@ فى اليوم التالى شوهد والى مصر واقفا على عتبة دار الشافعى يلتمس الإذن فى الدخول عليه ....
ــ قولى لسيدك والى مصر بالباب ..
نزل الشافعى من غرفته أعلى الدار وكلمات الترحيب بضيفه تسبقه . وبعد أن تبادلا عبارات الترحيب والمجامله قال له الوالى ....
ــ علمت بالأمس فحسب ما جرى لك من هذا الفتى الأحمق فتيان بن أبى السمح بعد أن رفع إلينا بعض أصحابك أمره وعلمنا من تطاوله عليك ما آلمنا وأثار غضبنا . لقد نال بعض جزائه الذى يستحقه وأمثاله ..
ــ ما كان على أصحابنا أن يفعلوا ما فعلوا فإنى لم آذن لهم فى شكايته ..
ــ يا إمام مصر لو لم يأتنى أحد وعلمت بما كان منه معك لفعلت فيه ما فعلت وأكثر. إنكم آل بيت رسول الله "صلى الله عليه وسلم" لكم مكانتكم فى نفوسنا ومنزلتكم فى قلوبنا وما جئت إلى دارك إلا كى أطيب خاطرك وأعتذر لك عما فعله أولئك السفهاء ..
ــ لقد فعلوا أكثر من ذلك مع من هو خير منا وما تغير قلبه منهم بل عفا عنهم ودعا لهم وقدم العذر فقال "صلى الله عليه وسلم" : [ اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون ] . ونحن لنا فى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" أسوة حسنه والحمد لله على ذلك ..
ــ بارك الله لنا فيك يا أبا عبد الله ..
ــ أما ما نقلوه عنى أو ادعوه على يا سيدى الوالى فباطل كله . إن مالك شيخنا وأستاذنا ,وليس مثلى من يقول فيه رأيا فإنه كان مقدما عند أهل العلم قديما بالمدينة والحجاز والعراق معروفا عندهم بالفضل والإتقان فى الحديث ومجالسة العلماء . لقد رأيت شيخنا سفيان بن عيينه إذا ذكره رفع بذكره وكثيرا ما حدث عنه . وكان شيخنا مسلم بن خالد الزنجى وهو مفتى أهل مكة وفقيهها فى زمانه يقول لنا : جالست مالك بن أنس فى حياة جماعة من التابعين منهم زيد بن أسلم ويحي بن سعيد وهشام بن عروه . سيدى الوالى لولا مالك وابن عيينه ما حفظ أحد أحاديث أهل الحجاز ..
ــ ليتك تزيدنى بيانا ,لم إذا خرجت على الناس بهذا الكتاب فى خلاف مالك والذى أثار كل هذا الجدل واللجاج ؟.
ــ شيخنا مالك بن أنس حبيب إلى قلبنا ,لكن الحق أحب إلينا منه وهو بشر يخطئ ويصيب ككل البشر . كنت فيما مضى ألقى بآرائى خالفت أو وافقت رأى أستاذنا من غير نقد له فلما قدمت إلى مصر لم أكن أعرف أن مالكا يخالف من الأحاديث إلا ستة عشر حديثا . نظرت فإذا هو أحيانا يقول بالأصل ويدع الفرع وأحيانا أخرى يقول بالفرع ويدع الأصل . ثم علمت أن من المسلمين قوما إذا حدثتهم بحديث لرسول الله "صلى الله عليه وسلم" يعارضونه بقول إمامنا وشيخنا مالك وآخرين يقدسون آثاره وثيابه فى بعض البلدان . أدركت أن هناك خلل ما وأن الناس مقدمون على أمر خطير . إذ يعارضون بأحاديث رسول الله "صلى الله عليه وسلم" أقوال من يصيب ويخطئ وما كان لأحد مهما تكن منزلته مع الحديث رأى . فما دفعنى لوضع هذا الكتاب والخروج به على الناس إلا واجبى نحو الدين والعلم . الواحد منا عليه أن يجتهد وأن يفهم ما يسمعه ولا يقلد أحدا كان ما كان ,فإنه من تكلف ما جهل ولم تثبته معرفة كانت موافقته للصواب غير محموده وكان بخطئه غير معذور إذا ما نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الخطأ والصواب . فلا محمدة للمقلد ولا عذر له لأنه كحاطب ليل يقطع حزمة الحطب فيحملها دون أن يفتش فيها ولعل فيها أفعى تلدغه وهو لا يدرى . لهذا أغفل بالتقليد من أغفل منهم وعليه أن يستغفر ربه ,والله يغفر لنا ولهم ..
ــ لكنهم يأخذون عليك أنك تقول بخبر الواحد ؟.
ــ هل أنا صاحب بدعة فى هذا ؟. ألم تنقل أم سلمه لامرأة حكم السنه فى من قبلها زوجها وهو صائم . والرجل الذى نقل إلى الناس حكم القرآن فى تغيير القبله لما جاء إلى أهل قباء يقول لهم إن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قد أمر أن نستقبل الكعبة بقرآن نزل فاستداروا جميعا وهم فى الصلاة إلى الكعبه . وعندما حرمت الخمر تحريما قاطعا كيف أن رجلا نقل إلى الصحابة هذا الحكم فكسروا الجرار بالمهراس دون انتظار لأن ينقل الخبر جماعه ولم يطلبوا منه أن يجئ لهم بمن يؤيد كلامه . ألم يبعث رسول الله "صلى الله عليه وسلم" اثنى عشر رسولا إلى اثنى عشر ملكا يدعوهم إلى الإسلام وولى على الناس العامل وحده بعد العامل ولم يكن لأحد أن يقول للوالى أو المبعوث أو الخليفة أو القاضى أو أمراء السرايا وهم آحاد أنت واحد ولا نأخذ منك . والولاة من القضاة يقضون فتنفذ أحكامهم ويقيمون الحدود وينفذ من بعدهم أحكامهم ..
ــ معذرة يا شيخنا ,لى تعقيب على ما تقول ..
ــ تكلم بما شئت ..
ــ إن عمر بن الخطاب لم يقبل بهذا بل كان يستوثق ويطلب أن يزكى الراوى آخر ؟.
ــ كان ذلك منه رضى الله عنه زيادة فى الحيطه . الزيادة فى التأكيد ليست مانعة أن تقوم الحجة بالواحد . قد رأيت من الحكام من يثبت عنده الشاهدان العدلان والثلاثه فيقول للمشهود له زدنى شهودا وإنما يريد بذلك أن يكون أطيب لنفسه ولو لم يزده المشهود له على شاهدين لحكم له بهما . ومع قولى بخبر الواحد فإنى لا أقول بأنه قطعى الثبوت كالسنة المجمع عليها فهى كالكتاب العزيز قطعية الثبوت ومن شك فيهما خرج عن الإسلام . أما خبر الواحد فإنه جاء على الإنفراد ,ولو شك فيه أحد لم نقل له تب ,بل نقول له ليس لك أن تشك إن كنت عالما كما ليس لك أن تقضى بشهادة الشهود العدول وإن أمكن فيهم الغلط ,ولكن تقضى بذلك على الظاهر من صدقهم ..
رد الوالى قبل أن يقوم مستئذنا ....
ــ بارك الله فيك يا عالم قريش وزادك علما ونفع الناس بعلومك . هل من موعظة يا إمام ؟.
ــ أيها الوالى أنظر من يكون صاحبك فإنه يحبك أو يبغضك . وانظر من يكون كاتبك فإنه يعبر عن عقلك الظاهر إلى الناس . وعف عن أموال الناس يكثر شكرهم لك وإياك والإنبساط إلى رعيتك فتذهب هيبتك ..
يتبع .. إن شاء الله ...........................
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها