عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 05/09/2010, 07h45
الباشاقمرزمان
Guest
رقم العضوية:
 
المشاركات: n/a
افتراضي

مُضْنــــاك

أحمد شوقي

مُضْنــــاك جفـــاهُ مَرْقَـــدُه
وبَكــــاه ورَحَّــــمَ عُـــوَّدُهُ
حــــيرانُ القلــــبِ مُعَذَّبُـــهُ
مَقْــــروحُ الجَـــفْنِ مُســـهَّدُهُ
أَودَى حَرَقًـــــا إِلا رَمَقًـــــا
يُبقيــــه عليـــك وتُنْفِــــدُهُ
يســـتهوي الـــوُرْقَ تأَوُّهــه
ويُــــذيب الصَّخْـــرَ تَنهُّـــدُهُ
ويُنــــاجي النجـــمَ ويُتعبُـــه
ويُقيــــم الليــــلَ ويُقْعِـــدهُ
ويُعلّــــم كــــلَّ مُطَوَّقَــــةٍ
شَـــجَنًا فــي الــدَّوحِ تُــرَدِّدهُ
كــممــدّ لِطَيْفِــكَ مــن شَـرَكٍ
وتــــــأَدَّب لا يتصيَّـــــدهُ
فعســـاك بغُمْـــضٍ مُســـعِفهُ
ولعــــلّ خيــــالَك مُســـعِدهُ
الحســـنُ، حَـــلَفْتُ بيُوسُـــفِهِ
(والسُّورَةِ) إِنـــــك مُفــــرَدهُ
قــــد وَدَّ جمـــالَك أَو قَبَسًـــا
حــــوراءُ الخُـــلْدِ وأَمْـــرَدُهُ
وتمنَّــــت كــــلُّ مُقطِّعـــةٍ
يَدَهـــا لـــو تُبْعَــثُ تَشــهدُهُ
جَحَــدَتْ عَيْنَــاك زَكِــيَّ دَمِــي
أَكــــذلك خـــدُّك يَجْحَـــدُهُ؟
قـــدعــزَّ شُــهودِي إِذ رمَتــا
فأَشَــــرْتُ لخـــدِّك أُشْـــهِدُهُ
وهَممـــتُ بجـــيدِك أَشــرِكُه
فـــأَبَى، واســـتكبر أَصْيَــدُهُ
وهـــزَزْتُ قَـــوَامَك أَعْطِفـــهُ
فـنَب، وتمنَّــــع أَمْلَــــدُهُ
ســــببٌ لرِضـــاك أُمَهِّـــدُه
مـــابــالُ الخــصْرِ يُعَقِّــدُهُ؟
بينــي فــي الحــبِّ وبينـكَ مـا
لايقـــــدرُ واشٍ يُفسِـــــدُهُ
مــابــالُ العــازل يفتــحُ لـي
بــــابَ الســـلوانِ وأوصِــدُهُ
ويقـــولُ تكـــادُ تُجَــنُّ بــهِ
فــــأقولُ وأُوشـــكُ أعْبـــدُهُ
مـــولايَ وروحــي فــي يــده
قـــدضيّعهـــا ســلِمَتْ يــدُهُ
نـــاقوسُ القلـــبِ يُــدقُّ لـهُ
وحنايــــا الأضلِـــع معْبـــدُهُ
قســـمًا بثنايــــا لؤلؤِهــــا
قسَــــمُ اليـــاقوتِ مُنَضَّـــدُهُ
ورضـــابٍ يُوعَـــدُ كوْثـــرُه
مقتُـــولُ العشـــقِ ومُشْـــهَدُهُ
وبخـــالٍ كـــاد يُحَـــجُّ لــهُ
لـــوكـــان يُقبَّـــل أسْــودُهُ
وقـــوامٍ يَــرْوي الغصــنُ لــهُ
نَسَــــبًا والــــرمح يُفَنّـــدُهُ
وبخــصْرٍ أوْهــنُ مــن جَــلَدي
وعــــوادي الهجْـــرِ تبـــدِّدُهُ
مــاخُــنْتُ هــواكِ ولا خَـطَرَتْ
ســــلوى بـــالقلبِ تُـــبرِّدُهُ

التفسير والبيان

مُضْنــــاك جفـــاهُ مَرْقَـــدُه
وبَكــــاه ورَحَّــــمَ عُـــوَّدُهُ
يضن : يبخل ويشح ويقطر....... والضنين : من هو قليل العطاء حتى التقطير
الشاعر يخاطب حبيبته ويلقي باللوم عليها التي بخلت عليه أيما بخل بالحب والوصال حتى صار من شدة الوجد والفكر لا ينام فأصبح عليلا سقيما سليلا يشارف على الموت ويحتضر فبكاه كل من زاره في مرضه من هول ما رأوه وترحموا عليه......

حــــيرانُ القلــــبِ مُعَذَّبُـــهُ
مَقْــــروحُ الجَـــفْنِ مُســـهَّدُهُ

ويصف الشاعر حالته فقلبه حيران وجفونه ملأتها القروح من بكاء والسهر وعدم النوم


أَودَى حَرَقًـــــا إِلا رَمَقًـــــا

يُبقيــــه عليـــك وتُنْفِــــدُهُ

فأحرقه لهيب الشوق وقضى عليه واوشك على الهلاك والضياع إلا بصيص أمل مرهون ومرتبط بك وكأنه يريد أن يقول لها لا استطيع الحياة بدونك

يســـتهوي الـــوُرْقَ تأَوُّهــه
يُــــذيب الصَّخْـــرَ تَنهُّـــدُهُ
الورق هنا بضم الواو بمعنى ورق الشجر و الأورَق نوع من الابل لحمه طيب كما يقال للرماد أوْرَقُ وللحمامة والذئبة وَرْقَاَءٌ .
والمعنى أوراق الشجر يستهويها سماع آهاته وزفراته ويذوب الصخر من شدة لفح حرارة تنهداته

ويُنــــاجي النجـــمَ ويُتعبُـــه
ويُقيــــم الليــــلَ ويُقْعِـــدهُ
وحيث انه لا ينام الليل ولا يجد سميرا غير النجوم يناجيها حتى كَلَّت منه ويسهر الليل حيران بلا هدف

ويُعلّــــم كــــلَّ مُطَوَّقَــــةٍ
شَـــجَنًا فــي الــدَّوحِ تُــرَدِّدهُ
ومن شدة حزنه ونواحه فالمنوحات ( النساء اللاتي ينوحن على الميت ) تعلمن منه الحزن وترانيم النواح يرددونه في القرى والضياع. ( الدوح جمع دوحة وهي الأرض كثيرة الشجر وارف الظلال وهنا كناية عن القرى والحضر )

كــممــدّ لِطَيْفِــكَ مــن شَـرَكٍ
وتــــــأَدَّب لا يتصيَّـــــدهُ
وكم أعد لطيفها من شرك حتى لا يفارقه وتأدبا منه لا يتصيده...... وهو هنا يتمنى أن يرى طيف حبيبته وأن لا يفارقه ليسعد ويهنأ ولكنه لا يمكنه ذلك خوفا على حبيبته . .

فعســـاك بغُمْـــضٍ مُســـعِفهُ
ولعــــلّ خيــــالَك مُســـعِدهُ
فلعلك تسعديه بطيفك ولعل في ذلك يكون سعده فيهدأ وينام قرير العين

الحســـنُ، حَـــلَفْتُ بيُوسُـــفِهِ
(والسُّورَةِ) إِنـــــك مُفــــرَدهُ
وهنا يقسم الشاعر بحسن نبي الله يوسف عليه السلام كما ورد في القرآن بأن حبيبته في جمالها فريدة ويقصد الشاعر هنا كما أن يوسف عليه السلام فريد في الجمال فحبيبته فريدة في الجمال ............

قــــد وَدَّ جمـــالَك أَو قَبَسًـــا
حــــوراءُ الخُـــلْدِ وأَمْـــرَدُهُ

وهنا يشطح الشاعر في وصف حبيبته حين يقول أن الحور العين قد تمنوا أن يكونوا في جمالك وغلمان الجنة أرادوا النذر اليسير منه ........
وغصن أَمْرَدٌ : أي لا ورق فيه .... فرس أَمْرَدٌ: أي لا شعر على ثُنَّتِهِ ويقال غلام أَمْرَدٌ ولا يقال جارية مَرْدَاءُ . ( تاج اللغة الصحاح – ألفاظ للجوهري)

وتمنَّــــت كــــلُّ مُقطِّعـــةٍ
يَدَهـــا لـــو تُبْعَــثُ تَشــهدُهُ
ويستمر الشاعر في خياله ووصف جمال محبوبته بأن النساء اللاتي شهدن يوسف عليه السلام وقطعت أيديهم حينما بهرهم حسن يوسف سلام الله عليه يتمنين أن يشهدوا جمالك وحسن قدك وبهاءك ........ لاحظ أن الشاعر ما زال مستمر على أنها أجمل إمرأة بين نساء الخلق كما هو يوسف عليه السلام أكثر الرجال حسناَ

جَحَــدَتْ عَيْنَــاك زَكِــيَّ دَمِــي
أَكــــذلك خـــدُّك يَجْحَـــدُهُ؟
هنا يبدأ الشاعر في معاتبة الحبيبة التي غدرت به قائلا: أنكرت عيناك دمي المهدور من سهام حبك وجمالك...... ولماذا فعلت ذلك؟ فهل أنكر خدك دمي كذلك؟ استفهام استنكاري

قـــدعــزَّ شُــهودِي إِذ رمَتــا
فأَشَــــرْتُ لخـــدِّك أُشْـــهِدُهُ
مازال مستمرا في عتاب الحبيبة فقد عز عليه الشهود ( ويقصد هنا عينيها) الذي أنكروه وصمتوا وسكنوا عن الشهادة فأشار إلى خدها ليشهده على جفاء حبيبته

وهَممـــتُ بجـــيدِك أَشــرِكُه
فـــأَبَى، واســـتكبر أَصْيَــدُهُ
لكن خدها أنكره فهم الشاعر بحبيبته يمسكها من خصرها فما وجد استجابة وتملصت منه ... واستكبر ان أصيده كناية عن تملصها منه ورفضها له

وهـــزَزْتُ قَـــوَامَك أَعْطِفـــهُ
فـنَب، وتمنَّــــع أَمْلَــــدُهُ
ويستمر الحبيب في محاولاته مع الحبيبة فيمسكها من كتفيها ويهزها لعل هذا يخرجها من حالة الجفاء ولكن هيهات فلم يستجب حتى اللين من قوامها لم يتحرك ...... وهذا تصوير رائع من الشاعر يبين مدى جفاء الحبيبة معه وتنكرها له.
مَلدَ : الغصن .... مَلْدَّاً: اهتز ولاَن .....فهو أمْلَدٌ ....وهى مَلْدَاءٌ ...... الأَمْلَدٌ : هو اللين من الناس .... ومن الغصون (المعجم الوجيز)

ســــببٌ لرِضـــاك أُمَهِّـــدُه


مـــابــالُ الخــصْرِ يُعَقِّــدُهُ؟


وهنا مازال المحب يسترضي المحبوبة ويقول انه يحاول يسترضيها عندما امسك بخصرها فلماذا يعقد الخصر الأمر...... وفي الحقيقة هو يقول لمحبوبته أني استرضيكي واستعطفك فما بالك أيتها المحبوبة تعقدين الأمر.

بينــي فــي الحــبِّ وبينـكَ مـا
لايقـــــدرُ واشٍ يُفسِـــــدُهُ

فإن ما بيني وبينك من الحب لا يستطيع واش أو كاذب أن يفسده أو ينال منه ..... وهذا يعد دليل من الشاعر على مدى قوة حبهما .

مــابــالُ العــازل يفتــحُ لـي
بــــابَ الســـلوانِ وأوصِــدُهُ

والعازول يمهد له سبل النسيان حتى لا يتعذب لكنه يأبى النسيان ويتعذب في سبيل حبها

ويقـــولُ تكـــادُ تُجَــنُّ بــهِ
فــــأقولُ وأُوشـــكُ أعْبـــدُهُ
فيقول العوازل والحساد له أنك مجنون بحبها فيرد عليهم حتى يوقف محاولاتهم بل أكاد أن أعبدها

مـــولايَ وروحــي فــي يــده
قـــد ضيّعهـــا ســلِمَتْ يــدُهُ

وما زال يرد على العوازل : فهي مولاي وانأ عبد لديها فهي تملكني وتملك روحي بيديها فإن ضيعتها فتسلم يديها ...... وهذا يبين مدى حبه واستسلامه لها وقوة رده على العوازل

نـــاقوسُ القلـــبِ يُــدقُّ لـهُ
وحنايــــا الأضلِـــع معْبـــدُهُ
مازال الشاعر يرد على العوازل وكأنه انتهزها فرصة ليواصل وصف مدى حبه فيقول أن دقات القلب لا تدق الا لها وأن الأضلع الرقيقة هي معبده .

ســـمًا بثنايــــا لؤلؤِهــــا

قسَــــمُ اليـــاقوتِ مُنَضَّـــدُهُ
يقسم الشاعر بأسنان حبيبته التي تشبه اللؤلؤ الذي قسم تناسقها وتراصها الياقوت فهو يريد أن يقول انه يقسم بأسنان الحبيبة التي هي سنة لولولي وسنة ياقوت
نَضْدًا: ضم بعضه الى بعض متسقا ( المعجم الوجيز)

ورضـــابٍ يُوعَـــدُ كوْثـــرُه
مقتُـــولُ العشـــقِ ومُشْـــهَدُهُ
مازال مستمر بالقسم ويقسم برضاب الحبيبة الذي يوعد بالحب كل من مات من العشق او ذائقه....... وهنا الشاعر يصف الحب بالجنة ورضاب الحبيبة هو نهر كوثر حبه (كوثره). ........

وبخـــالٍ كـــاد يُحَـــجُّ لــهُ
لـــوكـــان يُقبَّـــل أسْــودُهُ
مازال الشاعر يشطح وينطح في تشبيهاته ووصف الحبيبة وكأنه عجزت الكلمات معه عن الوصف ولم يجد أمامه إلا الاقتباس من الدين الإسلامي فسبق واستخدم حسن يوسف ثم عاد إلي امرأة العزيز ونسائها وها هو هنا يعود فيصف الشامة السوداء في وجه حبيبته بأن الناس كادوا يحجوا لها لو كانوا يستطيعون تقبيلها.

وقـــوامٍ يَــرْوي الغصــنُ لــهُ
نَسَــــبًا والــــرمح يُفَنّـــدُهُ
مازال الشاعر مستمر في القسم ولكن هنا يعود لصفات الحبيبة الجسدية فيقسم هذه المرة بقوام حبيبته الذي هو حديث الأغصان وينسبون لينهم إلى جيد الحبيبة حتى صارت حربا بين الأغصان.

مجمل القصيدة
مضناك الذي بخلت عليه أيما بخل بالحب والوصال فبات من شدة الوجد والهيام لا ينام حتى سقم واعتل وشارف على الموت والاحتضار فبكاه وترحم عليه من عادوه فقد بات قلبه حيران جفونه ذبلت وتقرحت من البكاء ومفارقة النوم فشارف على الهلاك ولا يمكن له العيش بدونك وها هو يحيا على امل الوصال بعد أن اصبحت اوراق الشجر تستهوي أهاته وآناته التي تذيب الصخر وانت قلبك لا يلين والنجوم كلت من نجواه طوال الليل الذي يقضيه بلا هدف من كثرة نواحه التي تعلمت منه النائحات وأخذن يرددن نواحه في انحاء القرية .
وكم من مرة أعد مضناك لك من شراك حتى لا تفاريقيه لكنه أبى تأدباً واحتراما لك فرؤياك بقربه قد يكون فيه نجاته من الهلاك وسعده ......
وها هو يقسم بحسن يوسف عليه السلام كما ورد في القرآن (فهو لم يشاهد حسن يوسف) بأنك فريدة في حسنك وجمالك وبهائك وها هن الحور العين يتمنون أن يبلغوا مبلغ حسنك وحتى غلمان الجنة أرادوا النذر اليسيير من هذا الحسن وها هن نساء زليخة يتمنين أن يبصروا حسنك وجمالك.

فلماذا ايتها الحبيبة تنكرين حبك فها هو يشهد وجنتك على حبكما وها انت تتملصين من بين يديه وقد هزز قوامك كي يستعطفك فلم تتستجيبي..... فيتسائل لما كل هذا الجفاء؟ وقد كان بينكم ما بينكم من حب لايستطيع أحد أن ينال منه ..... فها هو يقفل على العوازل كل باب يطرقونه ، فهذا يقول له أنه مجنون بحبك فيجيب مضناك بل أكاد أعبدها فهي مولاتي وانا عبدها وروحي في يديها فان قضت على فادعوا الله ان يسلم يديها وهذا قلبي لا يدق بالحياة الا لها وحنايا اضلعي هي معبد هذا القلب..... فيقسمً بثناياك التي هي سن من ياقوت وسن من لؤلؤ ويقسم برضاب قبلتك الذي يوعد بالحب من عشقك او ذاق هذا الرضاب ويقسم بالشامة التي على خدك والتي يتمنى كل من يراها أن يقبلها ، ويقسم بهذا الخصر الغض الذي هو اهون من جلده الواهي ، وقوامك الذي هو ألين من غصن البان بأنه لم يخونك ولم تخطر على باله سلوى اشغلت قلبه وابعدته عنك.

التعديل الأخير تم بواسطة : صالح الحرباوي بتاريخ 15/09/2010 الساعة 06h39 السبب: ترتيب المشاركة