عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12/08/2010, 06h56
براء السيد براء السيد غير متصل  
عضو سماعي
رقم العضوية:459796
 
تاريخ التسجيل: September 2009
الجنسية: سورية
الإقامة: سوريا
المشاركات: 87
افتراضي رد: بيتهوفن الموسيقار العالمي ـ إدموند موريس

في سيمفونيته الأولى، كان كلاسيكيا رشيقا ولم يسمح لآلام أذنيه ولا أوجاعه العاطفية أن تتدخل في تشكيل وجدان اللحن أو مضمونه. ولكن سمفونية "البطولة" الثالثة أصبحت مجالاً رومنتيكيا خصبا للتعبير الشخصي.. ولتدخل أحاسيسه بغير موضوعية مجردة- لقد وجد فيها متنفساً للإفصاح عن إعجابه ببطل كان يراه يعمل لخلاص البشرية ومعاداة الملكية المستبدة.. فأهداها لنابليون، وعندما كان يهم بإرسالها إليه بباريس، جاءته الأنباء التي أعلنت خيانة نابليون لمبادئه وتنصيب نفسه إمبراطورا.. ثار بتهوفن ومزق صفحة الإهداء وكتب بدلا منها "سيمفونية البطولة.. في ذكرى رجل عظيم".. وأفصح أن هذا الرجل لا يزال يحيا بجسده، أما روحه فقد ماتت.. إن مبادئه هذه تبلورت في كثير من المواقف منها خطابه إلى صديقه الأمير "ليشنوفسكي": "أيها الأمير.. إن مكانتك وإمكانياتك، ترجع إلى الحظ .. وإلى الوراثة، ولكن أنا أختلف، لأن مجدي ينبع من نفسي، ولا يوجد سوى بتهوفن واحد".

إن سيمفونيته الخامسة هي أول إفصاح عن عبقريته الناضجة. إنها الرجل الجديد أمام قدره منتصراً بقوة الخير وقوة الإله. إنها ملحمة تصور رحلة الإنسان من العذاب والمعاناة إلى الحكمة والمعرفة، ومن الحكمة إلى الشجاعة إلى الأمل.. ثم إلى الحياة الأبدية الخالدة.

كان عام 1808 هو الحد الفاصل الذي أنهى فيه مهنته كعازف تاريخي نادر للبيانو.. فقد حال صممه، الذي كان قد وصل إلى مرحلة متأخرة، دون استمراره في العزف، رغم أنه سراً، كان قد طلب إضافة وتر لأوتار البيانو ذات الطبقة الموسيقية الواحدة حتى تزداد القوة، فيساعده ذلك على سماع نفسه وهو يعزف.. ولكنه واصل عمله كقائد للأوركسترا لتقديم العروض الأولى لأعماله العظيمة.. التي توجها بالسيمفونية التاسعة (الكورالية).. وقد قال عنها فاجنر:

"إننا ننظر إلى هذا العمل كعلامة تاريخية تحدد عهداً جديداً في هذا الفن العالمي.. فمن خلاله عاش العالم ظاهرة نادرة قلما يجود التاريخ بمثلها.. في أي زمان أو مكان"..

وقال ناقد آخر هو "سنتيانا":

"إن الله قد خلق العالم حتى يكتب بتهوفن سمفونيته التاسعة"..

إنها وصية الحب والسلام.. (ليحتويكم الحب يا ملايين البشر .. ها هي قبلة لكل العالم)..

يقسم الكثير من النقاد حياة بتهوفن إلى ثلاث مراحل .. رغم أن ذلك لا يقره آخرون.. فإن المرحلة الأولى هي التي تتسم فيها أعماله بالطابع الكلاسيكي لهايدن وموتسرت وهي تبدأ بعام 1795 وتنتهي عام 1803.. وتشهد هذه الفترة ما يقرب من خمسين عملاً موسيقيا تتضمن العديد من سوناتات البيانو وأهمها "ضوء القمر" و "المؤثرة" والسيمفونيتان الأولى والثانية.. أما المرحلة الثانية فتبدأ بعام 1804 حتى 1816 .. وتتسم بالشاعرية والثورية وبشخصيته الرومنتيكية.. وخلالها كتب سيمفونيته الخامسة وأوبرا "فيديليو" وافتتاحيات "كوريولان" و"اجمونت".. أما المرحلة الأخيرة والتي شملت السنوات العشر الأخيرة من حياته، فقد تضمنت سيمفونيته التاسعة "والقداس الكبير" وسوناتاته ورباعياته الوترية الأخيرة. وهو في هذه المرحلة يرتفع على صراعه الشخصي مع القدر.. وتعبيره عن فرديته وشاعريته وفلسفته. إنه يتخطى نفسه ويجتازها إلى شعور أعم وأعمق.. إلى وحدة مع الإنسانية .. وصفاء وسلام وتعانق بين كل البشر..

وعندما رقد بتهوفن على فراش الموت .. التف حوله "شندلر" و "برويننج" و أخوه "يوهان".. وكان يقرأ لـ "سكوت" و "أوفيد".. كما كان في منتهى السعادة من مجلد وصله من أحد أصدقائه الإنجليز عن مؤلفات لهيندل .. وفي الثالث والعشرين من مارس عام 1827.. أصبح واضحاً أن النهاية قريبة لا محالة، فوقع وصيته، ووافق أصدقاؤه على أن يصلي له قسيس الصلاة الأخيرة.. كان قد مرض بالصفراء في عام 1821 ولكن المرض عندما عاوده هذه المرة.. كان قاتلا.. وفي يوم 24 مارس / آذار وصلته هدية من نبيذ الراين، علق عليهـــا بقوله: "واأسفاه، لقد وصلت متأخرة ".. ثم قال :"هللوا أيها الأصدقاء، فقد انتهت المهزلة".. وفقد الوعي حتى يوم 26 مارس / آذار عندما دوى الرعد ولمع البرق في عاصفة عارمة. فرفع رأسه وفتح عينيه.. ثم أغمضهما إلى الأبد..
__________________
قال كونفوشيوس: (لو أردت أن تعرف مقدار رقي أمة من الأمم فاستمع إلى موسيقاها).
رد مع اقتباس