رد: خـواطـر قـنـاديـليـة : عن أغنيات المطرب محمد قنديل
هكذا تنتهي القصة و لا ينتهي الشوق للوطن .. فمهما رأى الإنسان في بلاد العالم من جمال و تقدم و رخاء لن يغنيه ذلك عن وطنه .. و سيظل هناك حنين دائم و شوق متصل على أمل العودة .
و الغربة أحياناً تكون فرضاً و لا اختيار فيها .. و الوطن مهما عز و غلى لا يملك الإنسان المكوث فيه للأبد .. و الظروف قد تفرض قوتها كالموج على الزهرة ، فقد أُرغم رسولنا الكريم محمد - صلى الله عليه و سلم - أن يترك وطنه ( مكة ) و هاجر للمدينة .. ليبني أساس دعوة الحق ثم عاد ثانية لوطنه بفتح مبين قوياً منتصراً .
و الغربة لا ترتبط بالمكان بل بما يشعره الإنسان فالزهرة فوق الغصن تبدو ثابتة مقيدة ، و مع أمواج النيل تبدو طليقة حرة .. لكنها في الحقيقة سجينة لأهواء الموج ، يتلاعب بها كيفما شاء .. و قد ينتهي الأمر بها أن تقذف إلى مكان مجهول بعد أن ينتهي عبيرها .. لذلك فمكانها بين الأغصان هو الأنسب لها .. وطنها هو الأمان .
نفس المعنى غناه قنديل في الصورة الغنائية " بنت السلطان " من كلمات بيرم التونسي :
حين اصطحب القبطان ( قنديل ) بنت السلطان ( فايدة كامل ) إلى جزيرة الورد .. و لما شاهدت جمال الورود .. تأملت ملياً و سألته :
دا أمـر له العجــب .. خبّرني يا قبطــان
الورد ليه عندنـــا في قصــرنا خجلان ؟
و ليه في أرضه هنا من فرحته نشوان ؟
فكان جوابه :
الورد سلطـان و فـ كل الرياض هُواه
بس اللي في قصركم أسواركم سجناه
و اللي هنا في الهوا عايش بلا سجّان
و ما دار بين الموج و الزهرة من حوار هو تجسيد لما يحدث بين البشر في كل يوم .. فكل منهما شهد نفس الحدث لكن كلٌ قرأه حسب وجهة نظره ، و كان شعورهما متناقضاً .. هو سعيد ، و هي حزينة .. هو لم يرى في الشاطئ غير الأشواك .. و هي رأت فيه وطنها الذي أحبت كل شئ فيه .. هو اتخذ هذا اليوم عيداً ، و هي تعد ذلك اليوم نهاية لسعادتها .. هو يغني و هي تبكي .. هو يتراقص و هي يزيد ألمها .. هو يقنعها أنها الآن في الجنة الحقيقية ، و هي لم تراها سوى في وطنها الذي فارقته ... و هكذا فأي شئ يحتمل قراءات متعددة مهما كان شديد الوضوح ليظل الاختلاف بين البشر الذي هو سنة الله في الأرض .. المهم هو كيف نتعامل مع هذا الاختلاف ! فما يجلب السعادة لفئة قد يورث التعاسة لأخرى .. و حسب التبعات و النتائج و الأهواء تأتي القراءات و الآراء .. و تظل تقديرات البشر نسبية لنفس الأشياء !
__________________
( )
|