@ واصل الشافعى أحاديث ولقاءآت قطعها المرض واستحكام العلة وضعف البدن . إتخذ مكانه والتلاميذ ملتفون من حوله يملأون منه عيونا عطشى لرؤيته ,ترنو إليه أبصارهم فى شوق وشغف والفرحة لا تسعهم من عودته إليهم معافا بعد طول غياب لينفحهم نفحات من غيث علمه المنهمر وكلمه الطيب النافع لهم فى دينهم ودنياهم ,زادا تتغذى به أرواحهم وتنشرح به صدورهم وتستنير منه عقولهم ..
لم يلتفت إلى الفتن والقلاقل والدسائس والحروب التى كانت تدور رحاها على مقربة خطوات منه فى دار الولاية بالفسطاط ,بل لم تسمح له نفسه التى كان شغلها الشاغل نشر العلوم وتأصيلها أن يتدخل فى مشاكل الحكم ولو حتى بالرأى ,لكن سمت على خلافات الحكام ونزاعاتهم ..
ولم يكن أيضا يهاب ما يثيره بعض المتشنجين المتعصبين من غبار حوله وهم يتحرشون به مرات وأخرى بالمقربين من تلاميذه ,حتى أن بعضهم تطاول عليه بالسب وسقط القول فعف لسانه عن الرد عليهم ولم يلتفت إليهم ,بل قال لمن حوله يثنيهم عن الرد أو دفع الأذى وقد فاض بهم الكيل ......
ــ أيها الأبناء ما نظر الناس إلى شئ هم دونه إلا بسطوا ألسنتهم فيه ..
ومع ذلك تأتيه الأسئلة من تلاميذه وغيرهم عن شيوخ العراق فيوفيهم حقهم من التكريم والتعظيم مع اختلافه معهم فى كثير من مسائلهم وهو يقول لتلاميذه ...
ــ إنما نحن نجادل الآراء ونناقشها لا أصحاب الآراء ..
ويغضب لدى سماعه ما لا يليق من اللفظ فى حلقته . يسمع تلميذه المزنى وهو محق ينعت أحدهم بالكذب لحديث رواه فيقول له معاتبا .....
ــ تخير اللفظ الحسن يا أبا إسماعيل ..
ــ وكيف أرد على من يروى حديثا ملفقا ينسبه كذبا إلى حضرة النبى "صلى الله عليه وسلم" ؟.
ــ هلا قلت حديثه ليس بشئ ..
لكن تلاميذه لم يقعدوا مكانهم مكتوفوا الأيدى وهم يرون الإهانات تلقى على شيخهم جزافا من أفواه أعماها المرض وسرت فى أجسادهم حمى التعصب . أثارهم أكثر ما أثارهم وأوجعهم صبر شيخهم وحلمه مكتفيا بأن يقول لتلاميذه بعد أن ينصرف هؤلاء السفهاء :
إذا نطق السفيه فلا تجبه .. فخير من إجابته السكوت ..
فإذا سأله أحدهم .....
ــ ولماذا نسكت على الواحد منهم ونحن قادرون بعون من الله على إفحامه وإلقامه حجرا ..
يرد الشيخ فى هدوئه المعهود :
فإن كلمته فرجت عنه .. وإن خليته كمدا يموت ..
لكن الكيل فاض بهم وبلغ السيل الزبى كما يقولون ,أخيرا ذهب منهم وفد إلى والى مصر دون علم شيخهم وشكوا إليه ما يفعله السفهاء به من إيذاء ولدد . سألهم عن رأس الفتنة فيهم والمحرض لهم فقالوا له ....
ــ فتيان بن أبى السمح ..
صاح الوالى فى رجال الحرس .....
ــ إئتونى به هنا فى الحال مكبلا فى الأغلال ..
لم يمض غير قليل حتى قبض عليه الحراس وجاءوا به فى حديده أمام الوالى . سأله عن هذه الدعوى فلم ينكر تهمته . عاد يسأله ....
ــ ما الذى دعاك لهذه الأفعال المنكرة أيها الأحمق ؟.
ــ ما جرؤت على ذلك يا سيدى الوالى إلا بعد أن ضاقت نفوسنا وفاض بنا الكيل وطف الصاع من أفعاله وأقواله التى أفسد بها عقول الناس هنا . لقد دخل بلادنا ورأينا فيها واحد وأمرنا واحد ففرق بيننا بعد أن ألقى بذور الشر وزرع الفتنة والفرقة ..
ــ عن أية فتنة تتحدث يا رجل ؟. هلا بينت قولك وأوضحت لنا كلامك ؟.
ــ إنه يفتى الناس بأشياء ويحدث بينهم أمورا تختلف عما هم عليه ..
سأله الوالى فى غلظة وقد نفد صبره ....
ــ بين كلامك يا ابن أبى السمح ودعك من هذا التعميم فى الكلام والمراوغة . أعطنى البينة على صحة ما تزعم ..
ــ أنا لا أراوغ يا سيدى الوالى وعندى الكثير من الأدلة الدامغة التى تؤيد صدق كلامى . إسأله إن شئت فلن يجرؤ على الإنكار أمامك . إنه يقول بخبر الواحد ويقدمه على القياس الصحيح بل يقدمه على إجماع أهل المدينه ولا يرى إجماع أهل المدينة إجماعا . ويزعم أنه مجرد رأى بعض علمائها دون البعض الآخر ويسخر منهم مدعيا أنه لا يعرفهم ولم يسمع بهم . أيضا أبطل أحكاما كثيرة لإمام المدينة التى إليها كانت الهجره وبها نزل القرآن ويقوم بتلقين الناس وتعليمهم خلافها . مع أن إمامنا وعالمنا الليث بن سعد نزل على قول مالك وأقره على أحكامه والأخذ بإجماع أهل المدينه ..
ــ أما عن مزاعمك هذه فلسوف أذهب للشيخ بنفسى كى أسمع منه . لكنك لابد أن تلقى عقابا يليق بك وبأمثالك من السفهاء الذين يتطاولون على آل بيت رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ..
قال ذلك ونادى على الحراس آمرا ....
ــ خذوا هذا الوغد واجلدوه بالسياط خمسين جلده ثم طوفوا به على بعير فى خطط الفسطاط والجيزه وأمامه مناديا ينادى فى الناس ..... هذا جزاء من تطاول على آل بيت النبـى "صلى الله عليه وسلم" ..
يتبع .. إن شاء الله ...........................
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها