الحاج امحمد العنقى ثورة الشعبي/ نوبة "الجوع و الحفى" الثلاثاء, 23 نوفمبر 2010 18:28
''كل قديم من الشعر فهو محدث في زمانه'' ابن رشيق القيروانيتنطبق المقولة على كل أشكال التعبير الإنساني، في الشعر والرسم والموسيقى· من قال إن الثورة التي أحدثها زرياب في الموسيقى العربية كما أغلق حدودها إسحاق الموصلي، تتحوّل مع الوقت إلى أورثودوكسية يجب التحرر منها· إلا أن أغنية الشعبي قد تكون الشكل الموسيقي الجزائري الذي استطاع أن يفلت من هذا الناموس الطبيعي· هل يستطيع أحد اليوم أن يتهم هذه الموسيقى بأن تجاوزها الزمن· لعل الوحيد الذي يمكن أن يدعي أنه ثار على الشعبي هو الشعبي في حد ذاته·
وحين نتحدث عن الشعبي، نتحدث عن الفنان الحاج محمد العنقى الذي لم يكن ظاهرة موسيقية صرفة وحسب، بل هو ظاهرة ثقافية واجتماعية طبعت القصبة باعتبارها ''دزاير'' وعاصمة ''دزاير''· فكان نموذجا للجزائري بالعاصمة حمل آلامه وآماله بعد الاستعمار وحمل خيباته بعد الاستقلال، خيبة جعلت الجزائري يعيش على الهامش لا يؤمن بالثورات الجديدة للسلطة· في فترة كانت تشهد الجزائر العاصمة تحولات في بنيتها الاجتماعية والاقتصادية مع مطالع القرن العشرين، يعي الحاج محمد العنقى هذا التحوّل الذي يجعل من ''الدويرة'' بحي القصبة تجمعا للعديد من العائلات وليس لعائلة واحدة· كما يجعل الشارع بالحي العتيق محصلة لعدد من المهن يمارسها جيل جديد من النازحين، خاصة من منطقة القبائل، سيكونون مع مرّ الوقت ''أولاد البلاد'' الجدد·
في هذا الجو السوسيو اقتصادي تبرز مؤسستان اجتماعيتان على قدر كبير من التأثير في حياة الناس بالمدينة العتيقة هي ''الجامع'' و''القهوة''· وبكل العبقرية التي لدى الشعبي، يتمكن الحاج امحمد العنقى من المزاوجة بين المؤسستين والاستفادة منهما، محققا عددا من الثورات·
ثورة على المكان بأن نقل هذه الخزانة الشعرية العريقة التي ضمت فطاحل شعراء من المغرب الأقصى إلى المغرب الأدنى في القرون الثلاثة الأخيرة، أمثال قدور العلامي والمغراوي والشيخ النجار وبن سليمان وبن مسايب والمصمودي، فيبيضها ثم يخرجها من الفضاءات الفسيحة بالقصور والديار الرحبة إلى المقاهي والمحشاشات في أزقة القصبة·
ثورة في الآلات، فمن كان يعتقد أن جوقا موسيقيا بملاحم الأندلس، سيضم يوما الماندول والبانجو والقيتار وحتى الآكورديون؟
كانت له ''خرجات غير منتظرة، فهو يقوم بتغييرات مفاجئة في الإيقاع، مع نزوع حاد نحو التنويع، يمر عبر ''السيكا إلى إيقاع جزائري· العراق عنده إيقاع يبدأ بسيكا بدائية· أما الموال فيلد من رحم الدرجة السابعة للزيدان (صول دياز)، إنها رائحة الشرق الآتية من الأندلس والأرمن والمصريين واليونان· هكذا يتحدث عنه الأستاذ ''بشير حاج علي'' الذي يقول عنه إنه كان يعلم أن الآلة مصدر كريم للفكرة الموسيقية·
أما الذين يعرفونه جيدا، فكانوا يقولون إنه عندما يتوحد والموندول يكون أمرا آخر، ويكون إيقاع ''السيحلي'' بوابته للإرتقاء إلى عوالم أخرى وملكوت آخر يتزاوج فيه ''الجد'' و''الهزل'' وتصبح الخمرة والنساء سبل أخرى لتصوف ''الكاردينال''·
''ما احلى كاس الراح والخمر والساقي يقضان··· بين عوانس شبان··· نحكي حور وغلماني··· وكيوس الود بيننا ترقرق ورحمة الله تعمنا (الشاعر دريس العالامي)·
إنها أيضا ثورة على النص، من هذا الذي كان يعتقد أنه بإمكانك أن تسمع في ليلة واحدة مديحا في الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقصيدا ''ما تسمع فيه غير كب وارى ربي غفار''·
ثورة على السائد، تجلت في الرجل الذي باستثناء الحمد لله ما بقاش استعمار في بلادنا لم يغن لا لبومدين ولا للثورة الزراعية·
هي ثورات عدة أحدثها الحاج امحمد العنقى داخل هذا الفن الشعبي وبه وأسس بها أسلوبا خاصا في الغناء والحياة قيل عنه ''العنقاوي'' أسلوب ثائر، يمكن له أن يخلق عوالم له داخل العوالم التي يرفضها، يمكنه أن ينتظر ما شاء الوقت أن ينتظر كي يتحقق حلمه في أندلس جديدة أو قصبة جديدة أو دزاير جديدة· بكل ألم يغني الحاج محمد العنقى المكناسية·
من كثرة ما صبرت عن فرقة رسمي
حتان قالوا هبلت من كثرة الكلام
رسمي خويا الشقيق من بويا وامي
آش يصبرني على فراق الخاوه لوحام
فرحي ظاهر للناس وحزني مكمي
فمي يضحك والساكن في القلب ظلام
صبري يصبر للعدا ونكتم همي
وندير كما يدير في البحر العوام
نرخي الاعضا معاه ونساعف الغشام
هل كانت ''سبحان الله يا لطيف'' هي خيبة أمل الجزائري بعد الاستقلال؟ ربما، فالحاج العنقى الذي وكأنه تحوّل إلى والٍ صالح يدعو على هذا البلد، قال موقعا تاريخ القصيدة ''عام السبعين لا تزيد من بعد الآلف والتسع ميا مردفة''، فجرت على ألسنة العاصميين أنها كانت دعوة، من هذا الذي درس في طفولته في جامع سيدي عبد الرحمن وعلى يد الشيخ بن زكري، على هذه المدينة التي تتآكل بعده يوما بعد يوم وتفقد ملامح هويتها·
مهدي براشد
__________________
"هَذَا الفَّنْ حَلَفْ : لا يَدْخُلْ لِرَاسْ جْلَفْ ! "
الناس طبايع ,, فيهم وديع و طايع,, و فيهم وضيع و ضايع .... إذا دخلت للبير طول بالك ,,,و إذا دخلت لسوق النساء رد بالك....إلّلي فاتك بالزين فوتو بالنظافة ولي فاتك بالفهامة فوتو بالظرافة ... القمح ازرعو و الريح يجيب غبارو ,,,و القلب الا كان مهموم الوجه يعطيك اخبارو.....و للي راح برضايتو ما يرجع غير برضايتي,, ,ولا تلبس حاجة موش قدك,,, و لا على حاجة فارغة تندب حظّك ,,,و ما يحكلك غير ظفرك ,,,وما يبكيلك غير شفرك