بسم الله الرحمن الرحيم
"وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً"
"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ"
الخــير والشــر
منذ خلق الله الخليقة ، خلقها ليعمرها الإنسان ، ويكون خليفة الله على الأرض ، فخلق أدم عليه السلام بالحب ، وكرمه أعلى تكريم ، بأن أمر ملائكته بالسجود له ، وميزه عن الملائكة والمخلوقات بأن علمه الأسماء كلها ،
والتي عجزت الملائكة المقربون عن ذكرها ، ولكن لحكمة إعمار الكون لا بد وأن يكون للإنسان حافزا ً يسعى إليه في رحلة بحثه عن الكمال ، لذا كان القدر والإختيار ، فهب لو كانت الحياة أبدية ، لكان هناك كمال لدى الإنسان ، فلن يكون هناك حافز للإعمار .إذا ً لا بد أن يكون إحساس الإنسان بالنقص ليبحث دوما ً عما ينقصه ، ويكمله .
فالإنسان في رحلة الحياة الدنيويه يحاول مدارة النقص والعجز لديه ، فالدواء لمداراة المرض ، والطعام لسد الجوع ، والماء لسد العطش ، والجنس للحفاظ علي البقاء ، ......
وفي كل هذه الأمور كان الخير والشر متلازمان في كيفية تعاطي الإنسان ،
فكان الحلال والحرام ، أو المشروع وغير المشروع ، أو ما يحفظ للإنسان كرامتة ً خلق عليها ، وما فيه إهداراً لكرامة ٍ تحط من قدرة لمرتبة ٍ أدنى من الأنعام .
فالخير والشر بمفهوم الإنسان تختلف من فرد لفرد ، فما يراه هذا خيرا ً قد يكون شرا ً عند غيره .
فالزنا عند فاعلة خير ، فهو يشبع به غريزة بدنية ، أما بالنسبة لغيرة شر ، فهي إعتداء على المجتمع ، أو مخالفة القيم الإنسانية ، أو أمتزاج الإنساب وضياعها بما يترتب عليه من أنهيار للسلالة البشرية وهكذا دواليك من وجهات النظر المختلفة .....
إذا ً مفهوم الخير والشر نسبي غير كامل ، يتفاوت من فرد لأخر ، ومن ثقافة لأخرى .
والقياس السليم للتقيم هو المقياس والذي يتوافق مع الفطرة الإنسانية السليمة
، والتي جاءت الشرائع السماوية جمعاء لتذكر الإنسان بها .
كيف يكون الخير والشر فتنة؟
الخير والشر من الأمور التي تخضع للقضاء والقدر ، فما يخضع للقدر للإنسان حرية الإختيار فيه ، وهو ما يحاسب عليه في النهاية ، أما حديثنا عن ما يخضع للقضاء ، أي أن الإنسان لا دخل له فيه ، كالزلازل ، البراكين ، الأعاصير القوية ، الفيضانات ، المرض ، الموت ، كيف تكون فتنة ؟
للجواب بداية ً نقول إن هذه الأمور من الكوارث التي لا يد للإنسان فيها،
وهي من وجهة النظر الإنسانية شر مطلق ، ولكن قد تتحول إلى خير مطلق ،
بالصبر ، وإرجاع الأمور إلي خالق الأمور ، فأن ثبت الفرد عند هذا نال من الخير ما قدره الله له ، أما إن تمرد كان هذا الأمر شرٌ مطلق في الدارين ،وكذا تكون الفتنة ،أي الأختبار ورد الأمور إلى خالقها والرضا مع الصبر .
وبهذا يمكن تحويل الشر إلي خير ، والتعلم من الدروس لأمور الدنيا بما ينفع البشرية ، ويعمر الأرض.
أما الخير فيكون أيضا فتنة كما الشر ، ولنضرب مثالا ً هب أن رجلا ً عقيمٌ لا ينجب ،
عمل بكل الأسباب والمسببات ، دون أمل ، وكان يدعو الله دوما ً أن يرزقة الولد ، وحين أراد الله ورزق الولد ، شغله حب هذا عن خالقة فكان سببا ً في إنتكاسة أعماله ، وسوء عاقبته .
أرجو أن أكون قد سلطت بعض الضوء على محتوى الفصل الثالث ، بما ييسر على المتعاطي مع الكتاب بعض الأمور ، والله الموفق إلى ما فيه الخير.
لكم مني كل التقدير والمحبة .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.