عرض مشاركة واحدة
  #119  
قديم 18/05/2009, 09h50
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
افتراضي

@ إستمر الشافعى يحكى لمن تجمع حوله من أهله ................

ــ ظل الشيخ يقص على ونحن نقطع الطريق إلى داره ذكرياته فى صباه مع الإمام الأعظم وما كان من أمره معه وهو لا يزال غلاما فى مقتبل العمر . كانت المسافة طويلة فأخذنا نتدارس جانبا من فقهه وآرائه وفتاواه . ولمناسبة ذكر هذا الإمام الجليل وإمام دار الهجره مالك بن أنس وذكرياتنا معا فى حلقته العامره سألنى ابن الحسن وكان متعصبا لشيخه أبا حنيفة النعمان بن ثابت : ………………

ــ يا ابن إدريس أود أن أسألك فى شئ على شرط ؟.

ــ أى شرط ؟.

ــ أن تجيبنى فى صراحه ..

ــ سل عما شئت ..

ــ صاحبنا أعلم أم صاحبكم ؟.

ــ تقصد أبا حنيفه ومالك بن أنس أليس كذلك ؟.

ــ بلى ..

ــ تريد المكابرة أو الإنصاف ؟.

ــ بل الإنصاف طبعا ..

ــ ما الحجة عندكم حتى أجيبك على أساسها ؟.

ــ الكتاب والسنه والإجماع والقياس ..

ــ ناشدتك الله أن تقول لى . أصاحبنا أعلم بكتاب الله أم صاحبكم ؟.

ــ إذ نشدتنى بالله فصاحبكم ..

ــ وسنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" أصاحبنا أعلم بها أم صاحبكم ؟.

ــ بل صاحبكم ..

ــ فمن أعلم منهما بأقاويل أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" والمتقدمين . صاحبنا أم صاحبكم ؟.

ــ اللهم صاحبكم ..

ــ لم يبق إلا القياس أليس كذلك ؟.

رد محمد بن الحسن على عجل كمن ظفر بالحجه : بلى وصاحبنا أقيس من صاحبكم ..

ــ القياس لا يكون إلا على هذه الأشياء فمن لا يعرف الأصول على أى شئ يقيس ؟. شيخنا مالك أعلم بكتاب الله تعالى وناسخه ومنسوخه وسنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ومن كان أعلم بكتاب الله وسنة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" كان هو الأولى بالكلام والفتوى ..

سكت برهة وأردف قائلا .................

ــ ومع هذا أقر أن أبا حنيفة لو بنى على أصول أهل المدينة لكان الناس كلهم عيال فى الفقه عليه . لكنه بنى على أصول هى فى بعض الأحوال أضعف من الفروع ..

ــ لا تعجل على يا صاحبى فلسوف تشهد الأيام القادمة بإذن الله محاورات كثيرة بيننا فى هذه القضايا . لكنا وصلنا الآن إلى الدار وآن لك أن تريح جسدك المكدود قبل أن تستأنف العمل ..

سأله الشافعى وهو يشير بيده على بناية جميلة تحيط بها الأشجار الكثيفة ونباتات الزهور من كل جانب فى نسق بديع يخلب الألباب ...........

ــ أهذه دارك ؟. ما أروعها ..

ــ أجل هذه هى دارى المتواضعه التى اتخذتها بالرقه مذ كنت قاضيا عليها قبل أن أتولى مهمة قاضى القضاه . لى دار أخرى فى بغداد أكبر من هذه وأكثر رحابة لكنى أفضل البقاء هنا فى هذه الدار وبالذات إذا كنت عاكفا على كتاب جديد ..

ــ ولم أيها القاضى ؟.

ــ السكون هنا وهدوء هذه المدينه يعيننى كثيرا على الكتابة والتأليف بعيدا عن الضجيج والزحام وصخب الأسواق وكثرة اللجاج فى بغداد . تفضل أيها الضيف الكريم ………………

يتبع.. إن شاء الله............................


@ واستمر الشافعى..............

ــ ما إن دخلنا داره وجلسنا نتجاذب أطراف الحديث بادرته متسائلا عن شئ لاحظته على باب داره ………………

ــ من هذا الرجل الذى رأيته قائما على باب الدار يا ابن الحسن ؟.

ــ من “ رباح “ ؟. إنه رجل أقمته وكيلا مكانى عهدت إليه بالقيام بكافة أعمالى الشخصيه لما رأيت أنها ستشغلنى عن مهام العلم والتأليف . ونبهت على أهلى جميعا ألا يسألونى بعد اليوم أى حاجة من الحوائج وأن يأخذوا ما بدا لهم من وكيلى هذا ..

ــ ما أحسن ما صنعت فإن هذا أفرغ لقلبك ..

مضت لحظات من الصمت كان الخادم خلالها يصب فى أكواب وضعها أمامهم من إبريق فى يده شرابا ساخنا . أخذوا يرتشفون منه فى صمت قطعه الشافعى متسائلا ................

ــ أين كتبك يا ابن الحسن ؟.

إبتسم قائلا ....................

ــ لا تعجل بعد أن نشرب هذا الشراب المنعش الدافئ ونريح أقدامنا المنهكة من طول المسير سأريك كل ما عندى . إنى أحتفظ هنا بكل ما كتبت فى غرفة خصصتها للإطلاع والتدوين لا يدخلها أحدا غيرى ..

أخذه من يده وظل يمشى به فى بهو طويل حتى وصلا إلى عتبة درج . أخذا يرقيانه على مهل إلى أن وصلا للدور العلوى من الدار . وفى حجرة منعزلة تقع فى ركن بعيد كأنها خلوة ناسك أو صومعة راهب نظر الشافعى أمامه فهاله ما رأى . صفوفا متراصة من الكتب ينوء بحملها بعير حوالى ستين سفرا فى أحجام متباينه . أخذ يعرفه ببعضها قائلا ...................

ــ هذا كتاب الجامع الصغير دونت فيه أكثر من ألف وخمسمائة مسأله . وهذه الأسفار السته لكتاب المبسوط وهذا كتاب الرد على أهل المدينه . أما هذا فهو كتاب السير فى فقه الحرب وهو من أعز الكتب عندى وأحبها إلى قلبى ..

تهلل وجه الشافعى قائلا .................

ــ هو هذا الكتاب إذن ؟. سمعت به وبما بين دفتيه من علم غزير وتمنيت أن أقرأه يوما ما ..

ــ لما سمع به أمير المؤمنين هارون الرشيد بعث إلى بولديه الأمين والمأمون ومعهم سائر الأمراء ليطلعوا عليه وليتعلموا ما فيه مـن علـوم ..

قال الشافعى متوسلا ..................

ــ ليتك تعيرنى إياه يا شيخ العراق ؟.

ــ معذرة أيها الصاحب إلا هذا الكتاب . لا أستطيع إعارتك إياه , ولا تسألنى عن السبب عافاك الله ..

رد الشافعى مرتجلا فى حينه وعلى شفتيه ابتسامة ودودة صافيه :
العلم ينهى أهله .. أن يمنعوه أهله

لعلـه ببذلـه .. لأهلـه لعلـه ..


إبتسم ابن الحسن قائلا وهو يمد يده إلى الكتاب ويناوله للشافعى ..................

ــ إيه لا أجد ما أرد به عليك . طلبته عارية وأنا أعطيه لك هدية لقد غلبتنى كعادتك أيها القرشى اللبيب ..

وعلى منضدة خشبية كانت المحبرة والريشة وأوراقا كثيرة متناثرة توحى أن هناك كتابا يعكف الشيخ عليه ولم يكتمل بعد . سأله عنه بعد أن أبدى إعجابه ودهشته مما رأى ..

رد ابن الحسن قائلا ................

ــ هذا كتاب الجامع الكبير وضعته فى التفسير والأصول لم أفرغ منه بعد ..

ــ إسمع يا ابن الحسن لا يزال معى خمسون دينارا من عطية أمير المؤمنين إدخرتها لأمر فى نفسى ليتك تعيننى عليه ..

ــ مقضى إن شاء الله ما هو هذا الأمر ؟.

ــ أريد أن أنسخ من هذه الأسفار كلها نسخا آخذها معى حتى أتدبر ما فيها على مهل منى ..

ــ كنت أعلم يقينا أنك ستطلب منى ذلك وهى مسألة يسيرة بإذن الله . إذا كان الغد ذهبنا إلى سوق الوراقين وأحضرنا أمهر من فيهم هنا فى دارى ليعكفوا عليها وينسخوا لك نسخا منها . لن تغادر العراق بإذن الله إلا ومعك نسخا من جميعها ..

ــ وها هى أجرتهم وثمن القراطيس الخمسين دينارا التى ادخرتها ..

ــ أمسك عليك دراهمك يا شافعى فأنت ضيفى وأنا كفيل بأجرهم ..

ــ معذرة أيها الشيخ لن يدفع أجرهم أحدا غيرى ..

وبينما كانا يتابعان حديثهما إذ دخل عليهما أحد الغلمان يحمل بكلتا يديه صينية كبيرة عليها غطاء تحته صحافا كثيرة للطعام وضعها على منضدة قائلا ........

ــ الطعام يا سيدى ..

ــ هيا يا صاحبى إلى العشاء أولا وبعده سنجلس سويا لنشرع فى قراءة كتبى . لن تغادر العراق بإذن الله تعالى إلا وقد أقرأتك كل ما كتبت ..

ــ كأنك تقرأ حقيقة ما يدور برأسى . والله إن هذه هى لأمنيتى ترددت أن أفاتحك فيها كى لا أشق عليك ..

يتبع.. إن شاء الله............................

__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 18h10
رد مع اقتباس