الصف الثامن: الروح
الفصل الثامن
الروح
قال صديقي الدكتور وهو يعلم هذهالمرة أن الإشكال سيكون عسيرا.
_ ما دليلك على أن الإنسان له روح وأنه يبعث بعدموت وأنه ليس مجرد الجسد الذي ينتهي إلى تراب.. وماذا يقول دينكم في تحضير الأرواح؟
أولاً يجب أن نذكر هنا رأي الماديون في الروح والجسد: يقولون أن الإنسان هو جسده ، وأن الجسد هو الحاكم وأن كل ما ذكرتمن عقل ومنطق وحس جمالي وحس أخلاقي وضمير وهذه " التخريفة " التي اسمها الذات أوالـ أنا كل هذه ملحق بالجسد ثانوي عليه تابع له يأتمر بأمره ويقوم على خدمته ويتولىإشباع شهواته وأهوائه.
الكاتب بدأ بقوله أن الإنسان ذو طبيعة مزدوجةأي أن الإنسان طبيعتان :
طبيعة خارجية وهي الجسد والتي تتصف بكل صفات المادة ، فهي قابلة للوزن والقياس مقيدة في المكان متزمنة بالزمان دائمة التغيروالحركة والصيرورة من حال إلى حال ومن لحظة إلى لحظة فالجسد تتداول عليه الأحوال منصحة إلى مرض إلى سمنة إلى هزال إلى تورد إلى شحوب إلى نشاط إلى كسل إلى نوم إلىيقظة إلى جوع إلى شبع ، وملحق بهذه الطبيعة الجسدية شريط من الانفعالات والعواطف والغرائز والمخاوف لا يكف لحظة عن الجريان في الدماغ. ولأن هذه الطبيعة والانفعالات الملحقة بها تتصف بخواص المادة نقول إن جسد الإنسان ونفسه الحيوانية هما من المادة.
أما الطبيعة الثانية مخالفة تماما للأولى ومغايرة لها في داخل الإنسان. طبيعة من نوع آخر تتصف بالسكون واللازمان واللامكان والديمومة .. هي العقل بمعاييره الثابتة وأقيسته ومقولاته .. والضمير بأحكامه ، والحس الجمالي ، والأنا التي تحمل كل تلك الصفات " من عقل وضمير وحس جمالي وحس أخلاقي". والـ أناغير الجسد تماما وغير النفس الحيوانية التي تلتهب بالجوع والشبق.
الـ أنا هي الذات العميقة المطلقة وعن طريق هذه الذات والكينونة والشخوص والمثول في العالم .. وبأنه هنا وبأنه كان دائما هنا .. وهو شعور ثابت ممتد لا يطرأ عليه التغير لا يسمن ولا يهزل ولا يمرض ولا يتصف بالزمان .. وليس فيه ماض وحاضر ومستقبل .. إنما هو " آن " مستمر لا ينصرم كما ينصرم الماضي .. وإنما يتمثل في شعور بالدوام .. بالديمومة.
هنا نوع آخر من الوجود لا يتصف بصفات المادة فلا هو يطرأ عليه التغير ولا هويتحيز في المكان أو يتزمن بالزمان ولا هو يقبل الوزن والقياس .. بالعكس نجد أن هذا الوجود هو الثابت الذي نقيس به المتغيرات والمطلق الذي نعرف به كل ما هو نسبي في عالم المادة. وأصدق ما نصف به هذا الوجود أنه روحي وأن طبيعته روحية.
ولناأن نسأل بعد ذلك. أي الطبيعتين هي الإنسان حقا. هل الإنسان بالحقيقة هوجسده أو روحه.
ولنعرف الجواب علينا أن نبحث أي الطبيعتين هي الحاكمة على الأخرى.
فإذا أخذنا كلام إخواننا الماديين وهو خطأ ، فالحقيقة أن الجسد تابع وليس متبوعا مأمور وليس آمرا ألا يجوع الجسد فنرفض إمداده بالطعام لأننا قررنا أن نصوم هذا اليوم لله .. ألا يتحرك بشهوة فنزجره ؟!
ألا نصحوا في الصباح فيبدأ الجسد تلقائيا في تنفيذ خطة عمل وضعها العقل وصنف بنودها بندا بندا .. من ساعة إلىساعة من التابع هنا ومن المتبوع ؟
ولحظة التضحية بالنفس حينما يضع الفدائي حزام الديناميت حول جسده ويتقدم ليحطم الدبابة ومن فيها .. أين جسده هنا .. أين المصلحةالمادية التي يحققها بموته .. ومن الذي يأمر الآخر .. إن الروح تقرر إعدام الجسد في لحظة مثالية تماما لا يمكن أن يفسرها مذهب مادي بأي مكسب مادي والجسد لا يستطيع أن يقاوم هذا الأمر .. ولا يملك أي قوة لمواجهته ، لا يملك إلا أن يتلاشى تماما .. وهنا يظهر أي الوجودين هو الأعلى .. وأي الطبيعتين هي الإنسان حقا.
وعندنا اليوم أكثر من دليل على أن الجسد هو الوجود الثانوي .. ما يجري الآن من حوادث البتر والاستبدال وزرع الأعضاء .. وما نقرأه عن القلب الإلكتروني والكلية الصناعية وبنكالدم وبنك العيون ومخازن الإكسسوار البشري حيث يجري تركيب السيقان والأذرع والقلوب.
ولن تكون نكتة أن يدخل العريس على عروسه سنة 2000 فيجدها تخلع طقم الأسنانوالباروكة والنهود الكاوتشوك والعين الصناعية والساق الخشبية فلا يتبقى منها إلاهيكل مثل شاسيه السيارة بعد نزع الجلد والكراسي والأبواب. ومع هذا التركيب والتغيير والاستبدال لا يحدث شئ لشخصية الانسان ولا تتغيير بتغيرهذه الأعضاء من مسامير وشرائح من البلاستيك .. فالإنسان ليس هذه الأعضاء وإنما هو الروح الجالسة على عجلة القيادة لتدير هذه الماكينة التي اسمها الجسد . إنها الإدارة التي يمثلها مجلس إدارة من خلاياالمخ .. ولكنها ليست المخ.
نفهم من هذه الشواهد كلهاأن الإنسان له طبيعتان :
طبيعة جوهرية حاكمة هي روحه. وطبيعة ثانوية زائلةهي جسده.
وما يحدث بالموت أن الطبيعة الزائلة تلتحق بالزوال والطبيعة الخالدةتلتحق بالخلود فيلتحق الجسد بالتراب وتلتحق الروح بعالمها الباقي.
ولعشاق الفلسفة نقدم دليلا آخر على وجود الروح من الخاصية التي تتميز بها الحركة. فالحركة لا يمكن رصدها إلا من خارجها. لا يمكن أن تدرك الحركة وأن تتحرك معها في نفس الفلك وإنما لا بد من عتبة خارجية تقف تقف عليها لترصدها .. ولهذا تأتي عليك لحظة وأنت في أسانسير متحرك لا تستطيع أن تعرف هل هو واقف أم متحرك لأنك أصبحت قطعة واحدة معه في حركته .. لا تستطيع ادراك هذه الحركة إلا إذا نظرت من بابالأسانسير إلى الرصيف الثابت في الخارج.
ونفس الحالة في قطار يسير بنعومة على القضبان .. لا تدرك حركة مثل هذا القطار وأنت فيه إلا لحظة شروعه في الوقوف أو لحظة إطلالك من النافذة على الرصيف الثابت في الخارج.
وبالمثل لا يمكنك رصد الشمس وأنت فوقها ولكن يمكنك رصدها من القمر أو الأرض .. كما لا يمكنك رصد الأرض وأنت تسكن عليها وإنما تستطيع رصدها من القمر. لا تستطيع أن تحيط بحالة إلا إذا خرجتخارجها.
هذه الحالة الداخلية التي ندركها في لحظات الصحوالباطني والتي أسميتها حالة حضور .. هي المفتاح الذي يقودنا إلى الوجود الروحيبداخلنا ويضع يدنا على هذا اللغز الذي اسمه الروح ...
أماعن البعث فإنه لم يعد أحد بعد الموت ليخبرنا ماذا جرى له. ولم يأت يوم البعث لنقدم دليلا ملموسا أو شاهد عيان. وكل ما يمكن قوله في موضوع البعث أنه حقيقة دينية يرجحها العقل والعلم.
لماذا يرجحها العقل والعلم ؟
لأن شواهدالوجود وظواهره تشير جميعها إلى أن هناك عودا على بدء ودورة لكل شيء .. بعد النهاريأتي الليل ثم يعود من جديد فيأتي النهار ، والشمس تشرق ثم تغرب ثم تعود فتشرق.
الصيف والخريف والشتاء والربيع ثم تعود فتتكرر الدورة من جديد فيأتي الصيف ثم الخريف ثم الشتاء الخ..بعد اليقظة ونوم الليل نعود فنستيقظ من جديد .. وهذا يرجحأنه بعد رقود الموت هناك صحوة بعث .. لأن هناك عودا لكل شيء .. والله يسمي نفسه في القرآن المبدئ المعيد. (كما بدأكم تعودون).(يبدأ الخلق ثم يعيده).
ألا يدور كل شيء في فلك من الذرة إلى المجرة ، حتى الحضارات لها دورات والتاريخ له دورات.
الدليل الآخر على البعث هو النظام المحكم الذي ليس فيه بادرة خلل واحدة من أكبر المجرات حتى أصغر الذرات حتى الإلكترون الذي لا يرى نجد النظام والقانون يهيمن على كل شيء .. حتى الإلكترون المتناهي في الصغر لا يستطيع أن ينتقل من فلك إلى فلك في الذرة إلا إذا أعطى أو أخذ مقدارا من الطاقة يساوي حركته .. وكأنه راكب قطار لا يستطيع الترحال إلى أي مكان بدون تذكرة .. فكيف نتصور في هذا النظام ،،،،، يهرب قاتل أو يفر ظالم من الجزاء لمجرد أنه ضلل ،،،،، إن العقل يتصورأنه لابد سيلقى جزاءه حتما، وإن هناك لابد عالما آخر يسوى فيه الحساب .. هكذا يقول العدل. ونحن مفطورون على تحري العدل وعلى حب العدل والبحث عن العدل ومحاولة تحقيق العدل. ومع ذلك فالعدل في الدنيا غير موجود.
هنا نقول أنه لو لم يكن هناك بعث فهذا يعني بالضرورة انه لا حساب فمعنى ذلك أن الناس مجبورون على حياتهم فالفقير لن يستطيع أن يغتني أو يعوض عن فقره والغني سيضغى ولا رادع له والقوي يستعبد الضعيف وتصبح الحياة بوهيمية أو أشبه بحياة الغابة والعدل سيغيب في هذه الدنيا وبالموت يموت المظلوم ويضيع حقه والمقتول ذهب هباء وما دام الأمر كذلك فإنه لايوجد إله لأنه لو وجد إله ودون بعث وحساب فيكون غير عادل لأن من مات مظلوماً كيف سيُقتص من ظالمه وكيف سيعيد إليه حقه ويعد هذا نقص في الذات الالهية فيتنافى مع الربوبية تعالى عن ذلك رب العزة وتنزه عما يقولون.
وكما يقول أهل الفكر إذاكان الظمأ إلى الماء يدل على وجود الماء .. فلا بد أن الظمأ إلى العدل يدل على وجودالعدل .. فإن لم يكن موجودا في دنيانا فلا بد أن له يوما وساعة تنصب فيها موازينه. كل هذه مؤشرات تشير وترجح أن هناك بعثا وحسابا وعالما آخر.
والمؤمن الذييصدق القرآن في غير حاجة إلى هذه الاستدلالات لأنه آمن بقلبه وأراح نفسه من الجدل. يبقى بعد ذلك أن نسأل ,, وما الروح :
(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمرربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)
هي لغز ولا أحد يعلم عنها شيئا.
والعجيب أنه كلما جاء ذكر الروح في القرآن ذكرت معها كلمة من أمر ربي.
(يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده).(ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده).(تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر).(وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا)
دائما كلمة " من أمرنا " .. " من أمره" .. "من أمر ربي " .. كلما ذكرت الروح.
أيكون أمر الله روحا ؟ وكلمة الله روحا ؟ألم يقل الله عن المسيح عليه السلام أنه :(كلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم). وأنه :(كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه).
الكلمة. الأمر.الروح.هل هي ألفاظ مترادفة لمعنى واحد.هي مجرد إشارات.ولاأحد يعلم الحقيقة إلا العليم
أما عن تحضير الروح فقد قال الكاتب:وتحضيرالأرواح عندنا أمر مشكوك فيه.
مشكوك فيه أنه ظواهر الغرفة المظلمة سببها حضورروح فلان أو علان.
ومفكر كبير مثل هنري سودر يقول: إن تلك الظواهر مصدرها العقل الباطن للوسيط والقوى الروحية للوسيط ذاته.. ولاشيء يحضر بالمرة.
ويقول المفكرون الهنود : إن الذي يتلبس الوسيط أثناء التحضير هي أرواح سفلية تعرف بعض الأشياء عن الموتى وتستخدمها في السخرية بعقول الموجودين والضحك عليهم.
ويقول الصوفية المسلمون: إن الذي يحضر في تلك الجلسات ليس الروح ولكن القرين ، وهو الجن الذي كان يصاحب الميت أثناء حياته .. وهو بحكم هذه الصحبة يعرف أسراره .. ولأن الجن معمر فإنه يبقى حيا بعد موت صاحبه .. وهو الذي يحضر الجلسات ويفشي أسرار صاحبه ويقلد صوته وعاداته ليسخر من الموجودين على عادة الجن في عدائهم للإنسان.
وهم يقولون : إننا إذا دققنا جرس المكتب فإن الذي يحضر هو الخادم .. أما السادة فإنهم لا يتركون عالمهم ويحضرون بهذه السذاجة وبالمثل في عالم الأرواح .. فالذي يحضر في الجلسات ويهرج على الموجودين هي الأرواح السفلية والجن ومن في مستواهم .
أما الأرواح البشرية فهي في عالم آخر هو عالم البرزخ ولا يمكن استحضارها .. ولكنها قد تتصل بمن تحب في الحلم أو في اليقظة إذا توفرت الظروف الملائمة.
ومن الجلسات الكثيرة التي حضرناها ومما جمعنا من خبرة خاصة في هذا الموضوع نقول : أنه لا يوجد دليل واحد على أن ظواهر الغرفة المظلمة سببها حضور الروح المطلوبة.
وربما كان رأي الصوفية المسلمين أكثر الآراء تفسيرا لما يحدث. والمسألة ما زالت قيد البحث.
وللأسف الشعوذات في هذا الموضوع أكثر من الحقائق .. والكلمة الأخيرة لم تقل بعد.
لا شك أنك سوف تضحك على كلمات مثل الجن والأرواح السفلية .. والقرين. ولك عذرك .. فإذا كنت لا تؤمن بروحك أنت فكيف يتوقع منك أن تؤمن بجني ..وإذا كنت لا تؤمن بالله فكيف ينتظر منك أن تؤمن بشياطينه.
ومع ذلك لو كنت ولدت منذ مئة سنة وجاءك رجل يحدثك عن أشعة غير منظورة تخرق الحديد ، صور تنتقل في الهواء عبر المحيطات في أقل من ثانية ، ورائد فضاء يمشي على تراب القمر .. ألم تكن تضحك وتقهقه وتستلقي على قفاك أضعاف ما تضحك الآن .. وتقول لنفسك .. هذا رجل هارب من مستشفى المجاذيب ومع ذلك فيا لها من حقائق ملء السمع والبصر الآن
انتهى الكلام
التعديل الأخير تم بواسطة : الباشاقمرزمان بتاريخ 26/06/2010 الساعة 09h09
|