الموضوع
:
بدر شاكر السياب
عرض مشاركة واحدة
#
30
02/09/2010, 18h56
عاشق رفعت
مواطن من سماعي
رقم العضوية:441170
تاريخ التسجيل: July 2009
الجنسية: تونسية
الإقامة: تونس
العمر: 48
المشاركات: 388
بدر شاكر السياب
منزل الأفنـــــــــان
في جيكور
منازل فانزع الأبواب عنها تغد أطلالا
خوالٍ قد تصكّ الريح نافذة فتشرعها إلى الصبح
تطل عليك منها عين بوم دائب النوح .
وسلّمها المحطم ، مثل برج دائر ، مالا
يئن إذا أتته الريح تصعده إلى السطح ،
سفين تعرك الأمواج ألواحه
وتملأ رحبة الباحه
ذوائب سدرة غبراء تزحمها العصافير
تعد خطى الزمان بسقسات ، و المناقير
كأفواه من الديدان تأكل جثة الصمت
وتملأ عالم الموت
بهسهة الرثاء ، فتفزع الأشباح تحسب أنه النور
سيشرق ، فهي تمسك بالظلال وتهجر الساحه
إلى الغرف الدجية وهي توقظ ربة البيت :
"لقد طلع الصباح". وحين يبكي طفلها الشبح
تهتهده وتنشد : " يا خيول الموت في الواحه
تعالي و احمليني ، هذه الصحراء لا فرح
يرفّ بها ولا أمن ولا حب ولا راحه " .
ألا يا منزل الأفنان، كم من ساعد مفتول
رأيت ومن خطى يهتز منها صخرك الهاري
وكم أغنية خضراء طارت في الضحى المغسول
بالشمس الخريفية ،
تحدث عن هوىً عاري
كماء الجدول الرقراق ! كم شوقٍ و أمنيه !!
وكم ألم طويت وكم سقيت بمدمعٍ جاري !!
وكم مهد تهزهز فيك : كم موت وميلاد
ونار أوقدت في ليلة القرّ الشتائية !!
يدندن حولها القصاص : " يحكى أن جنية …"
فيرتجف الشيوخ ويصمت الأطفال في دهش و إخلاد
كأن زئير آلاف الأسود يرنّ في واد
وقد ظلوا حيارى فيه ، ثم ترنّ أغنيه :
" أتى قمر الزمان .. " ودندن القصاص : "جنيه"
وبؤسهم المرير : الجوع و الأحزان و السقم
وطفل مات لما جفّ درّ - ماتت المعزى
وجاعت أمه فالثدي لا لبن ولا لحم .
سمعت صراخها و الليل ينظر نجمه غمزا،
وولولة الأب المفجوع يخنق صوته الألم.
ولو خيّرت أبدلت الذي ألقى بما ذاقوا
ممضّ ما أعاني : شلّ ظهر و انحنت ساق .
على العكاز أسعى حين أسعى، عاثر الخطوات مرتجفا
غريب غير نار الليل ما واساه من أحد
بلا مال، بلا أمل ، يقطع قلبه أسفا.
ألست الراكض العدّاء في الأمس الذي سلفا ؟
أأمكث في ديار الثلج ثم أموت من كمد
و من جوع ومن داءٍ و أرزاء ؟
أأمكث أم أعود إلى بلادي ؟ آه يا بلدي
و ما أمل العليل لديك شحّ المال ثم رمته بالداء
سهام في يد الأقدار ترمي كل من عطفا
على المرض وشدّ ضلوع الجائعين بصدره الواهي
وكفكف أدمع الباكين يغسلها بما وكفا
من العبرات غفي عينيه ، إلا رحمة الله ؟؟
ألا يا منزل الأفنان ، سقتك الحيا سحب
تروّي قبري الظمآن ،
تلثمه وتنسحب !
الأم والطفلة الضائعة
قفي ، لا تغربي ، يا شمس،
ما يأتي مع الليل
سوى الموتى. فمن ذا يرجع الغائب للأهل
إذا ما سدت الظلماء
دروباً أثمرت بالبيت بعد تطاول المحل ؟
وأن الليل ترجف أكبد الأطفال من أشباحه السوداء
من الشهب اللوامح فيه، مما لاذ بالظل
من الهمسات و الأصداء.
شعاعك مثل خيط اللابرنث، يشده الحب
إلى قلاب ابنتي من باب داري، من جراحاتي
و آهاتي.
مضى أزل من الأعوام : آلاف من الأقمار، والقلب
يعد خوافق الأنسام ، يحسب أنجم الليل،
يعد حقائب الأطفال ، يبكي كلما عادوا
من الكتّاب و الحقل.
ويا مصباح قلبي ، يا عزائي في الملمات،
منى روحي، ابنتي : عودي إليّ فهاهو الزاد
وهذا الماء. جوعى ؟ هاك من لحمي
طعاماً. آه !! عطشى أنت يا أمي ؟
فعبي من دمي ماء وعودي .. كلهم عادوا.
كأنك برسفون تخطفتها قبضة الوحش
وكانت أمها الولهى أقل ضنىً و أوهاماً
من الأم التي لم تدر أين مضيت !
في نعش ؟
على جبل ؟ بكيت ؟ ضحكتِ ؟ هبّ الوحش أم ناما ؟
وحين تموت نار الليل، حين يعسعهس الوسن
على الأجفان،/ حين يفتش القصاص في النار
ليلمح من سفينة سندباد ذوائب الصاري
ويخفت صوته الوهن،/
يجن دمي إليك، يحنّ ، يعصرني أسىً ضارٍ .
مضت عشر من السنوات، عشرة أدهر سود
مضى أزل من السنوات، منذ وقفت في الباب
أنادي ، لا يرد علىّ إلا الريح في الغاب
تمزق صيحتى وتعيدها .. و الدرب مسدود
بما تتنفس الظلماء من سمر و أعناب
و أنت كما يذوب النور في دوامة الليل،
كأنك قطرة الطل
تشربها التراب .. أكاد من فرق و أوصاب
أسائل كل ما في الليل من شيح و من ظل،
أسائل كل ما طفل :
" أأبصرت ابنتي ؟ أرأيتها؟ أسمعت ممشاها؟"
وحين أسير في الزحمة
أصغّر كل وجه في خيالي : كان جفناها
كغمغمة الشروق على الجداول تشرب الظلمة،
وكان جبينها .. و أراك في لبد من الناس
موزعة فآه لو أراك و أنت ملتمّة !
و أنت الآن في سحر الشباب، عصيرها القاسي
يغلغل في عروقك، ينهش النهدين و الثغرا
وينشر حولك العطرا،
فيحلم قلبك المسكين بين النور و العتمة
بشيء لو تجسد كان فيه الموت و النشوة!
و أذكر أن هذا العالم المنكود تملأ كأسه الشقوة
و فيه الجوع و الآلام، فيه القفر و الداء.
أأنت فقيرة تتضرع الأجيال في عينيك، فهي فم
يريد الزاد، يبحث عنه و الطرقات ظلماء ؟
أحدق في وجوه السائلات أحالها السقم
ولوّنها الطوى، فأراك فيها، أبصر الأيدي
تمد، أحس أن يدي .. معهن تعرض زرقة البرد
على الأبصار وهي كأنهن أدارها صنم
تجمّد في مدى عينيه أدعية وسال دم
فأصرخ في سبيل الله، تخنق صوتي الدمعه
تحيط الملح و الماء.
وأنت على فمي لوعه
وفي قلبي ، وضوء شع ثم بلا رجعه
وخلّفني أفتّش عنه بين دجىً وأصداء .
الوصية
من مرضي
من السرير الأبيض
من جاري انهار على فراشه و حشرجا
يمص من زجاجة أنفاسه المصفره ،
من حلمي الذي يمد لي طريق المقبره
والقمر المريض و الدجى ..؟
أكتبها وصية لزوجتي المنتظره
وطفلي الصارخ في رقاده : " أبي ، أبي"
تلم في حروفها من عمري المعذب
لو أن عوليس وقد عاد إلى دياره
صاحت به الآلهة الحاقدة المدمره
أن ينشر القلاع ، أن يضل في بحاره
دون يقين أن يعود في غد لداره
ما خضه النذير و الهواجس
كما تخض نفسي الهواجس المبعثره
اليوم ما على الضمير من حياء حارس
أخاف من ضبابة صفراء
تنبع من دمائي
تلفني فما أرى على المدى سواها
أكاد من ذلك لا أراها
يقص جسمي الذليل مبضع
كأنه يقص طينة بدون ماء
ولا أحس غير هبة من النسيم ترفع من طرف الستائر الضباب
ليقطر الظلام ، لست أسمع
سوى رعود رن في اليباب
منها صدى وذاب في الهواء …
أخاف من ضبابة صفراء
أخاف أن أزلق من غيبوبة التخدير
إلى بحار ما لها من مرسى
و ما استطاع سندباد حين أمسى
فيهن أن يعود للعود وللشراب والزهور،
صباحها ظلام
وليلها من صخرة سوداء
من ظل غيبوبتي المسجور
إلى دجى الحمام
ليس سوى انتقالة الهواء
من رئة تغفو ، إلى الفضاء
أخاف أن أحس بالمبضع حين يجرح
فاستغيث صامت النداء
أصيح لا يرد لي عوائي
سوى دم من الوريد ينضح
وكيف لو أفقت من رقادي المخدر
على صدى الصور ، على القيامة الصغيرة
يحمل كل ميت ضميره
يشع خلف الكفن المدثر ،
يسوق عزرائيل من جموعنا الصفر إلى جزيره
قاحلة يقهقه الجليد فيها ،
يصفر الهواء في عظامنا ويبكي
ماذا لو أن الموت ليس بعه من صحوه ،
فهو ظلام عدم ، ما فيه من حس ولا شعور ؟
أكل ذاك الأنس ، تلك الشقوه
و الطمع الحافر في الضمير
والأمل الخالق من توثب الصغير
ألف أبي زيد تفور الرغوه
من خيله الحمراء كالهجير
أكلها لهذه النهايه ؟
ترى الحمام للحياة غايه ؟
إقبال يا زوجتي الحبيبه
لا تعذليني ما المنايا بيدي
ولست، لو نجوت ، بالمخلد
كوني لغيلان رضى وطيبه
كوني له أبا و أما و ارحمي نجيبه
وعلميه أن يذيل القلب لليتيم و الفقير
وعلميه
ظلمة النعاس
أهدابها تمس من عيوني الغريبه
في البلد الغريب ، في سريري
فترفع اللهيب عن ضميري
لا تحزني إن مت أي بأس
أن يحطم الناي ويبقى لحنه حتى غدي ؟
لا تبعدي
لا تبعدي
لا …
__________________
لا يحصي فضلك ناثر أو كاتب * * * عددا ولا الشعراء يا غوث الندى
عاشق رفعت
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن كافة المشاركات المكتوبة بواسطة عاشق رفعت