رد: الرحابنة عاصي وألياس مسيرة عطاء ومحبة -الجزء الاول
كما اشرت سابقا هذا الجزء الثاني من مسيرة الرحابنة
الجزء الثاني :
ومنذ ذلك الحين, صار المعجبون بأغاني الرحبانيين يزدادون, ومن بين هؤلاء المخرج 'صبري الشريف' و 'محمد الغصيني' اللذين كانا مديرين في إذاعة الشرق الأدنى في قبرص, صبري الشريف جاء خصيصاً إلى بيروت لمقابلتهما, ثم فيما بعد انتقلت المحطة بأكملها من قبرص إلى بيروت. كان هذا بعد أن استقال منصور أيضاً من وظيفته في البوليس, وتابع دراسة الموسيقى مع عاصي وتوفيق الباشا على يد الأستاذ: 'برتران روبيّار' الذي علمهم قواعد الموسيقى الغربية لمدة تسع سنوات. بتعلم الموسيقى الشرقية لمدة خمس سنوات, والموسيقى الغربية لمدة تسع سنوات, أصبح الأخوان رحباني من بين أكثر الموسيقيين اللبنانيين تعلماً للموسيقى.
ومن بين الأشخاص الذين تعرف إليهم عاصي ومنصور في تلك الفترة, 'خليل مكنية' عازف الكمان المعروف, وابن أخته 'توفيق الباشا' , 'زكي ناصيف' معلم الموسيقى وعازف البيانو, وصاحب الصوت الجميل, 'الحاج نقولا المني' , 'حليم الرومي' , 'فليمون وهبة' و'أحمد عسّة' الذي كان مديراً للإذاعة السورية, والذي فتح لهما بابها على مصراعيه.
بانتقال إذاعة الشرق الأدنى من قبرص إلى بيروت, حصل تغيير كبير في مجال عمل الرحبانيين, وأخذت أغانيهما تصل بسرعة إلى آذان المستمعين. ومن بين تلك الأغاني القديمة كانت: جاجات الحب, زورق الحب لنا, يا ساحر العينين, سمراء مها, هل ترى يولا .. وكانت تؤديها أختهما 'سلوى' أو 'نجوى' كما أسمياها, وهكذا حتى جاءت فيروز.
ولدت فيروز عام 1936 لعائلة سريانية الأصل في بيروت في منزل من غرفة واحدة مع غرف أخرى مشتركة مع جيران آخرين .. كان والدها عامل مطبعة كادح يصف الأحرف منحنياً مما سبب له تشوهات في عموده الفقري وكان يدعى ( وديع حداد ) تعرفت فيروز الى عاصي الرحباني في إذاعة الشرق الأدنى وتحاببا طويلاً ثم تزوجا, وكان طبيعياً أن يتخلل حياتهما كثير من الخصام وقليل من الوئام , وكانت ( عتاب) أغنيتها الثانية التي لحنها لها عاصي الرحباني زوجها , إذ كانت هذه الأغنية مرآة للحياة الصعبة بين فيروز وعاصي … وسارت الحياة بين الرحابنة وفيروز بين مدّ وجزر على الصعيد الحياتي بينما كانت مرحلة هامة إشراقاً وغزارة في العطاء الفني , فلقدتم إنجاز كم من الأغاني المتنوعة التي تتحدث عن الأوضاع الاجتماعية
وتنتقدها في مسرحياتها الغنائية ( الشخص -بياع الخواتم- جبل الصوان- ميس الريم- هالة والملك- بترا- سفر برلك) ففي ذلك العطاء الإبداعي الفني الفذ نرى إشعاع الحياة ورونق الدنيا والوطن, في سهوله وهوائه وجباله وسهراته وعلاقاته البسيطة والحبية والأسرية والإنسانية…..فالعذوبة الحلوة تشرق بآهاتها وزفراتها , تستنهض العزائم والإرادة والتحدي , كما نرى أيضاً شفافيتها ورقتها ووجدانها وتفاعلنا معها عند الإنصات لها سواء أكانت أغنية أم مسرحية أم موالاً أم موشحاً..فلقد بلغت الذروة في موشحها (سحرتنا البسمات) من كلمات ( جبران) وألحان ( زكي ناصيف )….
عندما التقى عاصي بفيروز للمرة الأولى, كان هو موظفاً في الإذاعة, وكانت هي مغنية في الكورس في نفس الإذاعة. أما منصور فكان لا يزال شرطياً. حليم الرومي هو الذي قدمهما لبعض. في البداية اعتقد عاصي أن صوت فيروز غير مناسب لأداء الأغاني الغربية, لكنه كان مقنعاً بالنسبة لحليم الرومي, منصور من جهته كان رأيه أن هذا الصوت هو الاختيار الخاطئ لأعمالهما, لكنه اعترف لاحقاً أن كان مخطئاً جداً في رأيه.
بدأ عاصي بكتابة الأغاني لفيروز غير, أنّه استلزم مدّة ثلاث سنوات لإقناع المسؤولين في المحطة بمقدراتها. إذ أنّ الأصوات الرائجة في تلك الفترة كانت أصوات نجوى, حنان وأخريات.
في النهاية, استقال منصور من سلك البوليس, وانضمّ إلى عاصي وفيروز وبدأ المشوار.
هيّأ الرحبانيان لفيروز انطلاقة رحبانية محضة, وخضع صوتها للكثير من التجارب, فقد غنت الألوان الأوروبية الصعبة, ثم الألوان الشرقية الصعبة, مع مختلف الأوركسترات, وكانت دائماً تثبت جدارتها, وتكونت لديها خبرة لم تحصل عليها أية مطربة أخرى.
كان هم الرحبانيان هو خلق موسيقا لبنانية ذات هوية واضحة. لذلك بدأا من الصفر, عادا إلى الفولكلور, إلى الماضي, وأخذا بعض الأغنيات وأعادا توزيعها دون تغيير بالكلام, في مرحلة لاحقة صارا يخلطان الألحان الفولكلورية بعضها ببعض, مثلاً 'أبو الزلف' و 'الدلعونا' مع 'عالماني الماني' في أغنية واحدة مع كلام مع تأليفهما, مما أوقع البعض في الالتباس, حيث ظنوا أن الكلام هو في الأساس قديم, بينما هو رحباني صرف.
تبع ذلك تأليف أغانٍ شعبية, مثل 'عتاب' , 'راجعة' وغيرهما من الطرب الشعبي اللبناني, حيث تشكّلت هويتهما الفنية كموسيقيين لبنانيين بشكل واضح.
فيما بعد أحسا بضرورة أن يكون للبنان موسيقاه الراقصة الخاصة به, وكانت الموسيقا الدارجة وقتها التانغو والجاز والبوليرو والسلو, وغيرها من الألحان الغربية, فصارا يأخذان مقاطع من هذه الموسيقا ويضعان لها كلاماً لبنانياً وتوزيعاً موسيقياً جديداً, دون ادعاء بأنها لهما, بل كانا يقولان أنها مقتبسة ومعرّبة, إلى جانب ذلك وضعا لوناً لبنانياً راقصاً مثل: 'نحنا والقمر جيران' ووضعوا إيقاعات راقصة لأغانٍ فولكلورية مثل: 'يا مايلة عالغصون' و'البنت الشلبية'.
بالنسبة للشعر, بدأا بكتابة القصيدة القصيرة المختصرة, التي لا تتجاوز مدة غنائها بضعة دقائق, مثل 'لملت ذكرى لقاء الأمس' و'سنرجع يوماً', أما بالنسبة للموشحات التي وجدا أنها انقرضت أو كادت, فقد جمعاها وأعادا إحياءها من جديد, وعملا لها توزيعاً موسيقياً جديداً, وزادا على كلماتها, وكان استقبال الناس لها عظيماً, ثم صارا يؤلفان موشحات خاصة بهما.
في عام 1955, بعد أن تزوج عاصي بفيروز, سافروا جميعاً إلى مصر للاطلاع على شؤون الفن هناك, فالتقوا 'أحمد سعيد' مدير إذاعة صوت العرب, وعرضوا عليه تقديم عمل للقضية الفلسطينية, اقترح أحمد سعيد أن يسافر الرحبانيان إلى 'غزة' ليستمعا إلى الموسيقا والشعر هناك, فاعتذرا لخوفهما من ركوب الطائرة. لكن عندما طلبا الاستماع إلى بعض الأغاني المسجلة, وجدا أنها مفعمة بالبكاء والنواح 'يا من يرد لنا أرضنا' .. فعرضا على أحمد سعيد أن يقدما شيئاً بطريقتهما الخاصة, وقدما وقتها غنائية 'راجعون'.
وفيما بعد وضع الأخوان رحباني مجموعة من الأغنيات عن القضية الفلسطينية مثل: 'سنرجع يوماً' و 'زهرة المدائن'.
في عام 1956, اضطرت إذاعة الشرق الأدنى إلى التوقف عن البث, بعد أن قاطعها الكثير من الموسيقيين, بمن فيهم الأخوين رحباني, استنكاراً لمواقفها السياسية.
عندما بدأت مهرجانات بعلبك في لبنان, كان منظموها يستعينون بفرق أجنبية من مختلف أنحاء العالم, ولكن ابتداءً من العام 1957 ولدت الحاجة إلى تقديم فن لبناني في هذه المهرجانات, فكان الرحابنة أول من استدعي. أوكلت إليهم مهمة التلحين فقط في البداية, لكن عاصي أصر على استلام المهرجان كله. كانت اللجنة المنظمة ضد أن تكون فيروز هي المطربة, لكن عاصي أصر على موقفه, وقال للجنة أنهم لا يعرفون فيروز, وأنها ستغني شيئاً مختلفاً عن المتوقع, كما عرض أن تتقاضى فيروز ليرة لبنانية واحدة فقط, وهكذا كان.
في ليلة الافتتاح, عمد المخرج 'صبري الشريف' إلى وضع فيروز على قاعدة عمود, وسلّط عليها الأضواء من أسفل العمود ومن زوايا مختلفة, فظهرت وكأنها تسبح في الفضاء, عندما بدأت تغني: 'لبنان يا أخضر حلو' , كان هذا المشهد صاعقاً للجمهور, الذي اشتعل له تصفيقاً في موجة بين التأثر والبكاء والغبطة. قدمت الحفلة لليلتين فقط كما كان مقرراً, في كل ليلة كان هناك حوالي خمسة آلف مشاهد, وكان بينهم الرئيس 'كميل شمعون'.
لكن المهرجانات ألغيت في السنة التالية, بسبب الأحداث التي شهدها لبنان في تلك السنة, في العام 1979 عاد المهرجان, وقدم الرحبانيان 'المحاكمة' من بطولة فيروز ووديع الصافي.
بشّر العام 1960 بولادة عصر جديد في مسيرة الرحبانيان, حيث بدأا بتقديم المسرحيات في بعلبك ومناطق أخرى, بدءاً من 'موسم العز' بالاشتراك مع 'صباح' و 'وديع الصافي' و 'نصري شمس الدين' , ثم 'البعلبكية' عام 1961.
وبعد أن قدمت 'جسر القمر' في بعلبك ودمشق عام 1962, عرضت 'عودة العسكر' على مسرح سينما 'كابيتول', بعدها بعام شهد مسرح 'كازينو لبنان' مسرحية 'الليل والقنديل'.
|