن حريق لكنها سيدة أربعينية اسمها "مجيدة" كانت تعيش بمفردها هي التي تصرخ فتطوع أحدهم وتسور السور ليرى ماذا دهاها وفتح لنا الباب فإذا بها تشكي أن ألما يعتصر جنبيها فأرسلنا في طلب طبيب "الوحدة الصحية" ليجري لها اللازم فأعطاها مسكن للألم لم يتجاوز الريفو وبعض حبات السلفا وحقنة مجهولة في زجاجة كبيرة أخذ منها بالمحقن بعض مليمترات وأعادها ثانية في شنطته الخشبية وانصرف وانصرفنا وخلدت هي للنوم .وفي صبيحة اليوم التالي بعدما انتصف النهار ذهبت لأطمئن عليها فإذا بها في حالة إعياء غير عادية فأخبرتها أنني سأذهب ثانية لاستدعاء الطبيب فأمسكت يدي بقوة عجيبة وقالت بصوت به حشرجة من تخرج روحه لاداعي للطبيب علاجي عند "الشيخ رمضان السيوي"
فقلت لها "ومن هو الشيخ رمضان؟! وأين هو ؟!"
قالت هو في بلدة قريبة من هنا وأرجوك اذهب إليه واستدعه ليأتيني هنا
فسألتها هل تعرفيه يا ست "مجيدة" يعني أقول له الست مجيدة تريد لقاءك ؟!
قالت أنا لا أعرفه ولاعمري ذهبت لقريته ولا عمري رأيته ولا هو يعرفني لكن أنا مستعدة أوصفه لك وأصف لك بيته وأين ستجده بالضبط !!!!!
وبالفعل وصفت لي المكان بأدق التفاصيل ووصفت لي الشيخ كأنها تراه فازداد شغفي وعقدت العزم على تلبية رغبتها
وبالفعل أخذت الركوبة واتجهت الى تلك القرية مهتديا بوصف الست مجيدة دونما أسأل أحد ولما اقتربت من البيت بالفعل البيت كان على ناصية بحري شرقي والبيت كبير جدا وبابه من الأبواب الكبيرة التي يتوسطها باب أصغر وهو دورين و حوائط البيت عريضة ومغطاه بطبقة من طمي النيل الأحمر ويبدو منه ذاك السرس الذي يهبه عمرا طويلا وفي داخل البيت تتوسطه طلمبة مياه كبيرة تحتاج إلى رجل فتي لإدارتها وفضيلة الشيخ يجلس في "المندرة" والتي لها شباك على الواجهة البحرية طوله كطول أبواب هذا الأيام إن لم يكن أطول -تماماً كما وصفت الست مجيدة- وما إن طرقت الباب حتى فتحت لي سيدة كبيرة في السن أتذكر أنها تشبه الفنانة إحسان الجزايرلي في صوتها وشكلها وحجمها وهي زوجة الشيخ واسمها الحاجة "زكية" فسألتها عن الشيخ فقالت هو في انتظارك!!!!!
فلم أنطق ببنت شفه وأشارت إلي أن أدخل إلى المندرة التي يجلس فيها الشيخ
فسلمت ودخلت فقام الرجل مرحبا ورد السلام بحرارة وترحاب غير عادي وما إن جلست إلا وأمر بحضور واجب الضيافة كأحسن ما يكون
وفي الفترة التي أنا بها في مندرة الشيخ كنت أريد أن يطول الوقت ولا ينتهي أو تتوقف الساعة عن العدد فأنا في مكان أبدا لم أرَ له مثيل إلى وقتي هذا .ثمة رائحة جميلة تهب هبوبا وتأتي نسائمها من هذا الشباك البحري وثمة برودة تعتريني رغم أننا في شهر أغسطس وصوت الرجل كأنه نغمة خالدة تخرج من أرغن وجودي لا أراه ولما هممت بالكلام لأخبره برسالة "الست مجيدة" إلا وقال أنا جاي معاك بس يحضروا لي العربة !!!
ثم أمرني أن أجاوره في عربته لأقودها وأترك ركوبتي لفتىً يعمل عنده سيأتي بها في إثرنا
وتوجهنا من فورنا لمنزل الست مجيدة وما إن دخلنا إلا ووجدتها في حال غير الذي كنت قد تركتها عليه ارتدت لها عافيتها وكأنها بنت العشرين ربيعا وهنا قال لها الشيخ ها أنا قد أتيت مين مزعلك يا ست مجيدة ؟!!!
فقالت له خلاص يا شيخنا الزعل والتعب راح هو فيه حد يقدر يزعلني بعد دخلتك عليَّا
وبعد نصف ساعة تقريبا أو أكثر بقليل هم الشيخ بالانصراف وأنا ذاهل عقلي وفؤادي وعند ركوبه لعربته مع فتاه استأذنته أن أزوره مرة أخرى فقال في انتظارك ولو كل يوم
وظللت ألتقيه إلى أن تركت هذا المكان وكنت كلما ذهبت لزيارة الأهل كان في جدولي دائما زيارة هذا الشيخ حتى تجاوز هو المئة عام وظل له هذا البريق وهذه الكرامات العجيبة
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg زمان.jpg‏ (105.6 كيلوبايت, المشاهدات 9)
__________________
DO FOR ALLAH, ALLAH WILL DO FOR YOU

https://www.facebook.com/dartanian66/
https://www.youtube.com/@Loaieelsaiem
رد مع اقتباس