رد: الجمعيات الموسيقية التّونسية
وتحوّلت الجمعيّة الرشيديّة إلى مركز إشعاع للعمل الموسيقي، رغم ظهور عدة مؤسسات ثقافيّة تقاسمت، بما لها من طابع موسيقي، مع الرشيدية أهدافها وغاياتها. فالرشيدية التي أسّست سنة 1934 وحصلت على تأشيرتها في 20 فيفري 1935 جمعية أدبية موسيقية عملت على خلق تقاليد جديدة وإحداث أنماط فنية صارت عماد العمل الموسيقي التقليدي والمتجدد في إطاره البارز الأصيل من حيث اللحن والكلمة والأداء الآلي والصوتي. وقد ظهرت على غرار مثيلاتها بالجزائر والمغرب الأقصى في ظروف سياسيّة صعبة إذ اقترن تاريخ إحداثها بتاريخ تأسيس الحزب الحر الدستوري الجديد وهي كذلك الفترة التي تصاعد فيها العمل النضالي على مختلف الجبهات. لذلك، لم يكن انبعاث الرشيديّة مصادفة، بل هو حدث سياسي في إطار ثقافي - فني غايته المحافظة على الشخصيّة التونسيّة من المسخ والذوبان، والتصدي لمؤامرات الاستعمار وأغراضه الرامية إلى اجتثاث تونس من أرومتها العربيّة - الاسلامية بطمس تراثها الموسيقي وهو الجزء الذي لا يتجزأ من شخصيتها وثقافتها. ولقد حفّت بتأسيس جمعيّة الرشيديّة عوامل سياسيّة عدة ووضعيات اجتماعيّة خاصة، نذكر منها: انعقاد المؤتمر الأفخارستي بتونس في ماي 1930 الذي كان من توصياته استئصال شخصية الشعب التونسي وذلك بحرمانه من اللغة العربيّة الضامنة لعروبته ودينه وحضارته. إن مثل هذا المخطط الصليبي جعل التونسي يقظا لكل المؤامرات الرامية إلى إبعاده عن ينابيع أصالته ومحو مقوّماته الثقافيّة، ومن ذلك التراث الموسيقي أحد أهم العناصر المميزة للشخصيّة الوطنيّة. فهذا التهميش الذي سلط على الموسيقى التونسيّة دفع أحد النواب المسلمين في المجلس الكبير، هو السيد عمر البكوش، إلى انتقاد إدارة المعارف والفنون المستظرفة عند مناقشة ميزانيتها سنة 1929 لانشائها مدرسة الموسيقى الغربية وتخصيص ميزانيّة لشراء إسطوانات للموسيقى الكلاسيكيّة الغربيّة تسمع في المعاهد الثّانويّة في حين لم تخصص شيئا للموسيقى العربية.
وقد كان من ردود الفعل على ذلك تنظيم دروس للشيخ علي الدرويش الحلبي في الموسيقى العربيّة بمكتبة العطارين على حساب الادارة المذكورة. وفي سنة 1933 استعمل مدير المعارف السيد قو هذا الاعتماد وقدره 000 25 فرنك في إنجاز إسطوانات للموسيقى التونسيّة وكانت تجربة سلبية بالرغم من المستوى الجيد للفرقة بسبب فساد صوت المغنية زمردة العلجية وهو الاسم المستعار لزوجة الدكتور خياط وصديقة مدير المعارف المذكور. في مثل هذه الأوضاع الخطرة بدأ التفكير في إحداث جمعية تهتم بإحياء التراث الموسيقي التونسي وحفظه من الاندثار والاضمحلال مع تطعيمه بالجديد المرتكز على دعائم الموسيقى التونسية العربيّة الأصيلة.
|