الدور الوطني والقومي
للشيخ الملا عثمان بن عبد الله الموصلي (ت1923م)
أ.م.د عبد الله محمود طه المولى
كلية الآداب/جامعة الموصل
رحلت والصدر بالإيمان ملآن في ذمة الله شيخ العلم عثمان
على المنابر تدعو أمة "عجزت" عن شرح قصتها شيب وشبان
كأنما القوم قد ماتت عواطفهم حيث المنابر عند القوم عيدان
...........................................
هذه أبيات من قصيدة للشاعر البغدادي عبد الرحمن البنا ، الملقب بشاعر الاستقلال (ت1955م) في رثاء الشيخ الملا عثمان الموصلي ، مؤكدا على ما يتمتع به هذا الرجل النابعة في فنه وأدبه ، ووزنه السياسي وفكره ودوره الوطني والقومي . فأقول :
سبع قرون عجاف – منذ سقوط بغداد بيد المغول في القرن الثالث عشر للميلاد ، وحتى القرن التاسع عشر – مرت على الأمة العربية الإسلامية، وقد تداعت عليها الأمم . في خضم هذا الوضع المتردي المتلاطم والمتناقض حسب اجتهاده وهواه ، ففي الوقت الذي نراه يغمز من طرف خفي بالخلافة العثمانية ، مما أسخط عليه الوالي العثماني في بغداد ، ونفاه إلى سيواس في الأناضول ، نراه في وقت آخر موفدا من قبل الخليفة العثماني ، السلطان عبد الحميد إلى طرابلس الغرب ، وغيرها من الدول الأخرى ، لاستمالة حكامها ، وطلب معونتهم للإمبراطورية العثمانية ، فيقوم الموصلي بأداء مهمته كمندوب سياسي على أتم وجه ، وكذلك ذهابه إلى مكة المكرمة أغراض سياسية ، فيقف خطيبا وداعية للناس إلى شد أزر الخلافة العثمانية الضعيفة ، باعتبارها الهدف الأسمى والمقدس ، المتمثل بالدين الإسلامي الحنيف . ولكن سرعان ماتغير وضع الدولة العثمانية نحو التدهور والانحلال ، فيتجه كثير من العرب المسلمين الخاضعين تحت سيطرتها ، إلى التفكير نحو التخلص منها وبأي شكل من الأشكال ، وهنا يقرر عثمان الموصلي ترك العاصمة العثمانية ، بعد أن بدأ يتلمس في نفسه الخيوط الأولى لما يحب القيام به – إلى جانب فنه وأدبه وشعره – من دور سياسي وفكري وطني وقومي ، ففي عام 1895م حط رحاله في مصر التي أقام فيها خمس سنوات ، قريبا من علمائها ومفكريها وساستها ، وعمل على تعزيز ونشر فكره بإصدار مجلة علمية تاريخية سياسية أدبية إخبارية باسمه ، تدعى مجلة المعارف التي زاحم فيها الصحف المصرية ، وأثبت حضوره الفكري بين المفكرين العرب آنذاك . بيد أن الظروف السياسية المضطربة أخذت تعرقل عمله الصحفي ، فأوقف الموصلي صحيفته بعد أن وجدها لم تعد تتفق مع رغبة السلطان الحاكمة آنذاك ، ويقرر الرجوع نحو العاصمة التركية ثانية ، بيد أن تغير الأجواء السياسية للدولة العثمانية ، وكثرة المشاكل بوجه الخليفة العثماني ، من جانب ، وحنينه إلى وطنه من جانب آخر ، عوامل أجبرته في عام 1913م على مغادرة العاصمة العثمانية إلى الأبد ، ليساهم بشكل جدي في أحداث بلاده .
وتمر الأيام مضطربة منذرة ، وعثمان الموصلي بين الموصل وبغداد ، إلى أن اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914م ، فاكتوى العرب بلهيب سنيها الأربع التي انتهت باندحار الإمبراطورية العثمانية أمام الحلفاء ، عندئذ بدأت الضمائر العربية بالاستيقاظ ، منادية بتشكيل دولهم ، ونيل استقلالهم وتحررهم ، بيد أنهم وجدوا أنفسهم تحت حكم استعماري جديد ، ودخلت القوات البريطانية بغداد ، والمدن الأخرى ، معلنة ارتباط العراق بمواثيق وأحلاف مع بريطانيا ، وهنا شرع أحرار العراق بإعلان الحرب ضد الإنكليز ، وانطلقوا في 30 حزيران عام 1920م بثورة عارمة ، استمرت ستة أشهر ، أبلى العراقيون فيها بلاء حسنا ، يذكره التاريخ على مر الأجيال ، وقد ساهم أدباء العراق ومفكروه في إيقاد نار الثورة ، والتحريض على مقاومة المحتل وعلى رأسهم عثمان الموصلي .