بسم الله الرحمن الرحيم
في سياق ردود الدكتور مصطفى محمود على صديقه حول قدر الله قال:"أفعالك معلومة عند الله في كتابه ، ولكنها ليست مقدرة عليك بالإكراه ، إنها مقدرة في علمه فقط "
إن ما جعل الكثير من السجال والجدل في هذه المواضيع هو الخلط في التعريفات ، وعدم تسمية الأسماء بمسمياتها ، فكثيرا ً ما نجد كاتب يتكلم في القدر ، ونراه يعني القدرة ، أو العلم الإلهي ، لذا كان اللبس في المفاهيم والتي أدت منذ الأزل إلى هذا الجدل العقيم ، ولو لاحظنا وقوع الكاتب في هذا إستدلالا ً بعبارته السابقة ، لذا أحب أن أضع بعض النقاط على الحروف والله الهادي لما فيه الخير .
القدر : هو جميع الأفعال والأقوال ما بين المعاني والمترادفات والمتضادات والمتناقضات التي أوجدها الله منذ خلق الكون وحتى ما شاء ، ليختار المخلوق مما بينها ، ولأضرب مثالا ً هب أن إنسان يريد مالا ً لينفق منه على متاع حياته ، أمامه إحدى الخيارات التالية : إما أن يعمل فيحصل على المال ، أو أن يذهب فيسرق للحصول عليه ، أو أن يسأل الناس إلحافا ً ، أو أن يستكين وينتظر رحمة ربه بأن يمن أحدهم عليه ،أو لا يحصل على شيء، فإن أتي بأحد هذه الأفعال كان موافقا ً للقدر ولا بد فليس أمامه إختيار أخر، فالأختيار هنا محدود بهذه الأفعال وحسب ، لذا فإن أتي الإنسان أي ٍ منها كان موافقا ً للقدر وهذه الأمور تخضع للسببية .
القدرة : هي تقدير الله للأمور والتي لا دخل للإنسان فيها ، مثال ذلك الزلازل والبراكين والفيضانات ، وكل ما يحدث للإنسان بعيدا ً عن الأسباب والمسببات تخضع لهذا المسمي ، والذي يقال عنه فقها ً الإبتلاء أو الفتنة خيرا ً كانت أم شرا .
القضاء : هو ما يقضي به الله على الإنسان دون تدخل منه ، كالحياة والموت ، واللون والجنس وغيرها ، ومثال ذلك هب أن أحد الناس يسير في طريق ، ويتخذ كل أسباب الحيطة والحذر، وقضي عليه بالموت وهو سائر ، وكانت سيارة تسير في الطريق وقابلتها أخرى كادت تصطدم بها ، ولتلافي حدوث الإصطدام إنحرف السائق نحو الرصيف والسائر عليه هذا الشخص فصدمه فمات ، هل هذا يخضع لإهمال الشخص أو السائق ، أم هو القضاء ، أو قد يموت دون ذلك وفي نفس اللحظة دون سبب ما مما سبق ، أو لسبب أخر هو الإنتحار ، لذا سمي الإنتحار كفر، وفاعله مثواه جهنم لأنه تعدي على قضاء الله ليحدد لحظة موته .
العلم الإلهي : هو علم الله المسبق بما في الكون بكافة دقائقه لأنه خالقة ومبدعه ، لذا هو يعلم ما فعلت وأفعل وما سأفعل ،
مثال للتوضيح ولله المثل الأعلي إن مخترع المذياع يعلم تمام العلم بقدرات ما يمكن فعله من هذه الآله ، وكيفية تعاملها مع الموجات المتوسطة والقصيرة ، والعالية التردد ، ويعلم أن هذه الآلة تأتي بالصوت فقط دون الصورة ، فإن قال أحدهم لقد أستمعت في هذه الآلة لإذاعة كذا يرد الأخر أعلم ، هذا بالنسبة للإنسان فما بالنا بخالق الكون كله .
ونحن كمؤمنون ، نؤمن بكل هذا تصديقا ً وتسليما ً دون النظر لكل ما قيل أو يقال من كلام في هذا السياق ، الله أمرنا وما علينا إلا التصديق والإذعان .
تحياتي لكل من أسهم بهذا الموضوع بجد وإجتهاد ، وناقش وعلق على الكتاب والفصل بعدما قرأه قراءة ً متأنية ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.