حوار مع سفير الأغنية العراقية الفنان سعدون جابر
بداية كان اللقاء في دمشق القديمة و كان احتفاء الناس بالفنان سعدون جابر كبيرا
سيدة دمشقية قالت: الفنان سعدون جابر رائع حقا فهو يمثل " هرما " فنيا خالدا .
و قال أحد المعجبين أيضا : نحن لا نتعامل مع فنان عادي و إنما مع قمة عالية من قمم الفن الراقي".
هذه الحالة من الاحتفاء هي رصيد الفنان حسب تعبير سعدون جابر و هي " مرآة النفس" و يعتقد أن الفنان الذي يتعالى على جمهور و محبيه يفقد الكثير من محبتهم و يعتقد أن إقامته الطويلة في دمشق تعزى الى محبة الناس التي أحاطوه بها سواء كانوا من المسؤولين ام من الشعب السوري العريق
بداية تحدثنا عن نشأته و أهم المحطات الفنية و الإبداعية في حياته حيث قال :
فقدت والدتي في سن العاشرة تقريبا و كان هذا بمثابة محفز إبداعي لأقدم الكثير من الإنجازات فقد كانت أما معطاءة و حنون علمتني تجويد القرآن الكريم و ربتني على المثل و القيم السامية و قد قمت بتقديم أغنية " يا أمي يا أم الوفا" مع الفنان كريم العراقي و هي عربون محبة بداية لأمي ثم لكل أمهات العالم .
و في هذا السياق و ردا على سؤال فيما إذا كان الفنان سعدون جابر يرى من أبناءه من يستطيع أن يحمل هذا الإرث الفني و الإبداعي قال:
نحن جيل بدأ من الصفر ، اضطررنا لمعاناة الكثير و البحث عن المعلومة و الكتاب بشتى الأساليب المتاحة و التي لم تكن كثيرة بينما يبدأ هذا الجيل محملا بخبرات معرفية ضخمة بحيث أن تلميذا في الصف الأول الآن يختزن معارف لم تكن متاحة لمن أنهى مرحلة التعليم الأساسي في أيامنا .
و مع هذا أرى أن المنجز الإبداعي الذي سيتحصل عليه هذا الجيل أقل بكثير جدا من المنجز الذي قدمه جيل الرواد و هذا لأنه لم يبدأ من حيث ينبغي. الموهبة ضرورية جدا للفنان لكنني أؤكد على ضرورة الحصول على الشهادة العلمية أولا ثم الانضمام لعالم الفن لأن الفنان لا يمكنه أن يستمر بدون ثقافة و تعليم .
و استشهد على هذا بأن فناني هذه الحقبة لديهم فراغ معرفي و إبداعي و نقص في المادة الفنية الصالحة لتكوين عمل فني متكامل و ليس أدل على هذا من عودتهم لاستلهام الأعمال الفنية التي قدمها سعدون جابر و تقديمها في توزيع جديد .
و ردا على سؤال : لكن ما يقدمونه لا يرقى للعمل الأصلي الذي قمت بتقديمه ..ما السر في هذا ؟
قال الفنان سعدون جابر : لأن ما يقدمونه ليس عملا إبداعيا و إنما تقليدا لمن سبقهم و لا يمكن للتقليد أن يطابق الأصل مهما اجتهد صاحبه.
و لدى السؤال عن العمل الأهم إلى نفس الفنان سعدون جابر قال : الكنطرة هي أهم ما قدمت من أعمال في حياتي فهي جميلة جدا تحمل روحا عالية و بعدا فلسفيا عميقا و أظن أنها ستبقى عملا خالدا لزمن طويل جدا خصوصا أن الفريق الذي انجز هذا العمل الدكتور ذياب الكزار رحمه الله و الموسيقار كوكب حمزة كان يعمل بروح تحمل الكثير من التميز و الشفافية و التتبع للجمال.
و في سؤال تعلق بالتوقف عن تقديم الأعمال الجديدة لفترة طويلة نسبيا تجاوزت العشر سنوات حيث قدم ألبومه الأخير عام 1996: جمهورك عاتب عليك بعض الشيء و العتب على مقدار المحبة فهو يتمنى أن يرى لك جديدا على الساحة الفنية تدعم هذا الرصيد الهائل من التميز.
قال: أعلم تماما أن الجمهور ذواق و يقدر العمل الجيد و أنا اعترف أنني لم أقدم جديدا منذ عام 1996 و لكن المشكلة هي عدم توفر الوقت الكافي لأقدم عملا جديا و في حقيقة الأمر أنا أغني عندما أحس بالحاجة للغناء و ليس عندما يطلب مني و دوما يرافقني عودي بحيث إذا شعرت بهذه الرغبة أقوم بالغناء .. هي ليست أنانية بقدر ما هي صدق مع النفس لأن الغناء في أساسه إحساس صادق.
و لدي ثلاثة أعمال جاهزة للتسجيل و لكن لم يحن الوقت بعد لتسجيلها و ربما أفعل قريبا.
و ردا على سؤال : لماذا لم تفكر في ممارسة العمل الأكاديمي ؟ أجاب : كنت فعلا أود أن أقوم بالتدريس و لو لجزء من الوقت و لكن هناك الكثير من المشاغل التي تمنعني و العمل الأكاديمي يحتاج إلى التزام بمكان معين..هناك الكثير من الأفكار في البال و لكن الوقت غير كافي لإنجازها جميعا.
و قال : الفن رسالة نوصلها للناس فتنعكس محبتهم على مسيرتنا كاملة و ليس أدل على هذا من الإبداع الذي قدمه الراحل عبد الحليم حافظ و مازال حتى الآن في قلوب و ذاكرة الناس بينما لم يحظ الكثير من مشاهير عاصروه و مشاهير في هذا الوقت بالجماهيرية و المحبة التي حظي بها و لا يعود هذا لأنه امتلك إمكانيات فنية ضخمة فمساحة صوته محدودة لكنه استطاع أن يدعمها بإحساسه العالي و يلونها ليتأتى له تقديم الكثير من الأعمال المتميزة و الخالدة .
و في حديثه عن الموسيقى العربية قال: يوجد مدرستين أساسيتين في الموسيقى العربية و هما المدرسة العراقية و المدرسة المصرية و السبب يعود إلى أن هاتين هما الحضارتين الأساسيتين في العالم العربي و لكن مع هذا توجد مدرسة الرحابنة التي شكلت مزاوجة ما بين الشرقي و الغربي و هذه الملاقحة ضرورية جدا لاستمرارية الفن و بقاءه فالجمود عند مرحلة معينة يعني الاندثار.
و في سياق متصل بموسيقى الرحبانية قال الفنان سعدون جابر أنه يعتبر صوت فيروز من أجمل الأصوات النسائية من حيث الخامة و الأداء
في نهاية الحوار كان سؤالنا عن استشرافه المستقبل و أمنياته
قال : أتمنى أن يطول عمري بما يكفي لأن اغني كما يحب سعدون جابر لأن لدي في داخلي الكثير مما أريد تقديمه ..فأجمل أعمالي لم تولد بعد
حاورته ريم بدر الدين / دمشق/ 27/3/2012