الموضوع: ذكريات قصصية
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 05/03/2025, 08h36
الصورة الرمزية لؤي الصايم
لؤي الصايم لؤي الصايم متصل الآن  
مواطن مساهم
رقم العضوية:785901
 
تاريخ التسجيل: August 2017
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 59
المشاركات: 3,165
افتراضي رد: ذكريات قصصية

نصــيف

عندما قاربت حقبة السبعينات على نهايتها إلا وتغير الحال في تلك القرية البعيدة القابعة في أحضان النيل وكذا حدث في كل القرى تقريبا فقد هبت رياح الانفتاح السريعة على تلك الربوع كما هبت عليها الرياح القادمة من الصحراء بفعل الإعارات المتتالية إلى الصحراء ليأخذوا عنا ونأخذ عنهم ولبئس ما أخذنا وكم كنا نتندر عندما يخرج علينا عبر شاشة التليفزيون الرئيس المؤمن بجلبابه الهجين بين الصعيدي والفلاحي والإسكندراني بصحبة كبيرة مذيعات التليفزيون في ذاك الوقت ويتحدث عن أخلاق القرية!! وكبير العائلة.. فنقول وأين ذهبت هذه الأخلاق؟! لا أدعي أن القرية كانت مثالية ولكنها كانت متماثلة بل تمثل شريحة غنية بالتفاصيل ثلاثة أرباع بيوتها من اللبن وواجهات هذه البيوت مغطاة بطبقة الطمي الأحمر وبداخلها قلوب من ذهب وراضية بما لديها أما الربع الباقي فكان موزعا بين الموظفين وكبار الملاك وشيخ المسجد وعمدة القرية وشيخ البلد وهكذا .هذا وقد كان في كل بيت من يحبو تجاه التعليم فمنهم من أكمل الطريق ومنهم من آثر البقاء في أحضان القرية لكن الفئة التي واصلت المسيرة أبدا لم تكن تنفصم عن مجتمعها وما أجمل اجتماع هؤلاء النجوم الزاهرة ليتناقشوا في كتاب جديد أتى به أحدهم من البندر أو رواية جديدة تلهب المشاعر كروايات إحسان عبد القدوس.
وكان أحدهم شارف على التخرج من الجامعة وهو "نصيف أمين" شاب أسمر طويل القامة متسع العيون حاد نظراتها مفتول العضلات ذو شعر ناعم كثيف وسيم عندما يرتدي قميصه الأبيض مع بنطلونه الأسود ذي الساسونات من الجنبين وأيضاً وسيم عندما يرتدي جلبابه الكتان الأبيض وفي هذه الآونة كانت المدارس الابتدائية بها إقامة لمعلمات هذه المراحل وإحداهن آية في الكمال والجمال وهنا أخرج كيوبيد سهما من كنانته وأطلقه ليقع "نصيف" في حبها وأيضا هي لكن في مجتمع كهذا كيف لقصة ملتهبة كهذه أن تكتمل فصولها!! وأصبح نصيف لا يشغله من دنياه سوى هذه الجميلة التي أتت على عقله وقلبه وأصبح كقيس ليلى وكانت سهراتنا دائما لا تخلو من العبث معه وتشبيهه بقيس بن الملوح ويوميا نأتي بنادرة عن قيس ونطبقها عليه لدرجة أن عند اختيار عمدة جديد للقرية اقترحنا أن تكون هي من أجل عيون "نصيف" لنربط بينه وبين قيس عندما سألوه مَن أحق بالخلافة بنو أمية أم بنو العباس فقال ليلى
وبعد أن ظفر "نصيف" بالتخرج من الجامعة أعد العُدَّة ليتخذ خطوة إجابيه تجاه من ملكت قلبه. وبالفعل أخبر أبوه وحقيقة لم يمانع الرجل بل وعده ببيع بضعة قراريط لتلبية طلبه وكيف لا وهو الذي رفع رأس أبيه في القرية بعد أن حصل على الشهادة الكبيرة وذهب عم "أمين" والد نصيف لشيخ البلد ليصحبه معه إلى مدينة هذه الجميلة لتتم الخطبة وقراءة الفاتحة وذهب الركب متوشحا بالأمل والفرحة لكن دائما لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن فقد رفض أبوها رفضا قاطعا ولا أمل أبد أن يثنيه أحد عن رأيه فهي ابنته الوحيدة ولا يمكن أن تكون بعيدة عنه مسيرة خمس ساعات بأسرع وسيلة مواصلات في ذاك الوقت وبالطبع عاد الركب بخفي حنين وظل نصيف قرابة "سنة" بين النائم واليقظان" أو بين" الحي والميت " إلى أن جاءته فرصة عمل بالخارج وبعد سنة أخرى تزوج من ابنة عمه واصطحبها معه إلى تلك الدولة ومضت الأوقات سريعا وكنا نلتقي في أجازاته وما من مرة التقيته إلا وذكر محبوبته السالفة الذكر وعندها تلمع عيونه ويتحول إلى طاقة من نور الشباب عند ذكرها وفي مرة من المرات ونحن في إحدى المقاهي الشهيرة في المدينة إذا به يقول إني أشم ريحها تأتي عليَّ الآن
وقلبي ينبض ويحدثني أنها قريبة! وما إن نظرنا إلى الشارع إلا وهي تمشي ويدها في يد طفل صغير هو طفلها "نصيف"
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg قرية.jpg‏ (52.8 كيلوبايت, المشاهدات 10)
__________________
DO FOR ALLAH, ALLAH WILL DO FOR YOU

https://www.facebook.com/dartanian66/
https://www.youtube.com/@Loaieelsaiem
رد مع اقتباس