وقد انتشرت الاغاني الرمضانية بانتشار الاذاعات العربية وكانت ترمز لفضائل الشهر استقبالاً واستبشاراً وتمجيداً ووداعاً.
الاغاني الدينية
من الواضح لدينا ان الاغاني الدينية اعتمدت في بدايتها القوالب التي وضعها قراء المدائح النبوية والتي كان معظمها يشبه الادوار والعقود الحلبية وقد أخذ الملحنون في بداية القرن الماضي الذي شهد انطلاقة الاغنية الدينية الملحنة والتي استقطبت الرواد بترانيمها وكونت لديهم فكرة بكيفية ادخال الموسيقى ووضع قوالب جديدة واسس لموسيقى الغناء الديني, اخذ الشيخ ابو العلا القصائد الكبيرة وبدأ بتلحينها وكانت تردد بعد ان تحفظ وافضل من روجها الآنسة ام كلثوم في وقتها وفي بداية انطلاقتها, كذلك فإن الشيخ زكريا احمد وهو من الازهر الشريف, كان قد استوعب هذا النمط من الغناء فلحن لنفسه قصيدة ابن الفارض وبعض قصائد شوقي وادخل عليها العود والكمان والقانون والناي الا انها كانت تحمل نفس الطابع فلا تنتقل من ايقاع الوحدة الكبيرة وكانت اهم قصيدة لحنها هي (يا نبياً سمت به العلياء) وهي من البيات.
ثم بدأ يعطي الحانه المتحركة الجديدة الى المطرب ابراهيم حمودة وشافية احمد وفتحية احمد وكثير من الاصوات التي كانت تصدح في تلك الايام وقد حذا حذوه من عاصره من الملحنين وشيئاً فشيئاً تطورت الابتهالات الدينية بحضور الاصوات الجديدة فكان السنباطي والقصبجي قد رفدوا هذا الفن بألحان كبيرة ومتنوعة, وفي الخمسينيات والستينيات انتشرت الاغاني الدينية في الوطن العربي وقد أصبح لكل قطر كتاب وملحنون.
ومن الابتهالات الدينية الراسخة بالذاكرة ابتهال فايدة كامل من النهاوند:
الهي ليس لي إلاك عوناً
فكن عوني على هذا الزمان
الهي ليس لي إلاك ذخراً
فكن ذخري اذا خلت اليدان
كذلك فإن للفنان الكبير وديع الصافي انشودة من الحجاز:
سبحت باسمك بالآصال والسحر
يا باعث النور في قلبي وفي بصري
وللفنان العراقي الراحل ناظم الغزالي اغنية من العجم:
قوم صلي الفجر بيّن
ادي فرضك لا تدين
وهناك نماذج اخرى لا تعد ولا تحصى اخذت جميع الانغام وركبت على معظم الايقاعات الخفيفة منها والثقيلة ساهم بها معظم المطربات والمطربين حتى اصبحت بعض الابتهالات لوناً خفيفاً يتناوله الناس في المناسبات الدينية وقد ساهمت تلك الالحان في كل المناسبات في رمضان كما ذكرنا وفي الحج وكلنا يذكر اغنية الراحلة اسمهان التي تبثها الاذاعة في ايام الحج:
والنبي يا زائرين ارض الكرامة
سلموا على المصطفى سيد تهامة
وهي من الهزام
كذلك فإن لها اغنية خالدة اخرى وهي:
عليك صلاة الله وسلام
شفاعة يا جد الحسنين
د محملك رجعت ايامه
وهي لفريد الاطرش وهي من البيات ولمحمد الكحلاوي اغنية:
لجل النبي لجل النبي
تقبل صلاتي على النبي
وهي من الاغاني الخفيفة الممتعة وقد ركبت على ايقاع المحمودي وتبقى الاغاني الخالدة الراقية لسيدة الغناء العربي ام كلثوم وشيخ الملحنين الراحل رياض السنباطي وقد بدأت ام كلثوم تفتش عن هذا النوع من الغناء فوجدت ضالتها الاولى عند امير الشعراء احمد شوقي فقد ذهبت الى السنباطي بقصيدة:
سلوا قلبي غداة سلا وتابا
لعل على الجمال له عتابا
ويسأل بالحوادث ذو صواب
فهل ترك الجمال له صوابا
فأحسن السنباطي الحانها وتنقل بها ما بين الرست والنكريز والنوى اثرو الحجاز وتغنت بها ام كلثوم فأحسنت اداءها وانتقلت بين الناس الى اوسع مدى ثم جاءت الاغنية الخالدة الثانية التي عارض بها شوقي قصيدة البردة للبوصيري:
ريم على القاع بين البان والعلم
أحل سفك دمي بالاشهر الحرم
لما رنت حدثتني النفس قائلة
يا ويح جنبك بالسهم المصيب رم
وكانت للسنباطي ايضاً وهي من الهزام وتعتبر هذه الاغنية من كبرى روائع ام كلثوم فإنها تمتاز بصعوبة اللحن وقوة الاداء وتوالت الاغاني لأم كلثوم مع السنباطي فجاءت اغنية:
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء
وكانت آخر ما غنت ام كلثوم للسنباطي ايضاً تلك الاغنية التي تتغزل ببيت الله الحرام وهي من الزجل للزجال الكبير بيرم التونسي وقد لحنها واداها بصوته الشيخ زكريا احمد وقد أعاد تركيبها لحناً السنباطي:
القلب يعشق كل جميل
وياما شفت جمال يا عين
اما السنباطي فقد خلدته تلك الاغاني التي صممها لأم كلثوم وله الفضل الكبير على التطور الذي حصل في الاغنية الدينية وتلحين القصيدة بصورة خاصة وقد ادى صوته بعض الاغاني ومنها اله الكون سامحني انا غلطان. وقد تماشت الاغنية الدينية زمناً مع الاغاني العاطفية وما زالت تفرض نفسها في كل الاذاعات في صباح كل يوم ذلك لان لها وقعاً في نفوس المسلمين يودون سماعها كل يوم في ساعات الصباح الباكر بصورة خاصة وانها اصبحت تراثاً وتأريخاً فلن نجد لها امتداداً في هذه الايام.