رد: الوظائف الروحية لفن السماع في المجتمع المغربي
4 ـ على سبيل الاستخلاص :
نتبين مما سبق أن السماع بشقيه ، المديح النبوي والسماع المجرد ، يضطلع بأدوار رئيسية في ترسيخ محبة الرسول وآل بيته ، وتثبيت كل القيم الإسلامية التي حملتها الرسالة المحمدية السمحة ، وكذا تعضيد وحماية الهوية الإسلامية للمجتمع المغربي من خلال مختلف المظاهر الاجتماعية والثقافية التي تعبر عن الوجدان الديني المغربي ، وكذا عبر ما يضطلع به السماع من دور تربوي روحي في إصلاح الفرد من خلال تطهير باطنه من الأغيار والأكدار وتأهيله للإخلاص في العبادة وترقيته لمعرفة الحق حق معرفته . أضف إلى ذلك أن مساهمة فن السماع في التلحيم الروحي للمجتمع المغربي ، سواء عبر تقوية وتغذية الهوية الإسلامية الجماعية ، أو من خلال تأهيل وتطهير الفرد المسلم ، تلعب دورا رئيسيا في تحقيق الأمن الروحي للفرد والجماعة وذلك في إطار من الوحدة الدينية التي تقدم صورة نموذجية لهوية إسلامية منفتحة تعتني بأبعاد الفرد المختلفة وبفطرته المحبة للسلم والتواقة للجمال ، هذا الأخير الذي يتمثل في مظاهر عدة منها الشعر والموسيقى واللباس ، وهي كلها مظاهر جمالية ذات أبعاد روحية ساهم ، ولا يزال، حقل السماع وأربابه ففي تغذيتها ودعمها ، لذا وجبت العناية بهذا التراث المغربي الأصيل ، دعما للغايات والمقاصد التي يتغياها ، لا سيما إزاء التحديات المعاصرة التي يواجهنا بها نظام العولمة الثقافية ، والذي يهدد كل الهويات الفقيرة بالامحاء والذوبان ، وكذا إزاء تحديات أخرى نجمت عن نوع من النسيان الذي تعاملنا به مع مكوناتنا الثقافية حين اعتبرناها عناصر ثانوية في حياتنا ، مما فاجأنا بمظاهر "ثقافية" غريبة عن الهوية الإسلامية المغربية كما تشكلت في بقعتنا ، وساهم في صياغتها أجدادنا على امتداد قرون خلت ، ثم إن السماع ، من حيث هو موسيقى صوفية ، يعتبر واحدا من الجسور التي تصل هويتنا بغيرها من الهويات الكونية ، والتي تتقاطع معنا في مختلف القيم والمثل الإنسانية العليا التي يصبوا إليها الإنسان من حيث هو إنسان ، وهي قيم يعبر عنها السماع أبهى تعبير نظما ونغما "مثل قيم المحبة والتسامح والسلم والجمال وتكريم الإنسان والبحث عن الكمال والتوق إلى المطلق ...".
لهذه الاعتبارات وغيرها ، ندعو إلى رعاية فن السماع بوصفه مظهرا ثقافيا مغربيا أصيلا يحمل قيما دينية وإنسانية لها جذور مغربية وثيقة وذات طاقة كبرى على مواصلة المساهمة في تلحيم المجتمع المغربي روحيا ، وجعله متواصلا ومنفتحا إنسانيا وكونيا ، دون أن تلقي به في مهاوي العنف والانغلاق . وفي هذا الإطار ندعو إلى فتح مدارس لتلقين هذا الفن ونقله للأجيال القادمة ، وفق أصوله وشرائطه وطقوسه ، ونقترح فتح شعب لدراسته في الجامعات والمعاهد الموسيقية ، كما نقترح استثمار ما يقدمه من إمكانات شعرية ونغمية في تلقين بعض المواد الدراسية والتعليمية مثل مواد "اللغة العربية" و "التربية الإسلامية" و "التربية الموسيقية" ، وكذا الإفادة منه في صياغة أناشيد للأطفال بتوقيع مغربي أصيل ، إذ من شأن هذا التوظيف المبني على دراسات متأنية أن يسهم بقوة في دعم تلك المقاصد الروحية التي يهدف إليها السماع ، وذلك من أجل استثمار ذخيرة هذا الفن في تنشئة فرد مغربي معتز بإسلامه ، محب لرسوله وآل بيته ، متصالح مع ذاته ، مفتخر بتراثه ، منسجم مع مقتضيات عصره
|