تكريم الفنان يوسف عمر
[ الجمعة المصادف 16- 11- 1984 ]
وعلى مسرح قصر الثقافة والفنون
بعد الطلبات وسط التصفيق والهتافات ...حي الفنان يوسف عمر الجمهور ..وصعد على المسرح ...وبدأ بغناء مقام البنجكَاه ..وبعدها بستة داري..آنه داري .
هناك مقالة قيمة يصف فيه الأستاذ حسين الأعظمي آنذاك ، الفنان يوسف عمر وكيف بدأ الغناء وكيف أنتهى .
[ ميانة البنجگاه ... قَتَلتك يا يوسف ]
حيث يو م المهرجان أبى الفنان الراحل يوسف إلا أن يغني متحدياً المرض والمعاناة والالم فلا شيء يفتر همته في المقام وهو الذي وهبه حياته، فعاش للمقام وعاش من أجله فلا ينبغي لفنان مثله أن يبقى أسير مقعده في حفل أقيم لتكريمه، كما يرق لمثله أن يكون هذا الحفل خاتمة عهده بالمقام، لذلك أبى إلا أن يعتلي المسرح هازئاً بالمرض والألم ، متحدياً العمر والسنين وما يفعلانه من أفاعيل ، متناسياً أن الشموع مهما طالت أعمارها فلابد يوماً أن تلامس فتائلها القاع ولابد لوهجها أن يهبط من عليائه الى الأديم.
بدى عليه كمن يتحدى أرادة القدر ونوائب الدهر، لاتعرف قواه الخور، ولايطيق العجز والخمول ، فهو كالأشجار إذا ماتت لاتموت إلاواقفة، أعتلى الرجل المنصة مستجمعاً آخر قواه وبدأ للعيان أعياءه ووهنه ولكنه تجمل بالصبر وعزم على التحدي فغنى ( مقام البنجكَاه على درجة النوى)، وهذه طبقة غنائية صعبة على الشباب فكيف بالشيب ومعظم من يغني هذا فإنه يغنيه على ( درجة الجهاركَاه)، وهي اقل من النوى بدرجة كاملة ، ويبدو أن المرحوم يوسف عمر أراد أن يثبت لنفسه وللناس بإنه مازال على عهده بالمقام قوياً مقتدراً في إداء اصعب الطبقات الغنائية .
لقد كانت الميانة وهي من نغم الحجاز على درجة ( المحير) صعبة في الاداء لانها تحتاج الى صوت قوي وقابلية جيدة لغناءها مما لاتسمح به صحته ولكنه كان عازماً وهو اذا عزم لاينثني كما عرفناه ،والجدير بالذكر أنه أعتاد على غناء البنجكَاه بهذه الطبقة منذ أول عهده بالمقام كما أعتاد أن يبدأ الميانة بلفظة ( أي ) فلا ينقطع عنها ولايتوقف الا عندما يثير المستمعين والمشاهدين فتبدأ عاصفة من التصفيق ويسترسل حتى يفرغ منها دون أنقطاع.
كنت في ذلك الحفل بالقرب منه أراه وأسمعه وأشعر بمعاناته وألمه فيما كان هو ماضياً في جوده حتى آخر رمق، ثم بدأ صوته يهبط من الدرجة الأصلية بحكم السن ، فلم يفتر ذلك من عزمه أو يثبط همته بل واصل منفقاً الجهد من صحته حتى فرغ من إداء الميانة، فكانت خاتمة ما غنى في مشواره الطويل وبعد أن أسدلت ستائر الحفل ، شعر بآلامه تزداد ، وأصبحت بداية النهاية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكما قرأنا ورأينا آنذاك مدى أخلاص وتفاني الراحل يوسف عمر للمقام العراقي ..ووفائه لجمهوره وعشاقه من مختلف الأعمار..فلم يبخل بصوته لأسماعهم وأمتاعهم.. وهو في ووضع صحي شديد الوقع عليه ، رحمك الله وستبقى خالداً في سماء وعالم المقام العراقي .تحياتي