[M O H A M E D]

الأغنية كتبها برشاقة و خفة ظل نادرة الشاعر مأمون الشناوي ،
الذي كتب لأم كلثوم أيضاً بعيد عنك ، و دارت الأيام ، كل ليلة و كل يوم
مأمون الشناوي علامة مسجلة صعبة التقليد ! و الصعوبة ليست في المعاني التي يكتبها ،
فكل ما كتبه هو و معاصريه من شعراء الأغنية تم إعادة صياغته في معظم ما تم إنتاجه لاحقاً من أغان ،
لكن يظل الأسلوب الخاص مع أصالة الفكرة هي الفيصل بين المبدع الحقيقي و غيره .. و هو العملة التي يصعب تزييفها
و شاعرنا ذو أسلوب خاص جداً ، مبتكر و مخترع في عالم صياغة المعاني !
العجيب أنه يصل للمعنى من أقصر طريق ، من حيث لا تتوقع ! بلا فلسلفة و بدون لف و دوران .. يضع أمامنا المعنى ، بخفة و رشاقة .. بمفردات بسيطة لا تعقيد فيها

و من طرائف كتابات مأمون الشناوي روح الفكاهة التي يوظفها بشكل عفوي في إطار من الجدية !
فمثلاً في أغنية : أنا لك على طول ، يقول :
أنا لك على طول .. خليك ليّ
معادلة رياضية .. أنا لك على طول .. إذاً كن لي ! هذه ليست إلا عملية مقايضة
و بنفس المنطق يستكمل الأغنية :
خد عين مني .. و طل عليا
و خد الاتنين .. و اسأل فيـا

أي أن ثمن ( الطلة ) = عين واحدة
و أن ( السؤال عني ) = زوج من العيون
و البضاعة المباعة لا ترد و لا تستبدل !
أتعجب من قدرة الموسيقار محمد عبد الوهاب على تحويل هذه الكلمات الأقرب للكوميديا إلى واحدة من أشهر الأغنيات العاطفية ! .. و الغريب أن مخرج الفيلم أعاد الأغنية لحالتها الأصلية - الكوميدية - بطريقة تصوريها ضمن أحداث فيلم أيام و ليالي !

و في أغنية " بعيد عنك " :
بعيد عنك حياتي عذاب .. ما تبعدنيش بعيد عنك
معلومة و استنتاج !
و نفس الشئ مع : حلو و كداب .. ليه صدقتك ؟
و لا فيه أبسط من كده !

و أغانيه تزخر بالأسئلة ، يظهر ذلك حتى في أسمائها ..
بيني و بينك إيه ؟ ، أنساك ؟ ، بعد إيه ؟ ، ليه خليتني أحبك ؟ ، كل ده كان ليه ؟ إمتى هتعرف ؟ ، إيه ذنبي إيه ؟

و ( النوم و السهر ) حاضران بقوة في أغانيه كأحد علامات الحب .. و الأمثلة عديدة !
نسيت النوم و أحلامه .. نسيت لياليه و أيامه
ويلك ويلك يا مشتاق .. من طول ليلك و الأشواق
وقابلته نسيت اني خاصمته .. و نسيت الليل اللي سهرته
يا نايمة الليل و انا صاحي
أسهر و انشغل أنا ...
و لا ليلة و لا يوم انا دقت النوم .. أيام بعدك

و كل سمات أسلوب الشاعر موجودة في أغنيتنا اليوم " أنساك " ..
من حيث رشاقة الأسلوب و البساطة و المعاني المبتكرة و الفكاهة .. مثلاً ( أنساك؟ .. يا سلام ) أهي ( يا سلام ) دي من أقوى الإفيهات في أغانيه .. و لا ينافسه إلا ( و ان كنت اقدر احب تاني .. أحبك انت ) .. و الدهشة في ( الإفيه ) تأتي من مدى المفارقة بين حالتين ! .. و كذلك في معنى " واعمل في حبك إيه ؟"

الكلام عن مأمون الشناوي يطول ، و هو و غيره من رواد كتابة الأغنية المصرية يحتاجون للكثير من إلقاء الضوء على إبداعاتهم لربما نعرف قيمتهم و نتعلم منهم !

ننتقل إلى اللحن ، بليغ حمدي في " أنساك " أراه متوازناً هادئاً ، و صاغ لحناً رائعاً جداً يأتي في المرتبة الثانية - من وجهة نظري - بعد لحن " الحب كله " الذي أعتبره أنضج و أحلى ما قدمه بليغ لأم كلثوم .
و تظهر براعة بليغ في تلحين مطلع الأغنية ، الذي كله أسئلة تجمع بين الدهشة و العتاب .." أنساك ؟ دا كلام ؟ أنساك ؟.. يا سلام ! " يا سلام على الموسيقى حين تجيد التعبير !

و يهدينا جملاً موسيقية شجية في " سنين و مرت زي الثواني .. في حبك انت "
و يصل لذروة الإبداع في " ذكريات حبي و حبك ما انساهاش .. هي أيامي اللي قلبي فيها عاش " .. الذي كانت تبدع أم كلثوم في أدائه في الحفلات .. و احنا نستمتع ! و نقول : يا سلام .