عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 04/11/2008, 10h15
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
افتراضي

(3)
بدايــة رحــلة العــوده
مرت الأيام بطيئة متثاقلة كأنها دهر وأم حبيبة تتذرع بحبائل الصبر وهى تنتظر الرحيل إلى ديار الأهل على أحر من الجمر .. لم يعد هناك ما يبقيها فى أرض الغربة بعيدا عن الأهل والأحباب بعد رحيل السند والظهر .. وبعد أن مضت أشهر ثلاثه وبضعة أيام , عرف اليأس خلالها طريقه إليها وانقطع بها الأمل وتبدد الرجاء . ظنت أن الشيخ المزنى نسى رسالتها ولم يبلغها لأبيها حتى أنها فكرت فى الرحيل بمفردها دون انتظار لقافلة التجار أو لوصول أبيها ..
وبينما هى راقدة فى فراشها ذات ليلة وقد غلبها التعب , إذ هبت فزعة من نومها وقد شق سكون الليل طارقا يطرق الباب طرقا شديدا متواصلا . قامت مسرعة وهى تتعثر فى ردائها , بينما الطارق لا يكف عن دق الباب بكلتى يديه مناديا بصوت عال .....
ــ أم حبيبه , أم حبيبه , إفتحى الباب يا ابنتى . ماذا دهاك , ما بالك , ألا تسمعين ؟!. ألهذا الحد أنت مستغرقة فى النوم ؟!.

راحت تحدث نفسها ......... يا ربى .. هذا الصوت ليس غريبا على مسامعى .. أجل .. إنه .. إنه صوت أبى ..
أسرعت إلى الباب وهى تتعثر فى ردائها , ولم تنس أن تلتقط وهى فى طريقها غطاء للرأس وضعته على عجل حول رأسها تحسبا .. فتحت الباب فى لهفة وشوق , لتجد أباها أمامها فاتحا لها ذراعيه فى حنان وعلى شفتيه ابتسامة عريضة ..
إرتمت فى أحضانه .. لم تجد ما تقوله غير نوبة بكاء عميق تملكتها وهى بين ذراعيه , بينما راح الشيخ يربت على ظهرها بيديه فى حنان أبوى .. وبعد أن هدأ بكاؤها التفت الشيخ إلى شاب ينتظر لدى الباب أتى معه ليدله على مكان البيت وخاطبه قائلا ............
ــ لا تؤاخذنى يا بنى أن تركتك تنتظر هكذا لدى الباب . تفضل بالدخول كى تستريح بعض الوقت . لقد أتعبتك معى كثيرا ..
ــ عفوا يا سيدى أنا ما فعلت شيئا . هل من خدمة أخرى أؤديها ؟!.
ــ بارك الله فيك يا ولدى . صحبتك السلامه ..
تركته ابنته يغط فى نوم عميق يوما كاملا بعد أن ألقى جسده المكدود على الفراش .. وقد أضناه التعب عقيب تلك الرحلة القاسية الطويلة وهو الشيخ الكبير . لم يكد يستيقظ من نومه فى اليوم التالى حتى أخذت أم حبيبة تلاحقه بالأسئلة تترى عن أهلها وأحوالهم . كانت فى شوق لمعرفة أخبارهم بعد أن طال الفراق وامتدت بها الغربة سنوات كثيره .....
ــ حدثنى يا أبت عن أحوال الأهل جميعا وما جرى لهم فى السنوات الماضيه .. حدثنى عن كل شئ ؟!.
ــ لا تؤاخذينى يا ابنتى لقد بلغ منى الجهد مبلغا كبيرا بعد تلك الرحلة الطويلة الشاقة , لم أقدر على مقاومة النوم بالأمس . على كل حال هم جميعا بخير ..
ــ كيف حال أمى .. كيف حال صحتها .. آه يا أبى كم اشتقت كثيرا إليها ؟!.
ــ أمك بخير حال كما تركتيها قبل سنوات غير أن آلآما بالرأس تعاودها بين الحين والحين , إلا أنى أعطيها خلاصة بعض الأعشاب التى تريحها بعض الشئ ..
ــ وماذا عن إخوتى جميعا .. عبد العزيز وسليم وعلى ؟!.
ــ كلهم جميعا بخير ..
ــ حدثنى عنهم يا أبت ؟!.
ــ أخاك الأكبر عبد العزيز رزقه الله بعد سفركما بولدين وبنت واحده واتخذ دارا وحده .. أما سليم فقد تزوج ابنة خاله عائشه منذ ثلاث سنوات لكنه لم ينجب بعد .. وأخوك على صار فتى فى العشرين من عمره الآن , وهو الذى يساعدنى فى حانوت العطاره ..
ــ حانوت العطاره !. أى حانوت يا أبت .. منذ متى وأنت تمارس تجارة الأعشاب ؟!.
ــ ليست تجارة واسعة كما تظنين إنه حانوت صغير اتخذته منذ سنوات بالقرب من ساحة البيت العتيق أمارس فيه تجارة الأعشاب والطيب والتمر ……

@ بعد أيام قلائل تحركت قافلة صغيرة من الأب وابنته وولدها الذى بلغ حد الفطام بعد أن أكمل عامه الثانى . وصلوا إلى المكان الذى ترابط فيه قافلة التجار وفيه إلتقوا بالشيخ أبى سعيد المزنى وولده يحي . وجداهما يتممان على القافلة وهى تتأهب لرحلة العودة إلى أرض الحجاز . رآهم أبو سعيد فابتدرهم مهللا فى بشاشة .....

ــ أهلا بأهل مكة العائدين إلى الديار . هل أنتم جاهزون للرحيل ؟!.
ــ نعم جاهزون تماما . أعددت دابة لى وأخرى لابنتى وولدها ..
ــ نحن أيضا جاهزون ومستعدون لبدأ الرحله ..
ــ متى نبدأ رحلتنا إن شاء الله ؟!.
ــ بعد صلاة العصر بإذن الله تعالى ..
ــ وأى طريق نسلك فى رحلة العوده ؟!.
ــ سوف نتحرك شمالا بمحاذاة بحر الروم إلى مدينة عسقلان .. وفيها سوف نحط خيامنا ثلاثة أيام للراحه وإنهاء بعض الصفقات التجاريه .. ثم نشد رحالنا جنوبا إلى أن نحاذى شاطئ بحر القلزم .. وآخر مكان نضع فيه خيامنا هو بدر للتزود بالماء والطعام والراحه .. ثم نواصل رحلتنا بعدها إلى مكة باذن الله حيث نترككم فيها ونمضى نحن فى طريقنا لنكمل رحلتنا إلى أرض اليمن ..
رد الأزدى قائلا ....
ــ على بركة الله ورحلة مباركة وآمنة إن شاء الله ..
@ فرغ جميع من فى القافلة من آداء صلاة العصر واستلم كل واحد راحلته وبدأ الركب فى التحرك على وقع أنغام حادى الإبل وهو يرفع عقيرته بالغناء منشدا بصوت عذب شجى والقافلة تردد من خلفه ......
يا أيها البيــت العتيق تعالى ؛ نــور لكــم بقــلوبنا يتلالا ..
أشكو إليك مفاوزا قد جبتها ؛ أرسلت فيها أدمعــى إرسالا ..
أمسى وأصبح لا ألذ براحة ؛ أصل البكور وأقطع الآصالا ..
وقبل أن تنفصل العير عن أرض غزه .. إلتفتت أم حبيبة من خلفها لتلقى نظرة وداع أخيرة على أبنية المدينة التى عاشت فى أحضانها وبين ربوعها عشرة أعوام .. راحت تملأ عينيها من ترابها الذى يضم فى أحضانه رفات زوجها وشريك حياتها .. وهى تردد فى صوت خفيض ملتاع والدموع تسيل على خديها فى أسى وشموخ ......
ــ آه من فراق أرض يرقد فى ثراها شريك حياتى وزوجى الحبيب الغالى .. والله لولا أنها وصيتك يا حبيبى ما فارقتها أبدا ..
إلتفت إليها أبوها وفى عينيه نظرة إشفاق وهو يرى الدموع تنثال على خديها محاولا سماع ما تقول .. ثم ما لبث أن سألها مشفقا ......
ــ ماذا كنت تقولين يا ابنتى .. لم أسمعك جيدا ؟!.
ردت وهى تمسح الدمع عن خديها ....
ــ لا شئ يا أبت لا شئ ..
بعد برهة صمت التفتت إليه قائلة بعد أن استجمعت نفسها ....
ــ أبت .. ليتك تقص على .. وأنا أسمع منك ؟!.
سألها متعجبا ....
ــ أقص عليك !. أى شئ أقصه عليك !. ما الذى تودين سماعه يا ابنتى ؟!.
ردت قائلة بينما عينيها تسبح فى الأفق البعيد .....
ــ ليتك يا أبت تحدثنى ونحن ماضون فى طريقنا .. عن أحوال البلاد عامة .. وما جرى فيها من أحداث .. كنت أسمع وأنا فى غزه أن أمورا جرت على أرض الخلافه .. وحدثت أحداثا مهمة .. ليتك تزيدنى معرفة عنها ؟!.
ــ أحوال البلاد ؟!. يااااه إنه حديث ذو شجون كما يقولون .. مالك أنت وأحوال البلاد .. ما الذى تريدين معرفته منها !. إنها أمور متشعبة كثيرة .. يطول الكلام فيها ..
ــ ليتك تحدثنى عن أهمها .. فأمامنا طريق طويل .. وزمن أكثر منه طولا ..
ــ صدقت والله يا ابنتى صدقت .. إن أمامنا مسيرة شهر أو يزيد .. حتى نصل إلى أرض مكه ..
ــ هى فرصة إذن لتهون علينا وحشة الطريق وطول السفر ..
ــ لقد وقعت أحداثا عظيمة فى العراق ومكة والمدينه .. أحداثا يشيب من هولها الولدان .. وتهتز من بشاعتها هذه الشم الرواسى .. ويشق على مثلك أن يستمع إليها ..
قال ذلك وأشار بيده إلى رؤوس جبال تبدو شامخة من بعيد .. أخذت أم حبيبة تنصت لحديث أبيها .. وقد بدا على وجهها الإهتمام وفى عينيها فضول للسماع .. بينما الشمس تجرجر أذيالها الشاحبة شيئا فشيئا ناحية الغروب وهو يسترجع أحداث الزمن القريب ..................
ــ تعلمين يا ابنتى ما جرى من أحداث دامية على أرض الخلافة فى العراق .. وانتهت بالقضاء على القائد الكبير أبى مسلم الخراسانى بعد أن استدرجه أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور إلى قصره بالهاشميه .. مستعينا بالحيلة والدهاء فى الوقت الذى كان كلاهما يتربص بالآخر ..
ردت معقبة ...
ــ على قدر علمى يا أبت أنه على أكتاف أبى مسلم قامت دولة بنى العباس .. ولولا بلاؤه وبأسه معهم .. لما تم لهم ذلك .. ولما قضى على آخر خلفاء بنى أميه ..
ــ أجل أجل هذا صحيح يا ابنتى .. لكنها الفتن والدسائس ومكائد القصــور ..
ــ مكائد القصور !. وقانا الله شرورها .. وحفظنا وحفظ أولادنا منها ..
ــ المهم .. بعد ذلك شرع المنصور فى تأليف قلوب أصحاب وأعوان أبى مسلم .. بالرغبة أحيانا وبالرهبة أخرى .. لكنها لم تحل دون قيام بعض الثورات والفتن ضده .. وبالمناسبه تولى أمر خراسان واحد من أبناء عمومتنا .. عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدى .. وذلك بعد مقتل أبى داود أمير خراسان أثناء إحدى المعارك الضارية التى دارت مع أنصار القائد أبى مسلم ..
ــ هل حدثت بعد ذلك محاولات أخرى منهم ؟!.
ــ نعم .. فى تلك الأثناء خرجت من راوند من أعمال خراسان طائفة الراونديه .. جماعة من أتباع أبى مسلم .. قاصدين قصر أمير المؤمنين بالهاشميه قرب الكوفه ..
ــ الراونديه !. لم أسمع بهم من قبل .. من يكون هؤلاء القوم يا أبت .. أهم مثلنا مسلمون موحدون ؟!.
ــ أبدا يا ابنتى .. إنها جماعة مارقة خارجة عن الاسلام .. وإن كانوا يدعون كذبا وبهتانا أنهم مسلمون موحدون ..
ــ كيف ذلك يا أبى ؟!.
ــ كان فيهم رجل يدعى الأبلق .. زعم أن الروح التى كانت فى عيسى بن مريم صارت فى على بن أبى طالب .. ثم فى أبنائه واحدا بعد الآخر .. إلى أن حلت أخيرا فى إبراهيم بن محمد سبط العباس عم النبى [
صلى الله عليه وسلم ] .. وأنهم جميعا آلهه ..
ــ أعوذ بالله من تلك الأباطيل .. أى إفك هذا الذى يدعونه .. وهل تلك عقيدتهم كلها يا أبت ؟!.
ــ لا .. بل يعتقدون أيضا فى تناسخ الأرواح .. وأنها تحل فى الأجساد بعد الموت .. ويدعون أيضا أن أمير المؤمنين أبى جعفر المنصور هو ربهم الذى يطعمهم ويسقيهم .. وأباطيل أخرى نحو ذلك ..
تساءلت وقد بان عليها العجب وأخذها الدهش ...
ــ كيف يعتقدون فى هذه الخزعبلات وينطقون بهذه الأباطيل ويؤمنون بها .. ثم يدعون بعد ذلك أنهم مسلمون موحدون بالله .. ما قصدهم يا ترى من وراء ذلك كله ؟!.
ــ لا هدف لهم من وراء الترويج لهذه الخزعبلات والأباطيل إلا إحداث الفتن والقلاقل .. تمهيدا لزعزعة أركان الدولة الاسلاميه .. ثم فى نهاية الأمر القضاء على أمير المؤمنين ورجال الحكم ..
ردت معقبة ....
ــ بذلك يتم لهم الإنتقام لمقتل قائدهم أبى مسلم الخرسانى .. أليس كذلك يا أبت ؟!.
ــ بلى يا ابنتى هذا صحيح تماما ..
ــ وما الذى فعله هؤلاء .. الراوندية .. يا أبت فى مدينة الهاشميه وبيت الخلافه .. أرأيت .. لقد شوقتنى والله لسماع حكايتهم ؟!.
ــ سأقص عليك يا ابنتى ما جرى آنذاك وما كان من أمرهم ....................

يتبع إن شاء الله ........................
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 10h25
رد مع اقتباس