رد: الجمعيات الموسيقية التّونسية
أما العوامل التي أسهمت في إحداث هذه الجمعية، فهي كثيرة، منها ما أشرنا إليه، مثل انتشار الأغاني السخيفة والسطحية وطغيان الانتاج المشرقي - المصري بتوافد المطربين وانتشار الاسطوانات التي اكتسحت البيوت والمقاهي بالاضافة إلى عودة الوفد التونسي بعد مشاركته في المؤتمر الأول للموسيقى العربية المنعقد بالقاهرة من 14 مارس إلى 30 أفريل 1932 وهي مشاركة مشرفة للغاية استرعت اهتمام النقاد والباحثين في المجال الموسيقي وأسهمت بقدر كبير في إعادة الثقة إلى الفن والفنانين التونسيين. كذلك التجربة التي عاشها مصطفى صفر رئيس القسم الأول للوزارة الكبرى عند مشاركته في مؤتمر الحرمين الشريفين بمدينة قسنطينة سنة 1931 وقد أعجب بما لمسه هناك من نهضة فنية. وعند عودته صادف الحديث في النوادي الثقافية عن إحداث جمعية تعنى بالموسيقى الوترية فانضم إلى هذه النخبة التي كان من أفرادها جمال الدين بوسنينة وأحمد الضحاك، وبعد عدة اجتماعات تمهيديّة وضعت في أثنائها الخطوط الرئيسة لهذه الجمعية، تمّ الاعلان في شهر نوفمبر 1934 إثر الاجتماع التأسيسي بالخلدونيّة عن بعث جمعية "تعنى بالمحافظة على الموسيقى التونسيّة الأصيلة وترويجها بين الأجيال الصاعدة". وقد حضر هذا الاجتماع التّأسيسي جمع غفير من المهتمين بالموسيقى بلغ عددهم نيفا وسبعين عضوا ينتمون إلى مختلف المشارب السياسية والدينيّة والمراتب الاجتماعية والمهنية، من فنانين وأدباء وإداريين ومحامين وأطباء ورجال أعمال وتجار، وهو ما يدل على مدى اهتمام التونسيين بالتراث الموسيقي. لقد اقترحت عدة تسميات لهذه الجمعية منها: الفارابية والزريابية والأحمدية قبل أن يستقر الرأي على الرشيدية نسبة إلى محمد الرشيد باي ثالث ملوك العائلة الحسينيّة (1122 - 1173هـ/1710 - 1759م) الذي اعتنى بالموسيقى والغناء وإليه يعود بالتعاون مع وزيره الأصرم الفضل في ترتيب النوبة التونسيّة وتأليف مجموعة من القطع كالبشارف والفواصل وهو الذي بعث مدرسة للموسيقى بالقصر استمر الملوك على رعايتها من بعده وكانوا يتتبعون نشاطها في حفلة تقدم مساء كل يوم ثلاثاء تواصلت حتى عهد أحمد باي الثاني الذي توفي سنة 1942.
نظرت الجلسة التأسيسيّة للرشيديّة في وضعية الأغنية وما سقط فيه الفن الموسيقي من إسفاف مخجل. وأبدى جميع الحاضرين تخوفهم على التراث الموسيقي من التلاشي والاندثار. وعقدوا العزم على أن تهتم هذه الجمعية اهتماما خاصا بحفظ الأغاني التونسية، والحرص على الرفع من مستواها بتنقيتها مما علق بها من شوائب. وبعد الخوض في كل ما يتعلق بالحالة التي عليها الوسط الموسيقي، قرروا تأسيس هذه الجمعية على دعائم ثابتة وأن تسهر على تسيير عملها ثلاث لجان: 1. اللجنة الأدبية: ترأسها محمد العربي الكبادي، تعنى بالنظر في التراث الموسيقي من الناحية الأدبية وانتقاء الأغاني الراقية. 2. اللجنة الموسيقيّة: برئاسة محمد الأصرم، تعنى بجمع التراث الموسيقي ووضع الألحان الحديثة ويتفرع عن هذه اللجنة التخت الموسيقي للجمعية بقيادة محمد التريكي. 3. لجنة الدعاية: ترأسها محمد الضحاك، تعنى بالتعريف بهذه المؤسسة وأعمالها ونشر إنجازاتها على الصحف. ونظروا أيضا في إمكان تدريس الموسيقى وتعليم النوطة الموسيقية. ثم حصل الاتفاق على تسمية هذه الجمعية باسم "جمعية الرشيدية للموسيقى التونسية " وقد تبرع السيد بلحسن الأصرم بتخصيص جزء من منزله الكائن بنهج الباشا عدد 36 مكرر قرب بطحاء رمضان باي ليكون المقر الرسمي للرشيديّة. وتكوّن المجلس الاداري للرشيديّة من اثني عشر عضوا حدّدت مهامّهم على النحو التالي : الرئيس (مصطفى صفر) وأربعة مساعدين له (مصطفى الكعاك، الحاج الطاهر المهيري، بلحسن الأصرم، الدكتور خياط) والكاتب العام (منصف العقبي) وأمين الصندوق (أحمد بن عمار) وثلاثة مساعدين للكاتب العام (عبد العزيز بن عثمان، جمال الدين بوسنينة، عبد القادر بلخوجة) ومستشاران (الطاهر الزاوش وحمده عبد الله).
|