[عطيه مصطفى]

السادة الافاضل أعضاء منتدى الاستاذ الموسيقار فريد الاطرش: منذ أن شرفت بالانضمام لمنتدى سماعى وانا أولى عناية خاصة بمنتدى الاستاذ فريد لحبى وتقديرى له. ورغم أنى وهابى العقيدة كلثومى الهوى الا انى من العاشقين للالحان الفريدية الشجية العبقرية وكم أحسست بالمتعة كلما شرعت بالتجوال بين صفحات منتداه أقرأ ملاحظاتكم المفيدة واستمتع بذكريات علقت بأذهانكم عن هذا الفنان الرائع.
ولكن أحيانا أتعجب لتجاوز قول البعض من أعضاء المنتدى فى حق من نافسوه على الساحة الفنية. وكما كان يفعل الملوك الاقدمون فيهدرون دم من يغضبون عليه فهذه العادة تكاد تكون العرف السائد عند البعض الذى يهدر دم منافسى الاستاذ فاذا حقوقهم كلها مضيعة واذا الاساءة اليهم محللة بما رسخ فى اعتقادهم أنه كل ما نال الاستاذ من أذى بسيط كعثرة القدم على الدرج او أذى كبيس كاصابته بمرض القلب واعدام تراثه كان ورائه أيد منافسيه وبالذات الاستاذ عبد الوهاب!!!.
وليس العجيب أن يتفاوت الحكم بين الناس فى المسألة الواحدة من النقيض الى النقيض ولكن العجيب أن نعلم بما للدنيا من ألوان لا عداد لها ومال للناس من حالات وميول لا يحصرها الفكر ثم نطالبهم بالاتفاق على لون واحد أو نقدح فى فلسفة الاختلاف. والاعجب الافتقار الى الفطنة وعدم ادراك ان النجاح يجذب الاعداء لانه لايثير العداوة الا القوة. بيد أنى لا أظن أن اساءتهم ذات خطر لانهم لا يقنعون أحدا بصدق هرائهم الا اذا كان فى مستوى خفة احلامهم.
كان للاستاذ فريد فضيلة خاصة قل أن رأينها فى أحدا مثله وهى فضيلة المثابرة على العمل فهو لا يفرغ من لحن الا ويشرع فى تأليف جديد وكفى من آثار هذه الخصلة النادرة أنه أستطاع أن يتم نجاحه فى وقت لم يكن أصعب فيه من التواجد على الساحة الفنية فى ظل تربع ملحنين ومطربين سابقين له فى الظهور. وتلحظ فى كثير من ألحان الاستاذ سمة وجمالا وعرف لها شجى وجلالا وكنت أتوردها الليلة بعد الليلة وأنا جالس هناك على صخر عتيق ساوره النيل. فكنت اذا انفردت بذلك المكان تأتينى رائعة أول همسة كهمس النسيم مع مناسمة الشجر ورقرقة النهر وشذى الرياحين.
كان رحمه الله بجانب جمال الصوت يتمتع بالوسامة وتلك ميزة هامة. فأنت قد تسمع المغنى يردد غناؤه فتطرب له ولكن اذا حال حائل بينك وبين وجهه استشرفت له ولم تقنع بسماع الصوت الذى هو بغيتك منه وربما كان دميم الوجه لايزيدك النظر اليه سرورا بغنائه بل قد تعرض عنه اذا رأيته صامتا.
على أن السؤال الذى طالما شغلنى وهو هل الاستاذ فريد مقلد يؤمن بالقدوة أو مجتهد يؤمن بالبحث؟ والغالب أنه كان مزيجا من هذا وذاك. وللانصاف فهو ليس وحده المتفرد بتلك الخاصية فكل من عاصروه وسبقوه من كبار الموسيقيين نراه كذلك.
وتاريخ فريد الأطرش في الميدان الموسيقي حافلا بجلائل الأعمال الفنية. فهو من رواد الموسيقى العربية المعاصرين الذين كان لجهودهم الأثر الكبير في نهضة موسيقانا العربية وازدهارها وله العديد من الألحان الغنائية والموسيقية من مختلف الألوان والمؤلفات الموسيقية التقليدية منها والمتطورة التي تتسم بالابتكار والأصالة والذوق الرفيع التي أضفت على الأغنية العربية ألوانا من الإبداع الفني والجمالي مضافا اليها بعض الاقتباسات الذكية –غالبا– للموسيقى الغربية وحرفية تطويعها ودمجها بالموسيقى الشرقية. وهذه الحقيقة موضع اتفاق لمعظم المحللين والمتخصصين فى فن الموسيقى.
أما الاعتقاد الذى يؤمن به البعض بأن ماعداه هم المقلدون والمقتبسون والناقلون فهو من العقائد المشوبة بالاوهام والترهات والخطأ الظاهر فلا حرج علينا من رفضها بل تتراءى معانيها خلف نقاب من الشف لا يسترها الى حد أن يخطئها العيان.
رحم الله الفنان الكبير وأعاننا على تحمل اوجه النظر الغير منصفة له أو لغيره ممن أثروا حياتنا الموسيقية. وتقبلوا منى مزيد الاحترام...