العالم السفلي للغناء الشعبي في مصر4
اعد الملف :هبة حسنين - شيماء البرديني - محسن محمود
نجم من عزبة عثمان إلي خرطة الشيخ مبارك مروراً بمنشية ناصر.. كلُ يغني «علي باب الله»
ولأن الغناء ليس كله عنب وقوطة وبلح والمطربين ليسوا كلهم علي شاكلة بعرور والصغير وسكسكة والهوا نجد فئة قليلة من مطربي الغناء الشعبي استطاعوا أن يختاروا لأنفسهم موقعا في المنتصف، لا هم بعيدون عن الشعبي ولا قريبون من الابتذال ومن هؤلاء نجم ومنعم ومي شطا، فالأول هو ابن عم الممثل الراحل عبدالله محمود، حاصل علي بكالوريوس علوم قسم حاسب آلي، ويعمل مهندس كمبيوتر، ولديه محل إكسسوارات وهدايا في الهرم.
عمل «نجم» بكل فنون الغناء، شعبي ودرامي، وفرانكو، رغم أنه لم يجد نفسه في أي منها إلا أن لونه أقرب إلي الشعبي، وله في السوق أربع أغان ضمن ألبوم «انتكا» وهي: «إلحقوني وأنتكا والجرح ولا كده عاجب»، وطرح أغنيتين في عيد الربيع هما: «وتعدي أيام وليالي» و«قصة وخلاص» أما سبب تأخر نجم عن الظهور طوال السنوات الماضية فيرجع إلي شركات الإنتاج التي «تعمل له البحر طحينة» في البداية ثم لا تلتزم معه بشيء.
أما «منعم» فهو خريج معهد سياحة وفنادق، وعمل فترة في فنادق شرم الشيخ والغردقة، واكتسب شهرته في الغناء الشعبي من أغنيته «واو» وكليب «علا صوته» الذي يجسد فيه شخصية مجنون، وهي فكرة المخرج الشاب وليد محمود، ويفكر منعم خلال الفترة المقبلة في إحداث تغيير علي الغناء الشعبي، بحيث لا يعتمد علي الرقص فقط.
نزل «منعم» من مركز مغاغة محافظة المنيا ليعمل في أفراح القاهرة وموالدها، ثم كون فرقة من أصدقائه في المعهد وبدأ مرحلة جديدة، وتعاون مع شركة «سنس ميوزيك» لصاحبها مصطفي حسن، وأنتج أول شريط له وهو «وأنا أقوله تعالي» ثم دخل في مشاكل ومتاهات غريبة مع الشركة، ترك علي إثرها الفن الشعبي، معتمدا علي العمل في الفنادق أو التلحين للمطربين الشعبيين، ثم تعاقد مع شركة أخري وهي «ألفا ميوزيك» والتي أنتجت له الألبوم المتضمن الأغنية الشهيرة «واو» اللي كسرت الدنيا.
وبعد فترة عاد مرة أخري إلي منتجه الأول ليواصل معه مسيرته الفنية.
أما مي شطا فهي خريجة معهد الموسيقي العربية، ولها صلة قرابة بعائلة «الوزير» الفنية، كما أنها أحيت أكثر من حفل من خلال برنامج «سهراية» مع الإعلامية صفاء أبوالسعود، وتم اعتمادها في الإذاعة، كل هذا كان دافعا لاختلافها عنهم، خاصة أنها شاركت في كل مسابقات الإذاعة والتليفزيون لكن الحظ لم يحالفها.
سعادة مي باتصالنا بها كانت واضحة، فهي تحلم بأي فرصة للظهور وإثبات موهبتها، وكان اتجاهها الشعبي تماشيا مع الموضة التي فرضت نفسها علي الساحة الفنية، وهروبا من الإذاعة، والتي تكتفي باعتماد المواهب وتركهم دون إنتاج أو رعاية ودعم، فشعورها بالإحباط خاصة أن زميلات كثيرات لها سبقنها إلي الشهرة، مثل زيزي، لا يتميزن عنها في شيء،
إلا أنهن وجدن من يقدم لهن الرعاية والدعم لذا احترفت الشعبي لتصل سريعا، وقدمت كليبها الأول «خد وإدي» ولا تحلم بأكثر من عقد مع روتانا، لتقدم من خلاله كل ألوان الغناء الشعبي والرومانسي والطربي، وطالما لم يتحقق هذا فلا ملاذ لها إلا الغناء الشعبي بمواصفات «الجمهور عايز كده».
والمفاجآت التي صادفتنا بالتعمق في ذلك الملف الذي نعتبره شائكا تجاوزت أصوات هؤلاء المطربين إلي مكتشفيهم، الذين يقفون وراء ألبوماتهم ويمولونها ويساندون تواجدهم، ورغم هذا يقف أغلبهم موقف المدافع عن الفن، المستنكر لأوضاعه ولأصوات هؤلاء المطربين الشعبيين وطبيعة أغنياتهم، ومنهم من توقف عن الإنتاج كدليل علي استنكاره لما يحدث، وهو ما قام به المنتج علي عبداللطيف صاحب شركة سوبر للإنتاج الفني، ومقرها بولاق الدكرور،
وذلك بعد خسارته ٣٠ ألف جنيه هي تكلفة آخر ألبوم أنتجه، لكنه لم يوزع أكثر من ٥ آلاف نسخة يتراوح سعر النسخة الواحدة بين ١٥٠ قرشا وجنيهين، وكانت هذه الخسارة هي نهايته كمنتج يتحمل تكلفة الألبوم وحده وفضل عليها طريقة المنتج المشرف، أي يقوم المطرب بالاتفاق علي الألبوم فيما تقوم الشركة بالإشراف واختيار الكلمات والألحان الناجحة والتوزيع، فإذا حقق الألبوم نجاحا، تقوم الشركة بتجديد العقد وإنتاج ألبوم آخر،
وإذا فشل الألبوم تفسخ العقد مع المطرب، خاصة أن المكسب الوحيد من إنتاج الشعبي هو بيع الشرائط، فلا توجد حفلات «لايف»، أما الأفراح فتخرج من إطار الشركة ولا تكسب من ورائها شيئا، كما أن لعبد اللطيف مبدأ خاصاً في مسألة نسبة حفلات «اللايف» فهو يعتبرها «فلوس حرام»، كما يرفض فكرة الكوكتيل فهو لا يحقق نجاحا في الشعبي.
ويفخر عبداللطيف بأنه مكتشف شعبان عبدالرحيم، وهو الذي قدم معه عدداً كبيراً من الأغنيات بداية من أحمد حلمي، وإن كان لكل أغنية سعر سواء في الألحان أو الكلمات والتسعيرة التي وضعها تبدأ من مائة جنيه، وتنتهي عند ألف جنيه حسب قوة الكلمات واللحن.
ورغم أنه مارس الإنتاج لفترة، إلا أن الخسائر دفعت المنتج سعد متولي إلي إغلاق شركته، والتي أسسها بعد كفاح وجهد، بدأه منذ كان عازفا في إحدي الفرق الشعبية، اعتزل بعدها العزف ليعمل ملحنا، ومنها إلي هواية اكتشاف المواهب وتقديمهم للساحة ثم إنتاج ألبومات لهم من خلال شركة إنتاج مرخصة، لكن الضرائب الكثيرة دفعته لإغلاق الشركة والتفرغ للإنتاج بمزاج، بدأ يلف علي الأفراح الشعبية ويختار منها المطربين، ويعرض عليهم إنتاج أغنية لكل منهم ضمن ألبوم كوكتيل،
ومن يوافق يقم فورا بتوقيع عقد، وبعد أن جمع ثمانية مطربين اختار كلمات الأغاني وقام بتلحينها بنفسه وطرح الألبوم، الذي حقق مبيعات كبيرة، وصلت إلي ١٠ آلاف نسخة، فارتفعت أجور المطربين المشاركين فيه، في الأفراح والحفلات.
ويستعد حاليا لتكرار التجربة مع وجوه جديدة أخري، الأمر نفسه فعله الحاج فهمي حنفي، صاحب شركة التجارة للإنتاج، وإن كان توقفه عن الإنتاج وتحوله إلي التوزيع سببه الرئيسي هو انحدار السوق وانتشار أغاني العنب والسمك والحنطور، أيضا انحدار مستوي المنتجين فكان ينتج الألبوم ويكلفه من ٣٠ إلي ٤٠ ألف جنيه، وبعد طرحه يتم تزويره، لدرجة أنه رفع أكثر من دعوي قضائية ضد منتجين سرقوا منه كلمات وألحاناً، وأحدهم سرق منه ٨ سطور من أغنيته وحصل علي الحكم بحبسه عاماً، وهذا لأن أغلب هذه الشركات غير مرخصة،
فيما اعتبر علاء وهبة، محامي شركة الوادي أن اكتشاف المواهب الجديدة أصبح مهمة صعبة، فطرح ألبوم لمطرب صاعد يعتبر مغامرة كبيرة، لذا فهو يعمل مع النجوم الكبار مثل شعبان عبدالرحيم وعادل الفار ومحمود سعد وحمدي باتشان صاحب أغنية «الأساتوك»، فالشعب المصري يحب نوعين من الأغاني الشعبية، أحدهما الإيفيه والثاني الدراما، وفي الحالتين يفكر وهبة في فكرة ويعطيها لمؤلف وغالبا الفكرة، لا تعدو كونها كلمة أو «إفيه دارج» بين الناس، لكن الناس تحب هذا اللون وتقبل عليه،
وبينما اعتبر منتجو الشعبي أنفسهم ضحايا، نظر إليهم كبار المنتجين باعتبارهم جناة قضوا علي سوق الغناء الشعبي ولوثوه لصالح جشعهم المادي وهو ما أرجعه المنتج د. فوزي مسعود إلي كثرة الراغبين في الغناء، والذين يتقدمون للشركات الكبري فترفضهم فيذهبون لشركات بير السلم التي تنصب عليهم وتوهمهم بتقديمهم للساحة كنجوم، وذلك بشرط أن ينتج المطرب أول أغنية علي نفقته، ورغم أنها لن تتكلف لديهم أكثر من ألف جنيه فإنهم يطلبون منه مبالغ ضخمة يضطر المطرب الصاعد لاستدانة بقية المبلغ،
رغم أنها مبالغ بسيطة بالمقارنة بأسعار الأغاني، فكيف تباع كلمات أغنية بمائة جنيه، في حين أن أقل سعر لأغنية يبدأ من ١٠ آلاف جنيه، حتي التسجيل في الاستوديو لا يستغرق أكثر من ساعة لتوفير إيجار الاستوديو في حين يتم تسجيل أقل ألبوم في ٢٠ ساعة، وبعد كل هذا إذا حققت الأغنية نجاحا تبدأ الشركة في احتكار المطرب وإنتاج ألبومات كثيرة له، تنجح بشكل كبير بسبب انخفاض سعر النسخة فهو يكلفها ٤٠ قرشا ويبيعها بجنيهين.
وأكد المنتج فايز عزيز أن الفضائيات الغنائية هي سبب انتشار شركات الإنتاج الوهمية والرديئة، فهذه الفضائيات تبحث عن أي أغان لعرضها، وهذه الشركات لا يمكن أن نطلق علي أصحابها منتجين، فدورهم يقتصر علي عرض المطرب في فاترينة كما أن عقود هذه الشركات تختلف عن عقود الشركات المحترمة، فأهم شيء لديها هو نسبة «اللايف» والتي تصل إلي ٥٠% في الحفل، كما أنهم يستغلون الكوكتيل بشكل خطأ، فهو بالنسبة لهم أرخص، ويكون فريقاً من المطربين يدفعون بهم إلي السوق دفعة واحدة.