عرض مشاركة واحدة
  #377  
قديم 07/07/2013, 17h47
الصورة الرمزية بشير عياد
بشير عياد بشير عياد غير متصل  
رحـمة الله عليه
رقم العضوية:58261
 
تاريخ التسجيل: August 2007
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 2,219
افتراضي رد: بشير عياد مصري / عروبي حتي النخاع


«المخلص»
أحمد حرارة
قلم : بشير عيَّاد
**********
(( عن جريدة " فيتو " ، العدد 75 ، الثلاثاء 2 يوليو 2013م ))
*****************
الرسوم : خضر حسن
*************
بشـير عيـَّاد يعيدُ التذكير بمعاني الشرف والبطولة :
***
أحمد حرارة ...
ضوءُ الثورةِ وحرارُتها

***

كلما مرّ اسم أحمد حرارة بخيالي ، قفز معه طه حسين ونزار قبّاني إلى الواجهة، فالأول .. عميد الأدب العربي وأحد أعمدة التنوير الفكري والنقدي ، وهو أشهر مَن فقدَ " ضوءَ عينيه " في تاريخنا الأدبي الحديث ، والآخر .. هو إحدى العلامات الناتئة في شعرنا المعاصر أيضًا ، نزار قبّاني الذي حرّر اللغة العربيّة وأخرجها من سجون المعاجم ، وأطلقها في الشارع العام تمشي مع البسطاء والعمّال والفلاحين وتلاميذ التعليم الأساسي جنبًا إلى جنب .
لماذا يقفزان ـ معًا ـ في حضور أحمد حرارة ؟
العامل المشترك بين طه حسين وأحمد حرارة هو فقد " ضوء العينين " ، وإذا كان عميد الأدب العربي قد فقده بخطأ من الأهل ، فإن أحمد البلاسي ( أحمد حرارة ) قد فقده بغدر دولة ، وفي مهرجانات "اللهو الخفي " أو "الفاعل المجهول " وكلّ تلك المنوّمات التي يخدروننا بها حتى ننسى ، والمثير للغرابة والاندهاش أن ثائرنا الشاب لم يفقد عينيه معًا ، ولو حدث لكان بطلا أيضا ، لكنّ دراما الموقف لن تكون بهذا الحجم وهذا العمق وهذا الجمال وهذا المغزى ، الثائر البطل فقد عينه اليمنى في أحداث جمعة الغضب بميدان التحرير ( 28 يناير 2011م ) ، وكان هذا كفيلا بأن يبتعد ، وأن يقول :" لقد أديت واجبي ، وضحّيتُ من أجل بلادي بعيني اليمنى ، وأبقى ليَ الله العين الأخرى لأكمل بها حياتي "، لكنه لم يفعل ، فبعد أن فشل في علاج عينه الأولى أصرّ على العودة إلى الميدان ولم يدّخر ثانية من وقته ، وحان موعده مع الضربة الثانية في أحداث شارع محمد محمود الشهيرة (19 نوفمبر2011م )، وكانت ضربةً قاضية طاحت عينه الأخرى ( اليسرى ) ، وفشلت كلّ محاولات العلاج والإنقاذ بمصر وخارجها ، وظلَّ الثائر الشريف يعطينا المثل والقدوة في كل خطوة يخطوها ، ففوق البطولة والتضحية ضرب المثل الأعلى في النبل والنقاء والنزاهة وكلّ المعاني التي تحفل بها كتب الجمال ، فقد أصر على أن يكون علاجه على نفقته الخاصة ، واعتذر مقدّما للجميع ـ الدولة والأصدقاء والمتعاطفين معه والمقدّرين لبطولته ـ وقال إنه سيكمل علاجه من جيبه ، لم يتاجر بـ "القضية"، ولم يبتزّ المال أو المشاعر مثل آلاف اللاعبين على كلّ الأحصنة، لم يركب الإعلام كما ركبه السارقون النائمون في الملابس الداخلية لكل نظام ، أولئك الذين يقاتلون ويثورون ويحققون البطولات الكبرى عبر الفضائيات والصحف المشرومة ، البطل الفذ أنكر ذاته ، وعيناه شاهدتان على جسارته وحجم تضحيته ، بينما الحرامية يسرقون المواقف ويهبشون الثورة وتتكالب عليهم وسائل الإعلام في عمى غير مسبوق !! فقَدَ أحمد حرارة ضوء عينيه بالتقسيط في ثورة نقية لوّثها الأنجاس ، فتطهّر من مكرهم وغدرهم وملأ وجدانه بنور الإيمان فأضاء الله بصيرته وثبّت فؤاده وقدميه على طريق الحق والحرية ، ليواصل المشوار كأنه بألف عين ، بينما المبصرون يستغلون أعينهم في سرقة بطولات الآخرين !!
ـ وماذا عن نزار ؟
= نزار ، ذلك المدهش المستمر ، وفي رثائه لعميد الأدب العربي ، قطع علينا الطريق تماما في مثل حال طه حسين ووريثه الأعظم أحمد حرارة ، قال نزار في مستهل قصيدته :
ضوءُ عينيكَ ؟ أمْ هما نجمتانِ ؟
كلُّهم لا يرى ، وأنتَ تراني !!
وسيكون من المستحيل أن يبارز أحدٌ نزارا في هذا الاستهلال الذي سيظل ناصعًا على جبين الزمن مهما توالدت المحن وتكاثرت المآسي !
عندما أرمي خيالي في بحور الخيال أجدني لا أصدّق أنّ ثورة بمثل هذا العنفوان وهذا النقاء وهذا الجمالِ وهذا التفرّد قد قامت ببلادنا ، وعندما أفتح عيني وأعود إلى أرض الواقع وأفيقُ على القُبحِ والخسّةِ والخيانات .. تلقيني الأيدي القاسية في بحور الأكاذيب والخداع وأجدني ـ في دوّامات الفوضى ـ مُحاصرًا بالسماسرة والنخّاسين وسارقي الثورة والشهداء ، والمتاجرين بالدين ، والمتاجرين بالوطن ، والدين والوطن بريئان منهم يستجيران ويستغيثان !!
انطلقت الذئاب والضباع الجائعة والمدرّبة لتحتل مقدمة المائدة ، وبدون أن ندري ضاعت الثورة ، وضاعت دماء الشهداء سُدى ، وبدلا من أن تتكاتف القلوب والأيدي من أجل تحقيق أهداف الثورة والانطلاق بمصر إلى المستقبل ، تكاتفت من أجل تمزيقها وإعادتها إلى العصور الوسطى ، وانهمك كلّ فصيلٍ في سرقة ما يقدر على حمله من الثورة ، في ظلّ قيادة مرتبكة عديمة الخبرة دخلت بنا في سلسلة من المقامرات خسرنا فيها جميعا ، وآلت بنا الثورة إلى أن تصبح مصرُ دولة متهالكة ملقاة في حفرة عميقة معصوبة العينين برئيس لا يعرف لماذا جيء به إلى هنا ، ودستور باطل معيب ومجلس ( شوربة ) مرفوض من الشعب وباطل بحكم القانون يقوم بالتشريع فيسن لنا قوانين تسكب البنزين ( الذي لا نجده ) على النار التي تشتعل ذاتيًّا !
هل نيأس ونغسل أيدينا وننصرف ونغلق الأبواب من خلفنا ؟ هل نعتذر لأرواح الشهداء ونقول لهم : كانت تضحياتكم خسارة فينا ؟ لا .. لن نيأس ، ولن نعتذر ، الشعب الذي أسقط دولة أمن الدولة قادر على إسقاط الأعتى منها ، قادر على إعادة صياغة مستقبله بالشكل الذي يليق بمصر وبكلّ المصريين .
من هنا ، وفي حضرة الثائر الشريف أحمد حرارة ، أنادي : واصلوا الصمود والإصرار والتحدي بروح الأيام الثمانية عشرة ، لا تسمحوا للسارقين أن يواصلوا سرقة إنجازاتكم ، قفوا بنقاء وقوة ، وردّوا الاعتبار للأرواح التي ترفرف فوقنا ، ولتكن لكم القدوة في هذا البطل العظيم الذي وهب نور عينيه من أجل حريتنا وكرامتنا ، وأصبح نموذجا في التضحية والإيثار ، وفي الأخلاق الحسنة وأدب الاختلاف ، لا تكونوا مرتعشين مثل سارقيكم ، ولا تمارسوا أي نوع من التجارة الرخيصة مثل الآخرين ، واصلوا إعطاء العالم دروسكم الخالدة ، فالعالم ـ بالرغم من مآسينا ـ سيظل في شوقٍ إلى المفاجآت المصريّة .
*************
نُشر المقال بعنوان " المخلص "
*************
الرابط :
http://www.vetogate.com/433899#.UdmnSzv0FJE
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg أحمد حرارة.jpg‏ (38.8 كيلوبايت, المشاهدات 48)
رد مع اقتباس