عرض مشاركة واحدة
  #63  
قديم 12/05/2011, 06h40
الصورة الرمزية albujairami
albujairami albujairami غير متصل  
عضو سماعي
رقم العضوية:10654
 
تاريخ التسجيل: December 2006
الجنسية: فلسطينية
الإقامة: الولايات المتحدة
المشاركات: 41
افتراضي رد: يا شعراء المنتدى .. ينفع كده

أول محطة في تطور المضمون في الشعر العربي كانت في العصر العباسي .و لا بد هنا من تبيان أن النص ليس مجرد نسيج لغوي متجرّد عن المحتوى الإجتماعي والإطار التاريخي ، بل إن هذين يوجهان الذات للإجابة على أسئلة الراهن و أسئلة الهوية. وقد أجمع النقاد على أن تغير الموضوعات الشعرية في العصر العباسي كان بسبب التأثيرات الإقتصادية و الثقافية و الإجتماعية و الدينية.و كان أول هذه التغيّرات أن توقـّف الشعراء عن استهلال قصائدهم بالبكاء على الأطلال، إذ كيف لشاعر أن يعيش في مدينة و يستهل متخيـّلا مكانا صحراويا نائيا، ربما لم تره عينه. ومن هنا من يعتبر بقاء بشار بن برد مفتتحا قصيدته بوصف الاطلال يعود الى نشأته نشأة عربية خالصة تكاد تكون بدوية في مظهرها، وتذبذب أبي نواس بين الافتتاح بالأطلال والافتتاح بسواها له أسباب سياسية تكتيكية من قبل الشاعر، فعلى زمن الرشيد استخدم الأطلال تعميةً منه، أما على زمن الأمين فوجد أبو نواس الفرصة سانحة للخروج على المذهب القديم في المدح،فاستهل كلامه قبل البدء بمدح الأمين بإعلان واضح لمذهبه الأدبي بقوله : ياأمير المؤمنين : ان شعراء الملوك قبلي شببوا بالمدر والحجر، والشاء والبقر، والصوف والوبر، فغلظت طباعهم، واستغلقت معانيهم، ولابصر لهم بامتداح خلفائنا، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في الانشاد. فلما أذن له الخليفة بدأ بوصف الخمر مباشرة دون تورية :

ألا دارِها بالماء حتى تلينها

فلن تكرم الصهباء حتى تهينها
و ثاني هذه التغيرات أن التعبير الذاتي الفردي أخذ يتقوى بوضوح وصارت الواقعية منهجا يسير عليه الشعراء في وصف العالم الخارجي. ثم باقي التصنيفات المعروفة كالمجون الذي ارتبط بالمدنية والزندقة التي وفدت من الثقافة الفارسية، والشعر ذي الطابع المذهبي الناشئ من الصراعات الدينية آنذاك، وكذلك أشعار الزهد والوعظ. هذا العالم الشعري الذي فيه من التنوع في المصادر والمرجعيات كما فيه من التنوع في الموضوعات والتعبير الأدبي كان الاطار العام لولادة «انحراف» في نظرية الشعر عند العرب، بعد كل هذا الاختبار، تناقضا وجدلا ونصوصا، وخلق الاطار العام لما يمكن تسميته النقد الأدبي العربي.
من القصيدة المعبرة عن الاستعادة، الى القصيدة المنطلقة من واقع التجربة، ومن الوصف والنقل الى الذات والأنا، ومن موضوعات محددة سائدة الى تنوع لامحدود، ومن محتوى النسيب والهجاء والرثاء والمديح الى التفلسف والتزهد، ومن مبدأ اللياقة الى مبدأ الفكر، ومن مبدأ الصدق الى مبدأ الصوغ، ومن مستوى الشفوي الى مستوى المدوّن، انتقل الشعر العربي الى مكان صناعة الشعرية الجديدة التي ترافقت ذروتها، على وجه التقريب، الى وقت سقوط بغداد.و المرحلة التي تلت سقوط الدولة لم تكن في الغالب الا فترة تصنيف وجمع وتأليف، مع بعض تغير في نظرية الشعر طرأ في الأدب الأندلسي وولادة أشكال جديدة كالموشح والذي كان بدوره استمرارا لرواية الشعر العربي التي ضبطها الجمحي(الضبط بمعنى معرفة النحل وأسبابه، لابمعنى القوانين)، حتى توقف الموشح، الى درجة كبيرة، وعاد الشعر في العصر العثماني الى مرحلة التطبيقات الفنية التي تخلو من المبادرات .
رد مع اقتباس