عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 30/01/2017, 15h55
caesar waleed caesar waleed غير متصل  
عضو سماعي
رقم العضوية:778295
 
تاريخ التسجيل: January 2017
الجنسية: سودانية
الإقامة: ليبيا
المشاركات: 19
افتراضي رد: حقيبة الفن السودانية

معظم شعراء الحقيبة بدؤوا أشعارهم – ما عدا قليل منهم- بالمجاراة و هو ما أطلق عليه ابن رشيق "التوليد" سواء بالمعنى فقط أو بالمعنى و القافية ثم تطوروا إلى اختراع المعاني الجديدة غير المسبوقة و الألفاظ البديعة.

كان أبو صلاح على رأس المدرسة التشكيلية في الشعر الغنائي السوداني فتجريده للأشياء هو إضافة للحقائق وكل حسناء وصفها دلت بحسنها عن نفسها . ولا يفتن أبو صلاح بتكرار الألفاظ فمعجمه واسع وكأنه ينسي اللغة فهو أقرب إلي شكسبير الذي لا يكرر ألفاظه لذا يقولون عن شكسبير أنه أشخاصا كثيرين لأنه لا يكرر رواياته ولكل رواية لغتها الخاصة وهكذا كانت أغنيات وقصائد أبو صلاح. )

يقول ابن رشيق القيرواني في كتابه "العمدة في محاسن الشعر وآدابه": "التّوليد هو أن يستخرج الشّاعر معنى من معنى شاعر تقدّمه؛ أو يزيد فيه زيادة, ... والاختراع خلق المعاني التي لم يُسبق إليها... والإبداع إتيان الشاعر باللفظ المستظرف الذي لم تجر العادة بمثله... فصار الاختراع للمعنى والإبداع للّفظ، فإذا تم للشاعر أن يأتي بمعنى مخترعٍ في لفظ بديعٍ، فقد استولى على الأمد"

و يقول الأستاذ الحسين الحسن: " أغنية الحقيبة تعبير عن قيمنا و أصالتنا و موروثاتنا و جمالياتنا. فهي الأساس لكل ألوان الغناء السوداني و هو كشعر لا يقل عن قصائد المعلقات من ناحية الوزن و القافية. و أغنية الحقيبة توافرت فيها عناصر الإبداع، فهي متجددة عميقة الأثر نفاذة الصدى." )

إن العامل المؤثر في لغة أي شاعر هي روح الكلمة، والقدرة اللغوية تظهر عند الشاعر المبدع ركيزة ثقافية ذات قدرة بنائية خلاقة في اختيار الألفاظ المناسبة والحرص على تفجير روح الكلمة فتحس وأنت تقرأ قصائده أنه أمتلك ناصية اللغة التي تحمل التعابير غير المستنزفة والمفردات المتصلة بصميم تجربته الحياتية والشعرية كما تمتلك رهافتها بحيث تشعر أن الأداء اللغوي للقصيدة يثير فيك استجابات فنية وعاطفية بفعل اللغة الطيعة وتعاملها الرهيف مع الكلمات وان الذي يحدد قيمة الألفاظ في تقدير الناقدة – إليزابيث درو- ليست بساطتها أو جلالها وإنما الطاقة أو العاطفة أو الحركة التي يسبغها الشاعر عليها مثال لذلك قصيدة "خمرة هواك" للعبادى
خمرة هواك يا مي صافية وجلية.....هي اللاعبة بالألباب لا البابلية
دقة الوصف وجمال التعبير و تجسيد الرؤية هذه سبكها أبو صلاح في قصيدته "لحظك الجراح". و لقد عبر فيها بصدق و أحاسيس دافقة عن ما يراه و يجسد معاني تجربته و رؤيته الوجدانية بألفاظ غاية في الدقة و البلاغة و عند قراءة قصيدته تكاد تقسم انك كنت معه حينما خاض تجربته تلك و تحس إحساس حقيقي بالنظرة الجانبية السريعة اللماحة من هذه الجميلة و ما تحدثه من جرح.

لحظ الـجراح أذاي فـيــه *** وفــيه الـطــــــرب والــــــــراح
مــنـــــــــــــايـا زهــرة الأفـراح *** للـــقــلــوب ســــــــــــــرّاح
مبتعد شي عجيب مسجـون وعنده سراح *** بيّ ضاق الكون لا أجد له براح
مـني فـارق وشال نوم عــيوني وراح *** عـمـري أضحي مـبــــــاح
في الغـرام لا اقـصد غير لـقاك إرباح *** سـرّي لـيــك يـُـبــــــــــاح
وفي الظـلام تتـبسم وليـلي يبقي صباح *** لـيــك مــغـرم صـــــــاح
يا خـلاصة حـسن العـجم والفــصّـاح *** بــي جـنــون يـا صـــــاح
مـن بـعادك هـل بي قربـك القي نصاح *** جــيــش غــرامـك زاح
هـدّ حـصـن المـهجة ولي دماي نزّاح *** عـقـلــي كــاد يـنــــــــزاح
وقولـّي هــجرك جـد يا جافي ولاّ مزاح *** لـيــك مــحـيّ وضّــــاح
وليك جـبين بي نـور ماء الجمال نضّاح *** والـــدمــع فــضّـــــــــــاح
بي سـر غرامي البي تعلمبو دون ايضاح *** تــعـبـت الاصــفـــــــاح
وطرفي جافي النوم من طيب عبيره الفاح *** بـيــن جــفـونه صفاح
وفي بسيمو عقـــــــد الـــــــــــــــــــــدر *** في صـدره جوز تفـــــاح


و كذلك قصيدة "أنا في التمني" الذي عند قراءتها ترى أمامك ما وصفه الشاعر و تحس انك حاضر في جلال المناسبة و لا تستطيع أن تمنع نفسك من الإحساس بوجود كل الوقائع من حولك و أن تتلمسها وتحسها بل تستطيع أن تتنسم عبق المكان.

أسود شعره حالك أما صفاره فاقــع *** تتلاصف خدوده لا حجاب لا براقــع
يفر خيط بسمه يشبه برقا ليله هاجـع *** اقيس الفم بودعة و القى الودع واسع
أقيس الليل بشعره وألقى الفرق شاسع *** أشوف لعسه ونواعسه جل الباري صانع
يرفع ناعساته و يسبل نظـره واقــع *** أشوف في خده شخصي وفي صدره المصارع
داير أشوفه غافل داير أشوفه جازع *** محنن بدون قنلّة وحد و توبــه واقــــع
يتغطى بسواعد و يحنو كأنه واجـع *** يلتجئ بي مرافقه..وأطـراف المضاجع

كما يرتفع الشعر في قصائد الشاعر الحقيقي إلى درجة توضح قدرته الأصلية على الخلق الشعري والرؤية المركزة وقدرته على توليد الصور ببصيرة حساسة تستخدم رموزها وبدلالة قيمة في بلاغة القصيدة ذات التعبيرية العالية .فان قدرة ود الرضي و كثير من شعراء الحقيبة على خلق الصور و تجسيدها في قالب بسيط و سهل إلى درجة خلق تجسيد حسي في نفس القارئ تجعل منهم شعراء حقيقيون متميزون.

و القصيدة السابقة جاءت مليئة بالمعاني العميقة و الألفاظ الجزلة وكما جاءت موزونة و مقفاة. و نجد أن هذه العناصرالأربعة التي أتى بها ود الرضي توصف عند علماء الشعر باساسيات الشعر.

فيُعرِّف ابن رشيق القيرواني الشعر في الإطار ذاته الذي وضعه ابن قتيبة من قبل، قائلاً: "الشعر يقوم من بعد النية من أربعة أشياء، وهي: اللفظ, والمعنى, والوزن، والقافية.

يقول ابن طباطبا العلوي في كتابه "عيار الشعر" متحدثا عن أهمية المعنى في الشعر "فمن الأشعِار أشعارٌ محكمةٌ متقنةٌ, أنيقَةُ الألفاظِ، حكيمةُ المعاني، عجيبةٌ التأليف، إذا نُقِضَتْ وجُعِلت نثرًا لم تُبْطلْ جودةُ مَعَانيها، ولم تفقد جزالة ألفاظها. ومنها أشعارٌ مموهةٌ مزخرفةٌ عذبةُ، تروقُ الأسماعَ والأفهامَ إذا مرت صَفْحًا, فإذا حُصِّلتْ وانتُقِدتْ بُهرِجَتْ معانيها، وزُيِّفَتْ ألفاظُها، ومُجَّتْ حلاوَتُها، ولم يَصْلُحْ نَقْضُها لبناءٍ يُسْتَأَنَفُ منه ..." و يسلك د.عبد الله الطيب مسلك ابن طباطبا في نقد الشعر.

و قصيدة "انا في التمنى" - من ناحية المعنى- أذا حللّتها و فككت أسرها من البناء الشعري و جردتها من الصياغة الفنية اى أصبحت نثرا فلا تزال تشدك حلاوتها و جمال صياغتها و معناها.

وفي السانحة الاخري سوف انشر لكم اشعار شعراء الحقيبة واتمني ان اكون قد عرفتكم بشعر الحقيبة
رد مع اقتباس