عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 07/10/2010, 01h54
الصورة الرمزية abuzahda
abuzahda abuzahda غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:102176
 
تاريخ التسجيل: November 2007
الجنسية: مصرية
الإقامة: كندا - تورونتو
المشاركات: 1,212
افتراضي رد: ما لا يعود.. إلى الكريمتين ناهد البن وعفاف سليمان

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الحميد سليمان مشاهدة المشاركة
ما لن يعود










جلا جلا جلا جله........تعالى عندى يا وله



إن كنت كالحاوى البطل.... افهم وحل المسأله




..... بدا ابن سنواته السبع مبهورا مسحورا حينما تناهت إلى سمعه تلك الكلمات بصوت جهورى واثق, حينها أبصر جمعا كبيرا يتحلقون حول ذلك الحاوى البطل فاندفع ملهوفا إلى رؤيته ولم يجد له سبيلا إلى ذلك سوى اختراق الأرجل المتلاحمة تدوسه هذه وتدفعه تلك, إلى أن اطمأن به مكانه وأبصرته عيناه وهو يتفرس النظارة ويهزأ بذكائهم ويلعب بعقولهم وقلوبهم وبأجسامهم بألعاب سحرية عجيبة ,كان لذلك وقعه العجيب فى نفس الطفل الصغير,وفعل به ما فعله بالكبار المتحلقين المشدوهين, ممن جحظت عيونهم واكفهرت وجوههم ثم انبسطت وسعدت حين رأت أبناء ذلك الحاوي وهم يطفئون النار المتقدة فى أفواههم ثم يقفزون من دوائر حديدية تحيطها وتخترمها نيران حامية, فيعبرونها بانسيابية عجيبة جريئة هازئة ,هال ذلك تلك الوجوه وراعها وأسقط فى أياديها ثم بهرها وأدهشها فصفقت تصفيقا طويلا وتعالت صيحات تكبيرها وتهليلها , وحين شدت بنات ذلك الحاوى ونسائه بأغانيهن الجميلة وموسيقاهن الرائعة البسيطة عاين ابن السادسة وتسّمع لما لم تره عيناه ولم تسمعه أذناه من قبل من عذوبة الصوت وبساطة الإيقاع , وطاب ذلك لنفسه الصغيرة المكلومة التى لم تستسغ من قبل غناء الغوازى الذى تكلؤه ضحكات ماجنات وانثناءات وقحات غاويات, وأوصد ذلك قلبه فصرفه عن تتبعهن فى حوارى قريته وأزقتها وشوارعها,ولم يكن ما تقحم أذنه من أغانى الشحاذين المتوسلة المنذرة المذكرة بالحسنات اللواتى يذهبن السيئات,بأحسن حظا فى قلبه ونفسه, لقد استثقل لزومهم الأبواب فلا يبرحونها حتى تفّتح لهم, ويلقى أهلها لهم بعضا من خبز أو حبوب ربما كانوا أحوج إليها منهم ,فما أن يتلقفوها حتى يذروا تلك الأبواب والدور داعين متزلفين بدعوات لا تكاد تتعدى أطراف ألسنتهم, ثم يبرحون إلى حيث يدلفون إلى دروب ووجوه أخرى لا توصد فى وجوههم على مسغبة أهلها ورقة حالهم, في تردادهم اليومي الذى لا يكلون عنه ولا يسأمونه.




... مثل أولئك كان المواوية الذين كانوا يبدعون بعضا من أزجالهم ونظمهم, يمتدحون بهم من تحسسوا غناه وسعة حاله من أثرياء تلك القرية يبوح لهم بأخباره فقراؤها والقواعد من نسائها على المصاطب فيستنطقونهن باسمه واسم آبائه وأجداده ومناقبهم, وتنتعش آمال المواوية فى نوال بعض من عطاياه, أولئك ما كانوا يلجون حارات الفقراء إلا لتقصى أنباء أولى المقدرة والثراء وسعة الحال ثم يعرفون طريقهم إلى بيوتهم التى نأت بأهلها غير بعيد من بيوت الأجراء والشغيلة ومن يفلحون أراضى هؤلاء الأثرياء ,وهناك يسرف المواوية فى حشد مكرماتهم وإحصاء فضائلهم ويسرفون فى كيل المدائح وتقريظ جودهم وحث كرمهم إلى أن ينتشي أولئك الأثرياء بما يسمعون فيعطونهم من المال ما يصرفهم أو ما يرضيهم, وقد لا يعير بعض من تمكن منه شحه وتوسد فى مستقر نفسه ومكنونات قلبه ,أصيل ضنه ولؤم نفسه فيستطيب مدائحهم وتقريظهم ويهز رأسه رضا وتصديقا فإذا ما انتهى المواوى وأزفت ساعة البذل والعطاء ,غلبه ضن وصرعت أريحيته فقطب وجهه وتغيرت ملامحه وتشيطنت قسماته عندها يقنع المواوى من الغنيمة بالإياب .



... بهت وقع ذلك كله على نفس ابن السابعة على طرافته وإبهاره وانزوى, عندما رفع الحاوى دجاجة وطاف بها على النظارة وأمرها أن تبيض ثم دعاهم إلى البحث عن بيضتها فلما عجزوا وكادوا يرتابون فيه ويظنون به الزيف والكذب وتلمظت أفواههم وتهيأت أكفهم , أخرجها من جيب رجل مشدوه فاغر فاهه.




...أنست غرابة ذلك وروعته هذا الصبى عميق آلامه وأحزانه وحرقة يتمه وصرفت نفسه عما هالها فى طريقه حين غادر حارته إلى حيث ألقت به قدماه مرورا بحارات وأزقة ودروب ذات أهوال وخطوب, تضج بصبية متلمظين متأهبين متأبطين شرورا وأهوالا جساما,يترقبون كل صبى أو صغير غريب عنهم حين ولوجه لحاراتهم فيتقحمونه بعيون الشر والكيد ولا يرعوون عن ضربه وإهانته إن أمنوا لومة اللائم أو غضبه النصير الحامى, لكن ذلك الحاوى بكل ألاعيبه وحيله ورائع أغانيه وشائق عروضه وتدافع الجم الغفير من الرجال والنساء والأطفال المتحلقين حوله, الباذلين بعضا من شحيح نقودهم أو قليلا من قمحهم أو أرزهم أو أذرتهم,كل ذلك لم ينس ابن السابعة أو يصرفه إلا هنيهة عن رحلته التي كادت تكون ناموسا يوميا وحدثا آسرا ملحاحا يترقب قدومه من عشية ليله إلى أن يتأهب لبدئه في رابعة نهاره.




... هى إذا رحلته اليومية التى باتت سحابة أمله فى صحراء يتمه اللامنتهية, يلوذ بها فتسوقه مخترما تلك الحارات والدروب البائسات اللواتى تضم أشباها له وأترابا من اليتامى والضعاف الصغار غير أولى القدرة عن الذود عن أنفسهم , ذلك أن سنى عمرهم الصغيرة لم تتح لهم إتقان مهارات القتال وقذف الحجارة ولم تعتد بعد سطوة اللسان وحدته فمازالت قواميس لغاتهم ضنينة عاجزة, مثلما تضم مردة وشياطين من الأطفال الذين اعتبروا أن عبور صبية من الغرباء لتلك الحارات بغير ضرب وإيذاء لهم أو سب أو سلب, لون من التقاعس والتخاذل والنكوص الذى يتلاومون فيه, وفيهم من دعاه إلى ذلك داع الانتقام مما أصابه في ترحاله إلى غير حارته أو جراء إغارة شنها صبية من حارة أخرى عليه وعلى رفقائه فى ليلة من ليالى الأمس القريب, وعلى ذلك كانوا ينفثون فى الأطفال الغرباء المارين بدورهم وأزقتهم نار غلهم ومكبوت غيظهم .




.... أنهى الحاوى البطل عروضه الشيقة ودارت حسناء من بناته على الحاضرين ترفع إناء فارغا وتستحث الناس باللمزة والكلمة والغمزة والضحكة والمدح والثناء فيبذلون بعضا من شحيح ما يملكون من القروش والملاليم وتحمل بعض النساء اللواتى أطللن على تلك العروض وسعدن بها من على سطوح منازلهن أو من على مصاطبها بعضا من خبز أو حبوب,أما ابن السادسة فقد قادته مستكناته وشجونه إلى غايته التي لا تفارقه ومسعاه الذى يدأب إليه بغير كلل ولا ملل.




.... كان ابن السابعة قد دهته داهية يتمه حين ماتت أمه منذ بضعة شهور خلت على حين غفلة فأقفرت جنة أيامه وغاضت ينابيعها, وأفلت شمس طفولته وصرعه ألمه فلا يكاد يصدق غياب أمه التي لم تذوى حرارة احتضانها من بدنه ,وذهل حينما وجد الأمهات ما برحن ينتظرن عودة أطفالهن إلى بيوتهن حينما تغيب الشمس فيأوي أولئك الأطفال إليها مثلما تأوي الطيور إلى أعشاشها, ول تكاد كل أم أن تهدأ حتى يعود ابنها ويتحلق معها ومع أخوته حول الطبلية مترقبا قدوم أبيه عائدا من حقله ومنتهيا بحماره وماشيته إلى حظائرها ,ثم يشرعون في التهام طعام قد أذاع الابن نبأه وأعلم كل ترب ورفيق لهو ولعب نوعه وكنهه.




.... فقد ابن السابعة تلك الروعة على حين غرة لم تخطر له على بال, فأمه كانت لا تزال فى عشرينيات عمرها وأوج نضارتها وحيويتها وروعة أيامها وكأنها كانت تدرك ما تخبؤه الأيام لها ولأطفالها فكانت تفيض من حنانها وحدبها واهتمامها بهم بما لا نظير له,وكانت لأطفالها الذين تقدمهم ابن السابعة سنا نهرا لا يجف وعينا لا تغيض من الحنو والرحمة والرأفة والعناية فلا تهدأ حتى يعود طفلها إلى حضنها فتقبله وترتوى منه وكأن ظمأ الدنيا كله قد أوغل فيها حتى لتكاد تلقم خده فى فمها فلا تسامه أو تشبع منه ,ثم تهرع إلى ماء أعدته دافئا لطيفا غير موجع فتزيل به وعثاء لهوه ولعبه في أزقة ائتلف ترابها إلى غائط حيواناتها وطيورها فنال ذلك وأوغل في رداء الصبي ووجه, كانت الأم لا تدخر جهدا ولا تتعذر بعذر عن ذلك الطقس اليومي , فلا يصرفها عنه أمر ولو كان جللا مفاجئا هاما ومهما ,حتى أُخذ عليها الآخذون إسرافها في ذلك ونبهها إليه زوجها ولدًاتِها دون أن تأبه أو تكترث وكأنها قد أدركت أن أيام عمرها باتت معدودةً وأن شمس شبابها قد أوشكت على الأفول فأرادت أن تشحن أطفالها بما قد يتزودون به من الحنو والرحمة والعطف لأيامهم السود القادمات ولياليهم الطوال القاتمات.




... مرت أيام سود على ابن السابعة وتلظت نفسه الصغيرة البريئة المكلومة حينما كانت الأمهات ينتظر عودة أطفالهن عند غروب الشمس وتهرولن فى ذعر وهول حين يصرخ أحدهم باكيا أو شاكيا أو خائفا, كان ابن السابعة ينظر ذلك فتشتعل نار لوعته ويتلظى بيتمه ووحدته فيرمق ذلك غير بعيد حزينا كسيرا لا يعبأ بأ حد ولا يعبأ به أحد ثم يميل إلى حيث لا يراه راءٍ ولا يبصره بصير وتسيل دموعه فيضا غزيرا لا يكاد يتوقف,ثم يذهب إلى حيث نومه فيبيت كليما محسورا مقهورا غريبا,ولا يكاد يوم يمر دون أن يترك بصمات ألمه على ذلك الطفل اليتيم الكليم الذى بات يعلل نفسه وتعده أحلامه الغافلة البريئة الساذجة في لياليه السود الباردات الكئيبات بعودة أمه ,جنته الضائعة وفردوسه المفقود, وتأنس نفسه البائسة إلى ذلك فيتعزى به ويعللها بفسحة من الأمل فى عودة ما لن يعود.




...تواترت الأيام وظل ابن السابعة على حاله فذوت نضارته وتبدلت ملامحه وتغيرت أحواله فلم يعد ذلك الصبي الذي كانت النسوة يتندرن بجمال خلقته وروعة قسماته, وكلح وجهه وتراكمت عليه وعلى ملابسه الأتربة فغدا بياضها سوادا وبهاؤها وطراوتها غلظة وقتامة تاركة بصماتها على رقبة الصبى وعلى أطرافه بعد أن فعلت فعلها في نفسه وقلبه.




.... استفحل أمر ذلك الصبي وعظم خطر حاله وضاقت عليه الأرض بما رحبت إلى أن آنست نفسه المكلومة إلى ضرورة تفقد أمه الراحلة في أماكن كانت عامرة بحيويتها وضحكاتها الصافيات وأحاديثها مع صويحباتها وتملكه يقين أن سوف يجدها مثلما رآها من ذي قبل في تلك الأماكن وألح ذلك الخاطر عليه وشعشعت في نفسه الآمال فلم يدخر جهدا ولم يقعد به ضعف ولا شحوب ولاهذال وأرفده ذلك الخاطر بقوة وعزيمة وعافية فلم يترك مكانا إلا تفقدها فيه ولم يترك صاحبة لها إلا وتتبعها علها تقوده دون أن تدرى إلى حيث حضن أمه المفقود.




... ظل على تلك الحال يتحسس القلوب ويتصفح الوجوه والأماكن إلى أن لمح على البعد قامة أمه وهامتها لكنها كانت تسير إلى بيت غير بيتها ويلتقيها أطفال لا يعرفهم في حارة لم يدخلها من قبل فهرع إليها ابن السابعة لكنها كانت قد دخلت إلى بيتها فذهل حين غابت داخل هذا البيت ولم تأبه به وظن بها الغفلة عنه فلبث ينتظر أوبتها حتى غابت الشمس وجن الليل وأقفرت الطرقات والدروب فعاد كسيرا حزينا إلا أن فسحة أمله جعلته يهرع في رابعة نهار غده إلى حيث هذه الدار التي غابت فيها أمه أو من يظنها أمه فظل قابعا في ركن قصى لا يعتاده أحد دون أن تغفل عيناه وأن أثقلها النوم أنعشها الحلم وظل يدأب دأبه هذا كل يوم مخترقا إلى ذلك البيت الحارات والأزقة ,لا يصرفه عن غايته صارف ولا يشغله شاغل في انتظار لعودة مالا يعود.




الأستاذ الدكتور عبد الحميد سليمان





الدمام - عشية السادس والعشرين من شوال1431هـ/ الرابع من أكتوبر 2010م.
أستاذنا ، الأديب الجليل
الأستاذ الدكتور عبد الحميد سليمان
بقدر سعادتي بشَرفِ قراءةِ "ما لن يعود" ، أنحني ...
إنحناءَة ً تليقُ بعلوِّ كعبكم على دروب الأدب ،
كلياقتها بسِمُو ِ مقامِ "الكريمتين ، مدام ناهد و الست عفاف"
،
تلك السعادةُ التي تغمرني بتـَشَرُّفِي بالمرورِ على مُتصفحكم ، سيّدي
يُمارِسُنِي الشَرفُ ، فأمارس الفـَرَحَ بالقراءةِ كفَرَحِي بالكتابة
،
لا يُرهقني طولُ عبارتك ، لتواثُبِ الألفاظِ فيها ،
حتى أنني خِلتكم تقتصدون في علاماتِ الترقيم (!!) ،

بينما ما تنحتونه من طمي اللغةِ يبعثُ في النفسِ جرْساً لصَلصةِ الفخَّار
( فـ وتلمظت ، و إن كانت شائعة ، فإن فيتقحمونه ، نُحِتت بإزميلٍ نوراني ، لا تعرفهُ مواوية الأدب )

،

يا سيّدي ...
كلما أردتُ أن أطهّرَ أذني ، ركنتها إلى فيروز ،
أعدُّ الفراشات التي يعتقها صوتُ فيروز
،
هكذا حالي الآن ، لأني أقرأ لك ،
فالأدبُ الذي يصنعهُ مُخلصُوه ، هو مُعادلي القِرائي لصوت الست فيروز

كأن الفن يرُدُّ إخلاصَهُم ، له ، كَشفاً لهم عن أسرارِهِ

و الفنُ لا يُحِبُّ الأدعياء ، كما بعلمكم ، سيّدي

،
،

تمثلتُ إبن السابعة ، لأهديكم من إبنِ سابعتي

كلاماً كنت قلته لابن سابعةٍ آخر


يتيمان

أنا برضو يتيم زيّك ،
وكان لي أم محلاها
إذا تضحك...
تجيب الشمس لضحاها
واذا تنطق ، ولو، آهه
تشوف اللولي مترصص


وعطر الفل مستخلص
بيتزايد ، مايسْتنقـَص ...
ويُشرق من محياها


أنا زيك...
غادرنى الفرح من يومها
وكان خيري...
يجيني من على قدومها
فاتت لي حياتي و همومها
وعيشة المُرّ باحياها


كانت حلوه...
وطباع الحسن شملاها
تقوم ، تنبت زهور الدنيا ويَّاها
واذا تمشي ،
طيور الدنيا تصحبها
واذا تجلس ،
يقيد البدر من بابها
ولو تدعي ،
يزيد الخير على احبابها
ولو تِتعَب ،
بتدبل وردتي معاها


ولما البَرد يطويني ...
تدفيني كبُردة صوف
وتعرف دربها لقلبي ،
تلف.... تطوف
وتكشف كل أوجاعي ،
وتستر جرحها المكشوف
،
ورحمة أمي ياعمي... و ضيْ العين
أنا بانساني بالشهرين ....
وعمري ف لحظة ما انساها


__________________
أستغفِرُ الله العظيم وهو التوّاب الرحيم
رد مع اقتباس