كان الشيخ الزاهد عبد الرحمن أبى المواهب يسكن فى مكان منعزل وحده فى جزيرة الروضه ,حاذقا فى تعبير الأحلام وله فراسة وبصيرة بالأمور . ما كاد الربيع يقص عليه ما جرى له فى ليلته حتى قال له ...........
ــ رؤياك يا بنى والله أعلم تشير إلى شأن عظيم وخطب جلل .
سأله الربيع متلعثما وقد اصفر وجهه ......
ــ ماذا تقصد يا سيدنا ؟.
ــ تعنى والله أعلم موت أعلم أهل الأرض فى زماننا ..
ــ زدنى بيانا يا سيدنا ..
ــ سأزيدك ... قال تعالى فى سورة البقره [ وعلم آدم الأسماء كلها ] . هذا ما يعنيه موت آدم الذى أخبرت به فى رؤياك . أما الشيخ الذى أتاك فى المرة الثانية فهو كما وصفته لى شيخنا فى الحجاز العابد الزاهد الفضيل بن عياض يرحمه الله ..
نظر الصاحبان لبعضهما نظرة تلاقت فيها أفكارهما وتوحدت وقد لمعت فى ذهنهما فى وقت واحد صورة شيخهما وأستاذهما الشافعى . إنهما لا يعرفان على وجه الأرض من هو أعلم منه ولم يصدفا فى حياتهما من يفوقه علما ونبوغا وفهما . أجل لا أحد غير شيخهما أحق بهذا الوصف . تأكد لهما أن المعنى بهذه الرؤية هو شيخهم وأستاذهم الشافعى ..
إستأذنا من حضرة الشيخ وهما يعتذران له على إفساد وحدته عليه واقتحام خلوته فى هذا الوقت المتأخر من الليل . خرجا من عنده متخذان طريق العودة شطر المسجد العتيق استعدادا لآذان الفجر الذى اقتربت خيوطه ..
أخذا يسيران فى الطريق صامتين لا يتكلمان وقد غطهما الحزن بسرابيله . كان الربيع أكثر حزنا وغما وهو الذى أحب الامام وتعلق به طوال السنوات الست الماضيه . لم يفارقه خلالها فى ليل أو نهار إلا نادرا قائما على خدمته وقضاء حوائجه وشؤونه بنفس سمحة راضيه . فى الوقت نفسه يدون ويجمع كل كلمة يسمعها من فتاوى الشيخ وآراءه وردوده على أسئلته وأسئلة الآخرين فى أوراق تعدت فى مجموعها الألف ورقه . عاكفا فى أوقات فراغه على ترتيبها وتصنيفها وتبويبها حتى يسهل عليه الرجوع عند الحاجة إلى ما فيها من ذخائر ودرر غالية نفيسه ..
وفى طرقات المدينة التى بدت خالية من الناس أخذ يستعيد فى ذهنه ما سمعه لتوه من الشيخ أبى المواهب ويستعرض فى الوقت نفسه شريط أحداث الأيام الماضيه . حيث لم يفارق خلالها شيخه إلا مسافة الليل يذهب إلى داره بعد أن يلقى عليه النظرة الأخيرة فى آخر الليل ليتأكد أنه راح فى نوم عميق ..
أخذ يسترجع ما كان من شيخه معه بالأمس وهو يأمره أن يدنو منه قائلا له ......
ــ يا ربيع يا ولدى قلت لك مرات أنك ستكون راويتى فاتق الله ومثل الآخرة فى قلبك واجعل الموت نصب عينيك . كن من الله تعالى على وجل وكن مع الحق حيث كان . لا تستصغرن نعم الله عليك وإن قلت وقابلها بالشكر . وليكن صمتك تفكرا وكلامك ذكرا ونظـرك عبـره ..
يتبع .. إن شاء الله ...........................
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها