رد: الأديب والشاعر التونسي "محمد العريبي"
أديب الحياة
لا يمكن أن نفصل حياة العريبي عن أدبه فقد كان يعيش ما يكتب ويكتب ما يعيش فعلا، فانتصر في أدبه للحظة ولليومي واختار أجناسا أدبية لصيقة بالحياة كالمذكرات واليوميات وجعل نصوصه تأخذ بعدا قصصيا مما يرشحه ليكون رائد التخييل الذاتي العربي، فكتب العريبي تجاربه وحياته الحميمية لكن عبقريته الأدبية جعلته يقدم ذلك اليومي كقطع أدبية راقية. وإن بحثنا عن معادل له في العالم العربي فلن نجد سوى محمد شكري وفي الأدب الغربي سوى الأميركي تشارلز بوكوفسكي.
يقول عنه الجامعي د. منير الفلاح" ما يمتاز به محمد العريبي عن غيره من جماعة تحت السور انخراطه الواعي في الهامشية واتخاذها منطلقا لبلورة رؤيته الخاصة في الأدب والحياة على حد سواء".
ويرفع الفلاح الهامشية لمستوى الخيار الإستراتيجي للعريبي، فهو لم يكتف بانخراطه حياتيا في عالم المهمشين وفضاءاته بل حتى في كتابته اختار الأنواع والأجناس الأدبية الهامشية كالرسالة واليوميات والمذكرات، وهي الأنواع اللصيقة بحياة المهمشين خلافا للأشكال السردية الكبرى "كالحكاية والرواية والأقصوصة".
هذه الجرأة في تطويع الأنواع الأدبية عاضدته جرأة في الأسلوب وفي اللغة، فكان العريبي جريئا في اختبار العامية التونسية في نصوصه ضمن السرد والحوار، مما جعل نصوصه قريبة جدا من القارئ العادي حتى في أقصى معانيها الفلسفية. ويذكر أن العريبي كان متأثرا ببودلير وأندري جيد، وهما من الشعراء والروائيين البوهيميين وقد جربا الكتابة الأوتوبيوغرافية نفسها التي يحبذها العريبي.
وباسثناء مجموعة قصصية يتيمة بعنوان "الرماد" التي جمعها وقدمها الكاتب محمد الهادي بن صالح، فإن تراث العريبي ظل مشتتا بالصحف والمجلات، وتركن مخطوطاته هنا وهناك بعضها عند عائلة كانت تقاطعه بسبب حياته البوهيمية وبعضها الآخر عند بعض الباحثين. ولم يظهر من مذكراته التي كتبها بالفرنسية إلا نصوص قليلة بمجلة الحياة الثقافية كان قد نقلها الباحث فتحي اللواتي إلى العربية.
إن حياة العريبي الغنية من طفولة مؤلمة وشباب مغامر وسنوات مقاومة وسجن وترحال نحو أفريقيا وأوروبا في فترة تاريخية حاسمة من تاريخ تونس والعالم، ونهايته التراجيدية ترشحه ليكون شخصية سينمائية جديرة بمقاربة سينمائية من شأنها أن تعطي فكرة على تحولات المجتمع التونسي والعربي والأفريقي.
(بقلم الكاتب التونسي كمال الرياحي)
|