عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 03/11/2008, 06h20
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
افتراضي

قالت أم حبيبه ......
ــ فى مصر . نعم حط الكوكب هناك .. فى أرض الكنانه .. فى مصر .. ثم .. لم أشعر بعدها إلا وأنت تنادينى .. فانتبهت .. لأراك واقفا أمامى ..
ما كادت تنتهى من سرد رؤياها حتى ساد أرجاء المكان صمت عميق لم يكن يسمع فيه سوى صوت أنفاسهما وهى تتردد فى جنبات الردهة الضيقه .. راح إدريس فى تفكير عميق قطع الصمت بعده قائلا وقد لمعت عيناه وبدت على وجهه علامات الفرح والذهول معا وعلى شفتيه ابتسامة صافية تنبئ عن دخيلة نفسه وما يعتمل فيها من مشاعر البهجة والسرور
ــ ما شاء الله فهمت ورب الكعبة تأويل رؤياك ..
ــ ماذا فهمت يا رجل ؟!.
ــ أتدرين يا أم حبيبه تأويل رؤياك هذه ؟!.
هزت كتفيها قائلة ....
ــ أنى لى ذلك .. لا دراية عندى ..ولا معرفة لى بمثل هذه الأمور !.
ــ لكنى أعرف .. وسأخبرك بتأويلها إن شاء الله ..
ــ تكلم يا رجل ؟!.
ــ إن صدقت رؤياك .. فإنى أبشرك بأعظم بشرى ..
ــ أى بشرى يا رجل .. تكلم .. شوقتنى ؟!.
ــ الجنين الذى تحملينه بين أحشائك .....
ــ ماذا به ؟!.
ــ لا تنزعجى يا امرأه .. سيكون له شأن كبير ..
ــ ماذا تعنى ؟!.
ــ إنه عالم قريش .. أجل عالم قريش المنتظر .. إنه لم يظهر بعد حتى اليوم .. أتدرين يا أم حبيبه من يكون عالم قريش ؟!.
نظرت إليه ذاهلة لا تجد ما تقوله وقد عقدت الدهشة لسانها فأردف قائلا غير منتظر جوابها ......
ــ إنه عالم قريش الذى أنبأ به رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] وأخبر عن مقدمه قبل مائة وخمسين عاما ..
ــ ما هذا الذى تقوله يا إدريس .. مالك اليوم تلغز فى كلامك هكذا !. لا أفهم شيئا مماتقول . ليتك تفصح عن قصدك .. أو تزيدنى فهما وإيضاحا ؟!.
ــ لا عليك .. سأشرح لك الأمر ..
ــ وأنا كلى آذان صاغيه ..
ــ كان بعض الصحابة على عهد النبى [صلى الله عليه وسلم ] يسبون قريشا لما يرونه من إيذائهم له .. فغضب من ذلك ونهاهم عنه قائلا لهم : " لا تسبوا قريشا فإن عالمهم يملأ أطباق الأرض علما . اللهم كما أذقتهم عذابا فأذقهم نوالا " ... أفهمت يا أم حبيبه قوله [صلى الله عليه وسلم ] " فإن عالمهم يملأ أطباق الأرض علما " . أفهمت ؟!.
ــ أبدا.. لم أفهم بعد !. ما علاقة هذا الذى تقوله .. بالرؤيا التى رأيتها ؟!.
قبل أن يجيبها أردفت وهى تسبح بعينيها إلى الفضاء البعيد وكانت امرأة ذكية لماحه
ــ آآآآآآآآآآآآه .. فهمت .. فهمت الآن ..
ــ هيه .. ماذا فهمت ؟!.
ــ تعنى بكلامك هذا أن الكوكب الذى رأيته فى منامى وهو يدور حول مكة وبلاد العرب .. ثم يحط فى مصر هو ذاك العالم القرشى الذى تنبأ بمقدمه النبى [صلى الله عليه وسلم ] والذى لم يظهر بعد ؟!.
ــ أجل هو ذاك تماما يا ابنة الأزدى ..
ــ يا ربى !. ما أعجب كلامك يا إدريس إنه لأمر عجيب والله . لا أكاد أصدق . حقا لا أكاد أصدق !.
ــ ستثبت لك الأيام صدق مقالتى باذن الله .. بل أقول لك ما هو أكثر من ذلك ..
ــ ماذا تعنى ؟!.
ــ لتعلمى يا أزديه أنه يوم يموت عالم يولد آخر .. تذكرى جيدا تلك الكلمات وإياك أن تنسيها .. يوم يموت عالم يولد آخر ....
فى اليوم التالى ذهب إدريس والسعادة تغمره إلى مكان عمله المكلف به فى الثغر شاعرا بالنشاط والقوة يدبان فى جسده النحيل . كان للرؤيا التى رأتها زوجته أثرها الكبير عليه وكأنما شرب بها إكسير الحياة .. بدا منتشيا على غير عادته حتى أن إخوانه لاحظوا تغير أحواله . أخذوا يداعبونه ظنا منهم أن سعادته بسبب المولود الذى ينتظر قدومه بعد طول انتظار وكان أكثرهم مداعبة له صديقه الأنبارى . كانوا يحبونه لدماثة خلقه وطيبته ويحفظون له قدره ومكانته لمعرفتهم بنسبه الشريف وقرابته لآل بيت رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] . أخذ يجاريهم فى حديثهم مستسلما لمداعباتهم .. وقد كتم عنهم حكاية الرؤيا التى رأتها امرأته ..

.... خمسة شهور وبضعة أيام مضت بحلوها ومرها مذ رأت أم حبيبه هذا المنام العجيب . وفى ليلة الجمعة الأخيرة من شهر رجب للعام الخمسين بعد المائة الأولى للهجره بدأت تشعر بآلام المخاض التى أخذت تزداد وتتقارب ساعة بعد أخرى وهى تتحامل على نفسها وتكتم آلامها عن زوجها حتى لا تشق عليه أو ترهقه من أمره عسرا .. هى أكثر من يعلم رقة حاله وضعف صحته . كلما سألها عن أحوالها تجيبه كل مرة أنها بخير حال وأنها لا تعانى من أية آلام . إلا أنه أدرك أخيرا من هيئتها والعرق الغزير الذى كان يكسو وجهها ويتساقط تباعا على خديها أنها لا تصدقه القول . وأنها تحتال لكى تكتم عنه آلامها وتخبئ شكواها فى صمت نبيل بين ضلوعها ..
لم يحتمل أن يراها على تلك الحال تعانى آلام المخاض وحدها فى صمت وجلد دون معونة من أحد يشد من أزرها ويخفف عنها ما تعانيه . تسلل فى خفة خارج الدار دون أن تشعر به حتى إذا صار خارجها أخذ يهرول لاهثا فى الطريق والظلام الدامس يلف المكان بأستاره الداكنة السوداء باحثا عن إحدى جاراتهم لتكون معها فى تلك اللحظات العصيبة الحرجه تشد من أزرها وتخفف عنها آلامها . لم يجد أمامه إلا دار صاحبه وزميله أبو عبد الرحمن .
أخذ يطرق الباب على استحياء طرقات خفيفة حتى خرج إليه أخيرا يمسك فى يده مصباح ذو فتيل يخرج منه شعاع ضوء خافت . تفرس صاحبه فى وجهه وهو يفرك عينيه . أدرك من ملامحه أن وراءه أمرا مهما . سأله متلهفا وهو يغالب النعاس عما به . أخبره بالأمر وطلب إليه أن يأذن لام عبد الرحمن أن تأتى معه لتكون إلى جوار أم حبيبه فى تلك الساعات العصيبه ..
إستجاب له صديقه فى الحال . دخل إلى الدار وهو ينادى على امرأته التى كانت تغط فى نوم عميق ..
استيقظت أخيرا من نومها .
. طلب إليها وهى تفرك عينيها فى محاولة منها لطرد النوم عنها أن تعد نفسها على عجل للذهاب إلى جارتها أم حبيبه . لم تمض غير لحظات حتى كانت أم عبد الرحمن إلى جوار صاحبتها بعد أن أذن لها صديقه وهو يشد على يديه مهدئا من روعه داعيا الله له أن تقوم امرأته سالمه ..

أخذ الوقت يمضى حثيثا قاسيا عليه كأنما عجلة الزمان توقفت عن سيرها وهو لا يكاد يهدأ فى مكان أو تعى قدماه مكانهما من الأرض . تملكه شعور خفى أن الردهة الضيقة التى يتحرك فيها تضيق من حوله أكثر وأكثر وتزداد ضيقا على ضيقها . وأن حيطان الدار تتقارب وتتقارب حتى تكاد أن تخنقه وتكتم أنفاسه . قادته عيناه إلى النافذة الصغيرة مصدر الهواء الوحيد فى الدار . هرع إليها وهو يتعثر فى خطواته . إرتعشت يداه وهما تقبضان على المزلاج باحثا عن نسمة من الهواء شعر أنه يفتقدها . هبت عليه نسمة من نسمات الليل البارده . أخذ يمسح العرق المتراكم على جبهته رغم برودة الليل . أعاد غلق النافذة مرة ثانية وعاد يروح جيئة وذهابا فى الردهة مرة أخرى إلى أن غلبه التعب وأدركه النوم رغما عنه . إستسلم أخيرا وراح فى سبات عميق مسندا ظهره فى الردهة على باب الغرفة التى ترقد فيها زوجته ..
هب من سباته مرة واحدة وقد تملكه الذعر من صراخ زوجته الذى شق سكون المكان وملأ أذنيه .. ما كادت قدماه تستقران على الأرض وهو يفرك عينيه ذاهلا حتى سادت لحظة صمت عميق تبعها بكاء المولود المتواصل . تسارعت دقات قلبه وتلاحقت أنفاسه وبريق رؤيا زوجته يلمع أمام عينيه والأمانى تتراقص فى نفسه وقد تملكته مشاعر غامرة من الفرح والسرور ..
خر مكانه ساجدا لربه باكيا بكاء الفرح والسرور ولسانه يلهج بالثناء والشكر لمولاه مبتهلا ومتوسلا أن يكون المولود ذكرا يحقق رؤيا زوجته ويكون هو عالم قريش الذى لم يأت بعد والذى تنبأ بمقدمه رسول الله [صلى الله عليه وسلم ] . يجالس العلماء وهو ينهل من علومهم . يبحث عن الحكمه وينشر معارفه بين الناس حاملا لواء السنة ويخط بريشته علوم الأصول ..
لم يمض غير قليل من الزمن حتى جاءته أم عبد الرحمن مهرولة وعلى شفتيها ابتسامة عريضة والفرحة ملئ وجهها وهى تزف إليه البشرى .....
ــ أبشر أيها الجار الطيب جاءك الولد . سبحان الله كأنه قطعة منك ..
رد عليها بصوت متهدج باك .. خرج متقطعا من بين دموعه التى انثالت على خديه رغما عنه .. وهو لا يكاد يصدق ما تسمعه أذناه ....
ــ الحمد لله الذى عوضنى بعد طول انتظار .. وقرٌ به عينى ..
لم يلبث أن سألها متلهفا ...
ــ كيف حال أم حبيبه ؟!.
إبتسمت قائلة ....
ــ بخير حال إن شاء الله ..
ــ هل لى أن أراها الآن ؟!.
ــ لا ليس بعد .. لا تعجل .. إن هى إلا لحظات وتراها .. وتملأ عينيك من ولدك أيضا ..
وبينما هو يتمتم فى سره كلمات الحمد والثناء فوجئ بأم عبد الرحمن تسأله والبسمة لم تزل ملئ شفتيها ...
ــ هل يا ترى اخترت للمولود إسما ؟!.
سرح بخياله قليلا ثم أجابها ...
ــ نعم يا أم عبد الرحمن إخترت له خير الأسماء ..
ــ محمد .. أليس كذلك ؟!.
ــ أجل أجل .. محمد .. محمد بن إدريس .. الجيل التاسع لجدنا العظيم .. المطلب بن عبد مناف .. عم عبد المطلب جد النبى [صلى الله عليه وسلم ] ..
ثم أخذ يتمتم محدثا نفسه : لعله يكون عالم قريش الذى لم يأت بعد ..
نظرت إليه مستفسرة وهى فى عجب من كلامه ثم سألته وهى تهم بالخروج ....
ــ هل من خدمة أخرى أؤديها لكما قبل أن أعود إلى دارى يا أبا محمد ؟!.
ــ شكرا لك أيتها الجارة الطيبه .. بارك الله فيك وفى زوجك وولدك ..
ردت وهى فى طريقها إلى الباب ....
ــ بارك الله لكما فى ولدكما محمد وتصبحون على خير إن شاء الله ..


بضعة شهور مضت على مولد الشافعى والأمور تسير على ذات المنوال . يذهب الرجل إلى عمله فى الثغر وبعد أن تنتهى نوبته يعود إلى داره يمارس أعماله اليدوية الأخرى . وفى أيام راحته من وردية العمل يتوجه إلى السوق حاملا على ظهره ما صنعته يداه ليقوم ببيعه . لم يكن ذلك النتاج إلا قليلا من الحبال وأربطة الكتان مما يحتاجه الصيادون فى الثغر والتى كان يجدلها مستعملا أصابع قدميه ويديه ..
عاش الزوجان فى سعادة ورضا لا شئ يعكر صفو حياتهما بعد أن آنس وحدتهما وغربتهما ذلك المولود الذى ملأ حياتهما بهجة ومرحا وأيامهما فرحة وسعاده . لكن كما يقولون .. بعد صفو الليالى يحدث الكدر . بدأت معاناة إدريس تزداد مع آلام المرض شيئا فشيئا وأخذت ألامه المبرحة تتصاعد وتتقارب يوما عن يوم . لكنه أخذ يتحامل على نفسه وجاهد كثيرا ليكتم آلآمه مجدا فى السعى على الرزق لإطعام الأم ووليدها . والأيام تمضى تترى ومقاومته تضعف وصحته تخور يوما بعد يوم أمام قسوة المرض وضراوته .. حتى صار بعد بضعة أشهر من ميلاد ولده محمد جسدا نحيلا هزيلا أسير الفراش بلا حول ولا قوه ..
وفى ليلة قاتمة شعر أنه صار من الموت قاب قوسين أو أدنى وأن ساعة الرحيل قد قربت . أخذت أنفاسه تضطرب وتتلاحق وهو ينادى بصوت خافت واهن على أم ولده بينما هى راقدة فى سكون إلى جواره ..............
ــ أم حبيبه . أم حبيبه . يا أزديه ؟!.
فتحت فى الحال عينيها وردت فى وجل وإشفاق .........
ــ خيرا أبا محمد . كيف حالك الآن !. هل بك شكوى ؟!.
ــ الحمد لله على كل حال ..
ــ أتريد شيئا . هل أعد لك بعضا من تلك الأعشاب التى تريحك ؟!.
ــ شكرا لك يا أم حبيبه .. لا أريد شيئا من هذا . لكنى ....
توقفت الكلمات على لسانه فاستحثته قائلة ....
ــ إيه يا عمرى .. ماذا بك يا أبا محمد .. تكلم ؟!.
ــ أم حبيبه .. أشعر أن ساعة الرحيل قد دنت .. لألقى وجه ربى إنها النهايه .. أجل النهاية المحتومة التى لا فرار لأحد منها . ليتك تعيرينى سمعك .. ولا تقاطعينى بالله عليك ..
أجابته فزعة وهى تحاول أن تقاوم البكاء ....
ــ النهايه ؟!. ما هذا الذى تقوله يا إدريس .. إنك بخير حال .. سلمك الله من كل سوء وأبقاك لى ولولدك عمرا مديدا .. يا زوجى الحبيب ..
ــ يا أم ولدى ورفيقة عمرى .. إن الموت حق علينا جميعا .. إنه الحق الذى لا مفر منه " وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير " صدق الله العظيم . منذ أيام وأنا أشعر أنى أقترب من النهاية يقينا .. وأن خطى الموت تدنو منى يوما بعد يوم .. وساعة بعد أخرى .. فاسمعى منى وصيتى أيتها الزوجة الوفيه .. وانتبهى جيدا لما أقول .. قبل أن ألقى وجه ربى .. أشعر أنها لحظات قليلة أرحل بعدها عن دار الفناء إلى دار الخلود والبقاء ..
نظرت إليه متسائلة وقد انهمرت من عينيها عبرات غزار احتبس لها صوتها فلم تقدر على الكلام . أكمل إدريس قائلا وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه اللاهثة .. بعد أن شرب قليلا من الماء من قدح إلى جواره ....
ــ أم حبيبه .. بعد أن تودعونى مقرى الأخير .. إذهبى على الفور إلى أسواق غزة وترقبى وصول القوافل القادمة من أرض مكه . فاذا وصلت إحداها .. أطلبى من شيخ القافلة أن يحمل رسالة إلى أبيك عبيد الله الأزدى .. أعلميه فيها بكل شئ .. واطلبى إليه أن يأتى إلى هنا .. كى يعود بكما مرة أخرى إلى مكه .. لا تدخرى جهدا يا أم حبيبه فى إتمام هذا الأمر ..
أخذ فى صعوبة وعناء يلتقط أنفاسه المتسارعة المضطربه .. بينما كفيها تحيط كفيه فى حنان وإشفاق .. ودموعها تتردد بين مآقيها وشفتاها ترتعدان خوفا وإشفاقا وهى ترد باكية واجفه ....
ــ مهلا مهلا .. على رسلك أبا محمد .. إنك بخير .. وستقوم سالما بإذن الله .. صبيحة الغد إن شاء الله أحضر لك الطبيب ..
أسكتها بإشارة من يده قائلا لها مصطنعا
نبرة من الحزم معها ....
ــ إسمعى لى ولا تقاطعينى بالله عليك .. فلم يعد هناك وقت .. إجتهدى فى الرحيل إلى مكه كما طلبت منك .. حتى لا يضيع نسب ولدنا .. أفهمت يا أم حبيبه نسب ولدنا .. وكذلك حقه الذى فرضه رسول الله [
صلى الله عليه وسلم ] لآل البيت فى خمس الغنائم .. الخليفة أبو العباس السفاح .. حاول أن يخرجنا نحن بنوا المطلب منه .. إلا أن جدنا عثمان بن شافع تصدى له .. وأعاده إلينا مرة أخرى .. كما سبق وأخبرتك من قبل ..
ــ لكنه نزر يسير يا أبا محمد .. لا يكفى قوت أيام ولا يستحق أن نكابد أو نعانى من أجله !.
ــ أجل . أجل أعلم ذلك جيدا .. لكنه سهم قرره النبى [
صلى الله عليه وسلم ] لبنى هاشم وبنى المطلب من خيبر .. وقال فى ذلك : " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد " .. ولهذا الشرف وحده نتمسك بهذا السهم .. إن الله قد حرم علينا الصدقة وعوضنا به بدلا منها .. إياك أن تفرطى فى حقنا هذا .. أو تتخلى عنه مهما يكن زهيدا ..
ردت والبكاء يخنق صوتها ....
ــ كما ترى يا أبا محمد .. سأنفذ كل ما أوصيتنى به .. والله شهيد على ..
ما أتمت أم حبيبة كلامها حتى علت شفتى إدريس إبتسامة باهتة .. ثم قال لها وقد بدت أساريره وكأنه ألقى حملا ثقيلا عن كاهله .....
ــ بارك الله فيك يا أزديه .. لى وصية أخيره .. أوصيك بولدنا محمدا .. علميه القرآن مبكرا .. إدفعى به إلى كتاب الشيخ إسماعيل بن قسطنطين الكائن فى ساحة الحرم بمكه .. إن أباك الأزدى يعرفه جيدا .. وهو خير من يحفظه القرآن تلاوة وإملاء ..
ــ سأفعل يا إدريس . سأفعل إن شاء الله ..
إبتسم ابتسامة الرضى وهو يربت على يدها بيمناه ثم قال لها ....
ــ إحرصى على ولدنا يا أم حبيبه .. ضعيه دوما بين عينيك فلسوف يكون له شأن كبير إن شاء الله .. كما أخبرتك من قبل .. وسترين بعينيك عالم قريش وهو يملأ أقطار الدنيا علما . إنه عالم قريش .. أجل عالم قريش ..
راح إدريس فى غيبوبة طويلة .. وهو يردد فى صوت خافت : إن الأئمة من قريش . ظل يرددها مرات ومرات إلى أن أسلم الروح إلى بارئها راضيا مرضيا .. ثم رقد ساكنا تعلو وجهه مسحة من بهاء الايمان وجلاله .. والصمت يخيم أرجاء المكان بينما ولده يرقد فى مهده ساكنا .. لا يدرى عن شيئ مما يجرى حوله ..
أخذت دموع اللوعة والأسى تتحدر على خدى أم حبيبه .. متتابعات كحبات لؤلؤ نقى فى صمت وكبرياء وشموخ .. وبدا المكان فى جلاله وهيبته وكأن ملائكة السماء تبكى معها .. وهى تحاول أن تملأ عينيها الباكيتين منه قبل أن يفارقها إلى مثواه الأخير .. وبعد أن انتهت من تجهيز زوجها الراحل ووارت جسده تراب غزه إلى جوار جده هاشم .. رجعت إلى دارها برفقتها نفر من أهلها الأزديين الذين يسكنون أرض فلسطين وبعض المعارف والجيران من أهل غزه الذين أخذوا فى مواساتها والتخفيف عنها ..

يتبع إن شاء الله ........................
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 10h13
رد مع اقتباس