المرجعية الصوفية في حياة الملا عثمان الموصلي وإبداعه
بشار نديم الباججي الكلية التقنية/الموصل
سلك الملا عثمان الموصلي في أكثر من طريقة صوفية،وكان لسلوكه الصوفي هذا تأثير واضح في حياته وفي إبداعه، وقد سلك الملا عثمان في الطريقة القادرية النورية على يد الشيخ محمد النوري الموصلي ، وفي إستانبول سلك الملا عثمان في الطريقة الرفاعية على يد الشيخ أبي الهدى الصيادي ،وفي مصر سلك في الطريقة المولوية ،تلك الطريقة التي أسسها مولانا جلال الدين الرومي،وقد لقيت هذه الطريقة هوىً في نفسه حيث وجد في مراسيم الذكر والإنشاد الخاصة بها مايلبي رغباته وميوله الفنية.
ولم يكن انتماء الملا عثمان إلى الطرق الصوفية ‘انتماءا تقليدياً بل كان نابعاً من إيمان راسخ بحقيقة العمل الروحي المتمثل في التصوف ،لذل نجد شخصيته قد تأثرت كثيراً بهذا الإنتماء للتصوف، ويمكننا أن نجد ملامح التأثير الصوفي في حياة الملا عثمان في أمور عدة أبرزها:
1- سياحته وتجواله:فقد عرف عن الملا عثمان كثرة تجواله بين الأقطار العربية والإسلامية،وكان دافعه في ذلك حبه للإستزادة من العلم ،ورغبة منه في التعرف على فضلاء البلدان من مشايخ وعلماء وأدباء.
2- طلبه للعلم :حيث عد أهل التصوف طلب العلم شرطاً لا بد منه للسلوك في الطريقة الصوفية ،وقد كانت سيرة الملا عثمان مليئة بالعشرات من الشيوخ الذين أخذ عنهم صنوف العلم والمعرفة ،وحيثما حل نجده يسعى إلى علماء ذلك البلد ليأخذ منهم ،وعندما بلغ أشده واستوى عوده تفرغ للتدريس فكان هناك العشرات من التلامذة النجباء الأفاضل الين تلقوا عنهم فنون المعرفة وبالأخص القراءات القرآنية والمقامات.
3- زهده : الزهد من المفاهيم الصوفية فقد عرف عنه أنه جمع ثروة طائلة من منح السلطان العثماني ورجال القصر في استانبول ،ولكنه أنفق جميع هذه الأموال على نشر العلم فقد طبع من جيبه الكثير من الكتب العربية في مصر وتركيا، كما أنه سعى في إنشاء المساجد في الموصل وتعميرها ،وقد عمر تكية للطريقة المولوية في الموصل، والملا عثمان كان جوادا لم يبخل على أحد من أصحابه ،وعندما توفي لم يترك وراءه شيئا من كل تلك الثروة.
4 - خوارق أللاشعور: ويسمي أهل التصوف ذلك كرامة أو إلهاما أو فراسة،ولكننا يمكننا أن نرجع الكثير من هذه الخوارق والعجائب التي تحدث عنها من عرفه ولازمه إلى شدة ذكائه ونباهته، إضافةالى قدراته الروحية الإبداعية الي صقلتها حلق الذكر والإنشاد ،وولعه بترديد قصائد التصوف .
5- الصوفي المجاهد: الصوفية يعدون جهاد النفس وقمع نزواتها ميداناً للجهاد الأكبر ، لذا عرف عنهم أنهم لا شأن لهم لا من قريب ولا من بعيد بالسياسة ، وأنهم يؤثرون العزلة والإنطواء ولكن تاريخ المتصوفة يحدثنا عن الكثير من الصوفية الذين وقفوا بوجه الحكام الظلمة والمستبدين ،وإذا ماتعرضت بلاد المسلمين لعدوان هب الكثير منهم للدفاع عن أوطانهم،وقد شارك الملا عثمان مشاركةً كبيرة في التحريض ضد الإنكليز عندما احتلوا العراق،وعندما إندلعت ثورة العشرين التحررية في العراق هب لنصرة الثوار ،بشعره وبحلقات الموالد التي تحولت إلى منابر للثورة .
6- خلقه وأدبه :كان الملا عثمان يتمتع بخلق صوفي رفيع وأدب راق ٍ ، فقد كان يتحمل الأذى من الناس ويعفو عن أخطائهم ، يتألم لآلام الناس ويعيش معاناتهم يحاول ،جهده في التخفيف عن معاناتهم، كانت لديه علاقات وطيدة مع الناس على اختلاف مشاربهم، كان لا يأبه لعوقه فاستطاع بجلده وعصاميته أن يحول عوقه الجسدي إلى قوة وإبداع.
أما المجالات التي تجلى أثر التصوف في إبداعه فيمكننا أن نشير إلى السماع الذي يعده المتصوفة رياضة روحية يصطنعونها لترقيق القلوب وإثارة الإنفعالات والمواجيد،وقد مدح الصوفية الصوت الحسن وعدوه مخاطبات وإشارات إلى الحق ومن الأسرار التي أودعها الله من شاء من عباده، وكتب التصوف تفيض بالحديث عن السماع وآدابه ودرجات السامعين ،والصوفي إنسان رقيق المشاعر جياش العواطف يتمتع بالشفافية الروحية والحس المرهف.
وقد تفردت الطريقة المولوية التي أولع بها الملا عثمان باستجازة العزف على الآلات الموسيقية أثناء مجالس الذكر وقد وجد الملا عثمان في هذه الطريقة بغيته فكان انتسابه إليها تعبيرا عن هوى في نفسه ،وعن شدة ولعه وشغفه بالغناء والموسيقى وقد أنكر الكثير من أهل التصوف ماذهبت إليه هذه الطريقة لذا لم تجد لها في الموصل مؤيدين وأشياعا،وأغلقت تكاياها في مصر وبغداد والموصل .
وشعر الملا عثمان جار على منحى أهل التصوف، في الإكثار من ذكر الرموز المعهودة في شعرهم، والمديح النبوي، وغير ذلك من أغراض شعر التصوف المعروف .