رد: مقام الزنجران - المجلد الثامن والخمسون - المكتبة الحسنية للمقام العراقي
الأخوة الأعزّاء المحتفون بتجربة الدكتور عبدالله المشهداني في أدائه لمقام الزنجران..
أسامة عبدالحميد..نور عسكر..نهاد عسكر..
سلامي وودّي لحضراتكم..
معاضدة ً ومباركة ً واحتفاءً بهذه التجربة الرائدة، لا يسعني،كمحبّ ومتتبـّع لجهودكم وجهود كلّ الأخوة في هذا الموقع الكريم،الا الشكر لكم والعرفان بتفضـّلكم على الجميع بما تسعون لإحياء هذا الفنّ الإنسانيّ النبيل الذي يحتاج اجتراح معجزة ضدّ انقراضه، فهو شيئا ً فشيئا ً قد عـُزل في خانة الذاكرة،ولكي لا يذهب إلى خانة النسيان كانت جهودكم السامية تتبارى بكلّ وفاء وإخلاص لتخليصه من هذه الكارثة.فالشكر عاجز والعرفان ناجز لحضراتكم..فدمتم موفـّقين..
مثلما يعرف الجميع فإنّ المقام العراقيّ أسلوب خاصّ في أداء الصوت البشريّ ــ تحديدا ًــ لصيغ وتراكيب نغمية في إطار لحنيّ محدّد ومتعارف عليه منذ لحظة تشكيله بالجهد الإبداعيّ الفرديّ وإقرار جماعة مؤدّيه وسامعيه بقبوله في لحظة لاحقة، فهناك صيغة نغمية صغرى أوليـّة مركـّبة من أصوات مقام موسيقيّ رئيسيّ محدّد،فهي عبارة أو جملة موسيقية مختلفة عن غيرها في التشكيل والمسار اللحنيّ تؤدّيها حناجر القرّاء لتكسب شرعية حضورها وهويـّة الخاصـّة وربما اسمها المحدّد فبعضها يبقى بلا اسم رغم استخدامه وضرورة تداوله فيما بعد التشكيل الفرديّ والإقرار الجماعيّ. ربما تصبح هذه الصيغة نواة لإطار أكبر عبر توسيعها وتركيبها على وفق متطلـّبات الإطار اللحنيّ الأكبر فتتحوّل إلى مقام أدائيّ له شخصيته وتفرّده..وربما انتقلت للحضور في مواقع من المقامات المتشكـّلة عبر علاقات منسجمة ومنتجة لجماليات مـُضافة للتشكيلات السابقة.
هناك نسق للتطوير والتجديد والإضافة اشتغل عليه الروّاد المبدعون بكلّ جرأة وتمكـُّن وقد توقـّف هذا النسق منذ عقود مضت،وبإمكاننا أن نلاحظ
تمفصلاتها على أربعة مستويات:
1 ــ مستوى الإيجاد:
يتمـّثل هذا المستوى في تركيب صيغة نغمية لا يمكن نسبتها إلى
مقام رئيسيّ بوثوق تامّ وتطابق أكيد،فتجربة الرائد الكبير أحمد زيدان
في تركيبه لمقام المخالف(حسب ما يـُنقل عن مبتكر هذا المقام) من
هذا المستوى، فرغم انضواء مقام المخالف واقترابه في الاستقرار
لمنظومة مقام السيكاه في درجتيه الأوّليتين:السيكاه(مي كار بيمول)
والجهاركاه(فا) فهو يغادر مسار جنس السيكاه في درجتيه الأخريتين:
الصبا(فا نصف دييز) والحسينيّ(لا) لينضوي تحت مسار مقام الصبا
الرئيسيّ منذ درجته الثانية(مي كار بيمول) حتى درجته الخامسة(لا)
فليس هناك تطابق تامّ لا مع مقام السيكاه ولا مع مقام الصبا،بل هناك
شخصية مختلفة لمقام المخالف.
ويبدو هذا المستوى بوضوح في تجربة الأستاذ القبانجي في ابتكاره
لمقام اللامي ، فهذا المقام يندرج مع مسار جنس الكرد في درجاته
الأربع الأولى بتطابق تامّ، لكنه يفارقه في درجته الخامسة فتنخفض
بمقدار نصف مسافة فيندرج متطابقا ً مع الطرزنوين بخمس درجات
ليفارقه في الدرجة السادسة متطابقا ً مع مقام الكردين، لذا لا يمكن
الوثوق التامّ من انتسابه إلى مقام رئيسيّ محدّد.
2 ــ مستوى النقل والاقتباس:
ويتمثـّل هذا المستوى في اقتباس ونقل أداء نغميّ متكامل من مناطق
أدائية مغايرة،لكونها تماثل طرق البناء في تشكيل المقامات العراقية من
تحارير أو بدوات وقطع وأوصال وميانات وقرارات وجلسات وتساليم ،
وربما كان أداؤها بلغاتها الأصلية، وما يـُروى عن تجربة أحمد زيدان
في اقتباسه لمقام الدشت من قاريء يسير في قافلة بين أزقـّة بغداد مثل
واضح على هذا المستوى،وقد تكون مقامات أخرى اكتسبت شرعيتها
بهذه الآلية الفعـّالة مثل: التفليس والقوريات والقريه باش والعمركله
والبشيري والاوشار .
3 ــ مستوى التوسيع:
يتمثـّل هذا المستوى في توسيع صيغ الأوصال المتداولة في المنظومة
الأدائية للمقامات العراقية وجعلها مقامات منفردة بعد تكميل هياكلها في
بناء أطرها الأدائية، وحدث هذا في تجربة الأستاذ القبانجي مع أوصال
القطر والجمـًال اللذين ساعدت كثرة أدائه لهما هو وتلامذته في إضفاء
الشرعية على تداولهما في ساحة الأداء.
4 ــ مستوى التكميل:
ويتمثـّل هذا المستوى في تكميل منظومة الأداء المقامية العراقية بضمّ
بعض المقامات الشرقية غير المتداولة كمقامات أدائية متكاملة بطابع
عراقيّ،كما في التجربة القبانجية مع الحجاز كار والنهاوند والكرد التي
أجاد فيها الأستاذ المبدع في تشكيلها بمعادل أدائيّ محليّ منقطع النظير
لدرجة تأديتهنّ بالزهيريّ إيغالاً في عرقنة الأداء وبغددة التشكيل.
إنّ تجربة الدكتور المشهداني تنضوي تحت هذا المستوى في تجربته
الشامخة والجريئة في سحب الزنجران من أفق الحضور الشرقيّ العامّ
وشرنقته بخيوط حريرية تلتفّ بكفاءة ومقدرة على بنيته ومكوّناته ثمّ
إدخال اللمسات المعرقنة والمتبغددة في هيكلية البناء النهائيّ،لنحصل
على جديد لا ينافي المتعارف،بل يتساوق مع النسق الأبداعيّ للروّاد
المبتكرين للطرق والأساليب الجميلة والرائعة عبر المسيرة التأريخية
لحضور هذا الفنّ النبيل في عوالم النشاط الثقافيّ للتجارب الأنسانية
الحضارية الفذ ّة..
تمنيـّاتي..
|