عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 25/02/2013, 15h32
الصورة الرمزية abuaseem
abuaseem abuaseem غير متصل  
طاقـم الإشـراف
رقم العضوية:17090
 
تاريخ التسجيل: March 2007
الجنسية: ليبية
الإقامة: انجلترا
المشاركات: 15,989
افتراضي رد: كتاب «أم كلثوم - شخصية المغنية المصرية وفتنتها»

في قلب حركة الإحياء

طالت حركة البعث والإحياء الأدبية التي بدأت منذ القرن التاسع عشر الغناء العربي أيضاً، لكونه وثيق الصلة بالشعر، وكان الشيخ أبو العلا محمد المعلم الأول لأم كلثوم أحد رواد الموسيقى العربية خلال تلك الفترة وكانت وريثته «ثومة» فخورة بالأصول التقليدية لفنها، وقد اعتبرت القرآن معلمها الأول.

لقد كانت تلاوة القرآن في الكتّاب وحفظ القصائد والتواشيح الدينية في سنوات طفولتها وقت أن بدأت في دلتا مصر تدريباً جيداً جداً ميزها عن غيرها من المغنيات. في وقت كانت تلاوة القرآن فيه أمراً ضرورياً لتحسين مخارج الألفاظ والقدرة على التعبير، وكلاهما أساسيان لغناء القصيدة الذي لا يكفي لإجادته الصوت الجميل وحده.

يشار إلى فن إجادة تلاوة القرآن ومعرفة أنماط التلاوة التقليدية بعملية «تصوير المعنى» بقصد التركيز على المعنى من خلال الأداء الصوتي، ومن المثير للانتباه عند قراءة آراء الجمهور الأولى المتاحة لنا أن نعرف أن أم كلثوم أتت في المرتبة الثالثة، مع أنها جاءت في الثانية من حيث جودة الصوت.

كما نعرف أن «كوكب الشرق» كما توصف في أدبيات ثقافتها، بدأت مشوارها الفني في القاهرة بالقصائد التقليدية، لاسيما الأعمال التي أنجزها الشيخ أبو العلا، ورغم تطور برنامجها الغنائي بحيث إنه سرعان ما واكب القوالب الغنائية الحديثة فقد حرصت كذلك على أن تغني قصيدة في العام الواحد على الأقل، وكانت تقول إنها فخورة بغناء القصائد - خاصة الدينية وتعتبرها من أسس الغناء العربي.

عندما غنت أم كلثوم في حفل أقامه الشاعر أحمد شوقي وجمع بعض الكتاب والموسيقيين، بحث عنها أمير الشعراء في اليوم التالي وأهداها قصيدته الدينية «سلوا كؤوس الطلا» لتغنيها، موضحاً أن أم كلثوم كانت مصدر إلهام له، حدث ذلك في وقت كان شعر شوقي في حياته مفهوماً فقط للنخبة المتعلمة، بينما استطاعت هي بأدائها الغنائي أن تصل بهذه القصائد لجموع الشعب. فصار - ما كان بالنسبة لهم أشبه بطلاسم السحرة واضحاً وجلياً حين استطاعت بغنائها تصوير معانيه، ومن ثم ينسب لها الفضل الأكبر لإحياء القصيدة العربية بطابعها التقليدي الأصيل واستعادة علاقتها بالموسيقى الشرقية.

في العام 1926 كتبت مجلة المسرح: «أم كلثوم تبدأ حيث ينتهي آخرون، حيث يتجلى تفوقها في قوة صوتها ووضوح تعبيرها وصفائه، فضلاً عن جمال أدائها، وشدة حساسيتها تجاه ما تغنيه، فهي شخصية استثنائية كما يتجلي في اختيارها المميز للقصائد القديمة والحديثة التي تخلق بجمال أسلوبها حالة من الإبهار. يقول أحمد رامي إن أم كلثوم أخذته من الشعر إلى الزجل، حيث طلبت منه أن يكتب لها شعراً عامياً حديثاً ذا مستوى فني رفيع، لأن نصوص قصائدها القديمة المكتوبة بالفصحى يصعب على قطاع من الجمهور فهمها، ولأن نصوص «الطقاطيق» التي تؤثر على مبيعات الأسطوانات غالباً ما تتسم بالتفاهة. فقد وحد رامي الشعر مع الزجل في نسيج متفرد وبدأ مع أم كلثوم مرحلة فن «المونولوج» الذي كان يقدم من قبل أساساً في الأعمال المسرحية. ومن ثم جاءت مونولوجاته التي كتبها لأم كلثوم على شكل تعبير فردي مطول عن أفكار ومشاعر ذاتية واتسمت بتصوير شعري مبدع قدم باللغة العامية، وكانت مفردات نصوصه مألوفة، وإن كانت أرقى من لغة الشارع الصرفة، إلا أن بنيتها كانت أقرب إلى الشاعرية الرومانسية منها إلى اللغة اليومية، كما كانت صورها البلاغية أقرب إلى الشعرية أيضاً. وعلى عكس القصيدة التقليدية التي يشكل كل بيت فيها وحدة عضوية مستقلة، جاءت أبيات المونولوج في معانيها أكثر ارتباطاً ببعضها البعض. وقد قابل زجل الرومانسي رامي في الثلاثينيات زجل بيرم التونسي (1893 - 1961)، الذي كتب لأم كلثوم منذ بداية الأربعينيات شعراً عامياً خالصاً يخاطب ذوق جماهير الطبقات الوسطى والدنيا، وقد عبر شعره عن الهموم اليومية لكثير من المصريين البسطاء. وكان هذا التنوع في برنامج أم كلثوم الغنائي أحد مظاهر التحول الذي شهده المجتمع المصري بشكل عام. فمنذ عام 1939 تعرض المصريون لما يعتبره الكثيرون حرباً أوروبية، (الحرب العالمية الثانية) لذلك رحب الشعب الذي عانى من أثر تلك الحرب بالموضوعات الجديدة التي غنتها وكانت تمس الواقع بحيث كادت الموضوعات الرومانسية التي انتشرت في الثلاثينيات أن تختفي عن المشهد.
__________________
لو تؤمريني فوق نسمة انطير*** ونجيبلك حزمة نجوم تنير
تضوي طريق الحب للانسان***يا ليبيا و تزرع ترابك خير


أبوعاصم
رد مع اقتباس