عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19/05/2011, 16h32
الصورة الرمزية عبد الحميد سليمان
عبد الحميد سليمان عبد الحميد سليمان غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:245929
 
تاريخ التسجيل: June 2008
الجنسية: مصرية
الإقامة: السعودية
المشاركات: 135
افتراضي الأستاذ الدكتور عبد الحميد سليمان/المنهج الحداثى فى الشعر العربى

إهداء الى الأخ الكريم/ الأستاذ مصطفى خميس(الباشا قمر الزمان)

من مقالات الأستاذ الدكتور عبد الحميد سليمان
المنهج الحداثى فى الشعر العربى
(الأفكار والمسارات والمآلات)

أجمل إميل دوركهايم، عالم الاجتماع الفرنسي،تشخيصا ناجعا للبدايات القاتلة للانقلاب الاجتماعي الذي تهوى به مجتمعات ما من مقاماتها ومكانتها إلى منحدرات سحيقة تقبع في ظلامها دونما فكاك لها منه ,وذلك حين يوغل فيها فساد المعايير الكلِّية على حد تعبيره، إن مثل هذه المجتمعات يتنازع الشعور بالاغتراب وعدم الانتماء أبنائها فيذرونها إلى المبهرات الصاعقات القانصات من السلوكيات والرؤى التي تذرى بالثوابت ولا تقيم اعتبارا لمستقر ثابت حتى ولو كان مستحبا مثمرا فاعلا مؤثرا, حين يغادر أولئك المتغاربون بين بني جلدتهم ثوابتهم وهوياتهم إلى نموذجهم الجديد المنشود الذي أمكن من نفوسهم وأخذ عليها كل مأخذ فباتوا يبتغون إليه والى أهله الوسيلة ,وبعد أن يتحقق لهم ما كانوا إليه يطمحون,إذا به يستنكرهم ويتعالى عليهم ويزدريهم,ثم يرأف بهم فيقبلهم فى إطر تهميشية استعلائية عنصرية واستغراب لشائه ثقافاتهم والتياث عقولهم وانطماس هوياتهم ,هنالك يبيت أولئك المتغاربون منبتين لا أرضا قطعوا ولا ظهرا أبقوا غرباء بين أهليهم ,نفٌرا من ثقافات آباء وأجداد أتاحت لهم ممكنا ميسورا مقبولا من الإضافة والتطوير والتجديد العاقل الواعي بالخصوصيات الثقافية والفكرية للأمم والحضارات المرحب بالنافع, المزري بالشائه التائه المضطرب الذي لا يعكس في جلي أمره سوى محاولة مزرية للوجود والظهور والتوسد حتى ولو اقتضى ذلك أن يتحول أصحابها إلى مسخا أو منبوذين تتقاذفهم العيون والقلوب وتنأى عنهم فلا يحادثون إلا أنفسهم ولا يبدعون إلا بما ظنوه واحتسبوه إبداعا دون أن يفهموا له معنى أو يطيقون له دفعا.

هكذا يفعل الاغتراب أفاعيله بأهله ولداته وسالكى طريقته, فيظلون صرعى كابوس جاثم على صدورهم وأفئدتهم وعقولهم لا يريم ،على حين يتنبه وعاتهم إلى سود المآلات ويرونها شاخصة كاسرة متلمظة يصدع واقعها وتنعكس آثارها في ازورار المجتمع وإعراضه عنهم,نخبا وعامة, تقليديين ومجددين ,لكن ذلك لا يهولهم ولا يردعهم أو يثنيهم فيئوبوا إلى أنفسهم والى ما استقرت عليه مجتمعاهم واطمأنت اليه ثقافاتهم وتعشقته مستكناتهم وحمله تاريخهم دون أن ينوء به أو يهمله ,عن ذلك يبيت أولئك المتغاربون نُفًّراً عن سياقات مجتمعاتهم وتفاعلاتها فتنكرهم وتنأى عنهم وتزدرى صممهم وتُضيّق عليهم خناقها وتلفظهم مجالسها وآذان وعقول مجموعها

على هذا أوغلت مسارات الحداثة والحداثيون كنتيجة للمتغير الحاصل في الفكر نتيجة التحوّلات والتطوّرات المتحقّقة في بنية المجتمع البرجوازي الغربي، وذلك ضمن عقود القرن التاسع عشرفقادوا ثورتهم التغيريةعلى القيمِ والمفاهيمِ التقليديّةِ السائدة,الاجتماعية والثقافية والسسيولوجية والإبداعية وصولا إلى ثورةً على القيمِ والمفاهيمِ التقليديّةِ السائدةمن خلال موقف ناقد للنصية التقليدية المتجمدة في نظرهم الغير مناسبة أو متوافقة مع إيقاع العالم الحديث وهيمنته المتنامية وتأكيد مريديهم والسالكين طريقهم , من حداثيى العرب على أن تحديث الفكر والمفاهيم العربية هو السبيل الأوحد لتجاوز عثرات التخلف وقيود البطء الغير متناسب مع إيقاع سريع دائب لا يتوقف لمسارات واتجاهات التحديث الغربية المتوسدة منذ ظهور الحداثة وما بعد الحداثة ,على أن النقد المعرفي والمنهجي للخطاب الحداثي العربي، يصدع بأنه لم يكن ينتج، أو يبدع فكرا خاصا به، بل كان مقلدا للفكر الغربي ومحاكيا لأطروحاته وفلسفاته، عبر الاستنساخ أو التلفيق أو الاختزال، مما كرس التبعية الفكرية للغرب،وعطل انطلاقة الإنتاجية الفكرية للعرب.

ومضى المستنسخون الناقلون للأنساق الفكرية للتيارات التي أخذت بألبابهم ينقلون الأفكار ولا يتحدث عن تجسيدها ,ولم يأل الملفقون جهدا في الاقتباس والنقل للمقولات والتعريفات والمناهج والإنتاج الأدبي أو المعرفي من مستويات مختلفة أو متباينة من التيارات في افتقار إلى الانسجام والتماسك والتشاكل والاضطراب والغموض الذى يذرى بالعقول النوابه إلى متاهات الاضطراب واستحالة الفهم سيما مع اتساع لا محدود للتأويلات وليونة للنصوص لا تدرك معها مكنوناتها وأطروحاتها وقضاياها.

إن تلك الأشكال المتنوعة من التقليد والمحاكاة لاتجاهات أدبية وفكرية غربية لم تلغ قديمها أو تتنكر لها وتنسفه نسفا وتذره قاعا صفصفا وإنما تنوعت اتجاهاتها ودعاواها وتداخلت وتكاملت حينا وتنافرت وتناقضت حينا آخر ،ثم تركت الحداثيين العرب في حرج كبير؛ حين أخذت الأدوات المنقولة والأنساق المنسوخة تتهاوى بين أيديهم من جراء تقلب أحوال الغرب المذهبية واختياراته الفكرية ومازالت مجموعة من هؤلاء الحداثيين المقلدين مصرين على الاستمرار في تقليدهم، مرسخين حداثة فلسفية جامدة، توجب عليهم الاندماج الكلي في العصر الفلسفي على مقتضى ما قرره الغير في التفلسف، فيكون هذا الضرب من الحداثة إلى الوهم والأسطورة أقرب منه إلى الواقع والحقيقة.

وفى دفاع الحداثيين العرب عن مزاعمهم باتوا يتدثرون برؤية ابن رشيق القيروانى التي اعتبرت أن الإيحاء والإبهام والغموض في الشعر أفضل من التصريح لاتساع الظن عن التعريض وشدة تعلق النفس به، والبحث عن معرفته وطلب حقيقته، فإذا كان الهجاء تصريحاً أحاطت به النفس علماً وقبلته يقيناً في أول وهلة، فكان كل يوم في نقصان.

وحين اكتشف المستشرق آرثر أربري النصوص الثرية المشحونة الغامضة للإمام الصوفيمحمد بن عبد الجبار النفري على نحو ما حملته عوالم الصوفية ورؤاهم وبوحهم ,فى رائعتيه بالغتى العمق ثريتى الايحاءات والدلالات «المواقف» و«المخاطبات» وتلك كانت سانحة اهتبلها رائد قصيدة النثر الحداثية فى الشعر العربي الشاعر السورى أحمد سعيد المعروف بأدونيس وأدرجها في قلب المشروع الشعري الحداثي منذ العام 1965م , وراح يكتب عن النفري وينشر مختارات من نصوصه في مجلة «مواقف» مقدّماً إياه نموذجاً شعرياً ساطعاً «يضيء الكتابة العربية الحديثة والكتابة إطلاقاً»على حد تعبيره, دون أن يدرى أو إن شئت قلت متغافلا عن أن علم تلك الذخائر النادرة من الفكر الانسانى العميق والرؤية الفلسفية الإستشرافية للعوالم السماوية الربانية التي ترتفع بالأمر إلى لون من علوم ورؤى روحية تطرح للخاصة وليس إلى العامة وتستدعى لفهمها توجها وعمقا دينيا صوفيا فلسفيا تضيق به العبارات كلما اتسعت الرؤى حسب النظرة الشهيرة المشحونة بالدلالات المنسوبة للنفرى,إنه غموض شتان ما بينه وبين غموض الشعر الحداثى وتهاويم شعراء قصيدة النثر الذين باتوا لا يخاطبون إلا ذواتهم,يقولون ما لا يفهمون, و لا يفهمون ما يقولون ولا ما يريدون ولا ما يقال لهم, وكان طبيعيا أن انبتت علائقهم المفترضة مع المتلقين الذين نأوا بوجههم عنهم بعد أن نأت عقولهم ووعيهم وحسهم عن تهاويمهم وأنكروا عليهم تعاليهم ,وقد سجل أدونيس منهجه الشعرى بقوله:
أعرف أن الطريق
لغة في شعوري لا في المكان
لغة في العروق وفي نبضها، لغة في السريرة
حيث تأتي المسافات من أول الروح موصولة بالبريق
ببريق الفتوحات والكشف والعابرين
في التخوم الأخيرة

وأوغل الرجل فى تمرده على الموروث ونبذ نمطيته الشكلية والموضوعيّة التي تجلّت بالقصيدة العموديّة وهيمنتها على امتداد خمسة عشر قرناً أو يزيد من الزمان كانت حركتُها خلالها وئيدةً وتحولاتُها نسبيةً وفرديّةً في أحسن الأحوال وانتقل هادما مقولة الوحدة العضوية والإيجاز، ومستبدلاً ذلك بالتنوّع والحرية واللاشكل,وصولا إلى نوع من الكتابة الشعرية المزعومةالتي يتداخل فيه النثر والشعر والقصّة والمسرحية .وصنف أغراض القصيد عنده الى قصيدة الرؤية الكونيّة التى تنمو في اتجاه الأعماق ، في سريرة الإنسان ودخائله وتنمو أفقيّاً في تحوّلات العالم . وظهر ما أسماه بالقصيدة المنفتحة التي ينتفي فيها الشكل المنغلق مستبدلاً بالآخر المنفتح،الكثير،اللانهائي،الذي بواسطته يتجاوز الشعر حدوده النوعيّة القديمة.وتبقى القصيدة الكليّة فهى التي تتداخل فيها الأنواع التعبيريّة المنثورة والموزونة والغنائيّة والمسرحيّة والملحميّة والقصصيّة وتتسربل بالفلسفة والعلم والدين. وتتويجاً لذلك كله انتهى أدونيس إلى ما يعرف باسم قصيدة النثر العربيّة,محاكاة لنظيرتها الفرنسية مع الاختلافات البينة القاطعة للجذور والمناهج والواقع والأهداف ووفى تقيم نقدى واع لشكري عياد أجمل فيه «إن الكاتب منتم بفكره أو الأنا العليا إلى العالم الغربي الحديث، بينما هو منتم بعلاقاته الاجتماعية أي بالأنا إلى المجتمع العربي. وبناء على ذلك فلن يكون أمامه خيار حين يكتب، إلا أن يكتب لقارئ على شاكلته، قارئ عربي ينتمي بفكره إلى العالم الغربي الحديث,إن ذلك التقييم النقدى صدع بالحقيقة وحذر من اختلافات المساقات والمناخات الداعي إلى تفهم ذلك واستيعاب دلالاته وليس إهماله أو ازدرائه,

ودفعا للاتهامات التى ساقها سدنة التراث الذين أفزعهم ذلك النكوص وأدركوا مغباته وسود أهدافه ونتائجه,أكد أدونيس أن الإسلام قد دعا إلى تطابق الشعر مع الحقيقة , وأنه قد قبل الشعر على قاعدة تطابقه مع الحقيقة الثابتة وحارب الشعر الذي يقوم على الخيال والاستشراف على حد تعبيره،ثم أفصح عن نظريته واضحة جلية في الشعر في كتابه الموسوم باسم (الثابت والمتحول) وفيها ينهج نهجا مخالفا للمتوارث المألوف بشكل حاد في المضمون والشكل جميعاً ,معتبرا أن اللغة الشعرية لا تهدف إلى أن تطابق بين الاسم والمسمى وإنما تهدف إلى أن تخلق بينهما بعداً يوحي بالمفارقة لا المطابقة دون أن يأبه بالواقع، وإنما يهدره مع تراثه وأصوله وطبيعة التراكم المعرفي الحضاري الناشئ عن ارتكاز الجديد على ما أحرزه الأقدمون على سائر الوجوه والصيغ,وتلك بدهية طبيعية لا تلغى بفكر شخص أو شطط فريق مهما روج له واحتضنته الأبواق والساحات ومن أرهقهم صمود أسطوري لأمة لم تهن أو تزوي عبر قرون عديدة من التراجع والاستهداف على اختلاف أصعدة ذلك ومناهجه ومستوياته, كانت صياغة أدونيس والسائرون نياما, صياغة جديدة تنكر الواقع المألوف وفى ذلك يقول:
لأني دم ولأني لحم
أحب حدودي وأكره
أني أحب حدودي
ألا صورة من جديد
تصاغ لهذا الوجود.

على هذا حذا الحداثيون العرب حذو دليلهم ورائدهم أدونيس فى قطيعتهم الجذرية مع الماضي حيث في ظنهم مغايرة الواقع للشعراء الأقدمين معتبرين أن الإبداع لا يتحقق إلا بالتحرر من الموروث شكلا ومضمونه والاستغراق في حالات التيه والاغتراب التي لا يخجلون من التعبير عنها،

على أن الأغرب من ذلك هو أن تلك المقترحات والأفكار التي روج لها عن الشعر الحداثى قد تحولت فى ظل ظروف ملتبسة,تشابك فيها السياسى مع الإجتماعي والمعرفى والمسلكى إلى ثوابت من نوع جديد،لا تقبل نقدا أو ردا ولا إسقاطا من الخطاب النقديّ أو الأدبيّ، وكانت المؤسسات الأكاديميّة والإعلامية العربيّة أهم الأسباب والأدوات والساحات التى شهدت ترسيخ حداثية الغموض والإبهام،والأفول من ضوابط الشعر التقليدية التى تسهل وتلين وتخضع وتطمئن لكل مبدع خلاق,وتنأى وتشق وتستحيل على الأدعياء الأعيياء الذين يأبقون إلى فضاءات لا تلزمهم بشيء ولا بقيد , فتراهم يهومون ويشطحون ولا يابهون بغرابة أو التياث أو التباس ما يقولون, ويتركون المتلقين حيارى تائهين ,يتتاهمون بالغباء والعجز عن الإدراك أو الفهم أو الاقتراب من عالم الشعراء الحداثيين وتجاربهم ودوحتهم وبحار تيههم التى لا يحد مداها,ولو قرءوا أو وعوا شعر أبى الطيب المتنبى,الذى قرظ فيه نفسه وشعره ,غريب الكلام رفيع المعاني الذي كان ينشده ثم يذهب إلى فراشه قرير العين راضيا آمنا مطمئنا بينما يجهد غيره في البحث عن مراميه ومعانيه :

أنام ملء جفوني عن شواردها .... ويسهر الخلق جرّاها ويختصم

,ولو أدركوا إمعان أبى الطيب فى كبريائه وتقريعه لجاهليه ولائميه وحثه لهم على توسيع المدارك وتنمية المعارف ومصارعة الجهل حتى يمكن لهم استشراف عوالمه واستكناه أشعاره والتدثر بأفكاره, دون أن يتخيلوا أن تيار ما بعد الحداثة سوف يأتى كاسحا مدلهما مطيحا بهم , إلى أسفل مختزنات الموروث الأدبى والشعرى ,لو وعوه حين يقول :

ومن جاهلٍ بي وهو يجهل جهله .. ويجهل علمي أنه بي جـــاهل
تحقّر عندي همتي كل مطلب .. ويقصر في عيني المدى المتطاول

فلو علم أولئك الحداثيون أو فهموا أبيات أبى الطيب المتشامخة لادعوا أنه المؤسس الحقيقى للفكر الحداثى والأدب الحداثى وليست سوزان بيرنار ولا مايكوفسكي وباسترناك وأبولينير وبريتون ودادا ورامبووبودلير ولوتريامون وغيرهم من الحداثيين الغربيين. لقد خسر الشعر العربي المتلقي العربي وبشكل لافت وانفضّ عنه جزء كبير من جمهوره الذي كان يرى فيه راحة وسكنا لروحه ونفسه، وما تمخّضَ عن ذلك من انتكاس عام في مسيرة الشعر العربي وتراجعه من فن العربية الأولى الى ما سمى بزمن القصة التى غدت عمليا فن العربية الأول بعد أن أقصت الشعر الى منزلة لا تليق به ولا بدوره وتاريخه.

هكذا اقتحم فيضان التجاوّزات الحداثى وباتت دعاوى ومعطيات التحديث الفكرى جاثمة ملزمة لازمة ,وبات الرفض المجتمعى والثقافى متجاهلا مهملا مزويا منسيا , استنادا إلى التواضع المفاهيميّ لإنتاج شعراء مدرسة قصيدة النثر الحداثية,وباءت تلك النظرية عمليا بذريع فشلها وافتقادها للمناهج النقدية الداعمة المبادلة للشاعر إبداعا بإبداع وتحليقا بتحليق، دونمات اكتراث بما تصدع به الحقائق وتنوء به الساحات وتجهد لاستكناهه العقول, ودونها إلى ذلك استغلاق وغموض لا يستثنى عبقرى الفهم, لوذعى العقل ,ولا محبى الشعر ومتلقييه , لقد باتت ديمومة الاضطراب المفاهيميّ والخلط بين المصطلحات شاخصة جلية ، على الرغم من مرور أكثر من خمسين عاما على تداول تلك المصطلحات الأدبيّة والنقديّة في فوضى تسعى الى تداول تلك المصطلحات وترسيخها,

أما قصيدة النثر بصورتها المضحكة المبكية, فهى تشق طريقها فى عزم وإصرار ودأب إلي الزوال لأنها فشلت عمليا رغم ما خولته من المنابر،وما أفرد لها من الصفحات الثقافية في الجرائد والمجلات إبان عقدين من الانتشار لم تدرك فيه نُجحا ولا أدركت نَجعا ,وهاهى سحائب أجيال جديدة من أهل الشعر العمودي وشعر التفعيلة، يئوبون الى الواجهة أوبتهم الى الذاكرة وبعض ممن امتطى قصيدة النثر عادوا إلي شعر التفعيلة من جديد ,إن أجمل ما كتبه سعدي يوسف هو من شعر التفعيلة، وما رفع محمود درويش الى مكانة رفيعة فى عالم الشعر العربى المعاصر إلا ما كتبه من شعر التفعيلة .

غاية القول أن الحداثيين العرب قد عجزوا عن تأصيل مقولاتهم الحداثية داخل الواقع الثقافي العربي وفشلوا فشلا ذريعا في إنشاء حداثة عربية حقيقية، وفشلت محاولات أنسنة الدين، وتطبيق المبادئ النقدية على النصوص المقدسة.. لقد كان أولئك الحداثيون العرب مجرد مترجمين ، ومبشرين بالمناهج الحديثة، والمفاهيم الحداثية، سواء في النقد الأدبي، أو الدراسات اللغوية، أو المفاهيم الاجتماعية ، فقط، وبأشكال رديئة لأطروحات الفلسفة الغربية، كما هي عند هيوم، وكانط، وهيجل، ونيتشه،وغيرهم,لقد تأسس فشلهم على قاعدة انصرافهم الى المضامين الفكرية وليس الى الوسائل المنهجية التي استعملت في تبليغها.
أ/ د عبد الحميد سليمان
الدمام/ 19 من مايو 2011م

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 21h23
رد مع اقتباس