عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 06/05/2010, 21h28
Egypt4eveR Egypt4eveR غير متصل  
Banned
رقم العضوية:490049
 
تاريخ التسجيل: janvier 2010
الجنسية: نمساوية
الإقامة: فرنسا
العمر: 38
المشاركات: 48
افتراضي رد: غريزة الطرب من الغناء


(5)

عذرا سيدي عن التأخير

خُيّل إلي أبي إسحاق الموصليّ أنه سمع غناء الشيطان في اليقظة , ذّلك أنه خرج في ليلة ممطرة يتحسس عن مغنّ يشاركه في إحياء حفلة, فقابله ضرير استدعاه إلي منزله... ثمِّ شرع أبو إسحاق يغني معجبا بصوته فاستخِّف به الضرير , وقال له : لقد قاربت أن تكون مغنّيا ؟
وتناول الضرير العود فجسِّه , وضرب علي أوتاره في نغمة ليس لأبي إسحاق عهد بسماعها , فدهش ممِّا سمع... ولما خرج الأعمي ودعه أبو إسحاق فإذا هو قد غاب , ولم يدر أفي السماء صَعِد , أم في الأرض هبط ؟,فخيَّل إلي أبي إسحاق أن هذا الضرير شيطان تنكّر له في هذة الصورة, لينزله من عالي غلوائه.
وربَّما اشترك العازفون والمغنُّون والعازفون, واستعملوا من آلات العزف البَرْبط(1) والمِزْهَر (2) والقيثارة (3) والرقّ والناي, فيخرج من صوتها مزيج ذو نبرات بديعة تفعل في النفس فعل السحر الحلال. ولم يكن الغناء مقصورا علي مجالس اللهو , بل اتّسع له الجال كذلك في مجالس العبادة منذ زمن داود عليه السلام. ومنه استعير نوع من الترتيل والأنشاد في المساجد والكنائس, وتصدي له قراء القرآن بالإجادة, فاجتذبوا به السامع وشنّفوها بحِكَمِه و أحكامه ... زيّنوا القرآن بأصواتكم.
يجمل بنا أن نحبّب إلي الأطفال ترتيل أناشيد الجدود أثناء اللعب فإن اجتماعهما معا ينشّط الجسم, وينعش الروح, ويبرز حب الفن الأصيل في أجمل حلة, ويقوّم فيهم آلة النطق, ويذهب عنهم سآمة القراءة المجرّدة من رخامة الصوت وحلاوة الأداء والإنفصال عن الأصل وهي منتشرة في أيامنا الحالية.... نريد ونتمني وما نيل المطالب بالتمني أن ندخل تدريس الغناء والألحان الخالدة طوال تاريخنا الفني الخالد في ناهج التدريس لنعيد مادرس من صناعة أسلافنا, ولنستخدم قوته الروحّانية في تذليل مصاعب الحياة وعبور حاجز اليأس والملل المسيطر علي أنفاسنا والمتسلط علي رقابنا و فإنّ نفوسنا كثيرا ما تعروها السآمة فتحتاج إلي من ينبهها. ونحن إذا أدركنا هذة الغاية فقد حقّ لنا أن نجّرد سيف عزيمتنا لمحاربة الوصمة التي دهمت الغناء, فقد تناوله أهل البطالة, واتخذوه ذريعة لرواج الخلاعة والمجون و الهزل وسخيف النطق, فشوَّهوا اللغة العربية واستاعضوا عن ألفاظها وأصولها وألفاظها الأصيلة تراكيب أجنبية لا ضرورة لها. ولا سبيل لتعويد المسامع مانرغب فيه من رواج الألفاظ الفذة والألحان الشجية والأصوات الموهوبة والتراكيب الجزلة إلّا بجودة الترتيل و حسن الغناء. فليمدّ الأدباء والمغنون والملحنون أيديهم للأخذ بناصرها , فالآمال معقودة بمساعدتهم.
وقد تحركت في النفوس رغبة صادقة في الإقبال علي الغناء والضرب علي آلات الطرب, ويبشرنا أنه تولدت بمصر نهضتان : نهضة هواة الفن لتشييد أندية الموسيقي والطرب وفيها تحيا الأغاني وتتجدد أنغامها بما يبتكره البارعون ونهضة لعزف الحفلات حية في الشوارع لشد أذن السميعة من المارة وإن كانت طريقة تعليم الغناء والضرب علي آلات الطرب لا تخرج عن نوع الطريقة الساذجة التي يتعلم بها الأميون لغتهم , وجلّ الأعتماد في تلقينها علي السماع و الممارسة والمحاكاة , ويظهر السبق و التفوق لمن ركزت عنده ملكة الفنّ و صحّت ليه قوة التقليد. أما من لم يوهب تلك القوة وقد صحت عنده العزيمة علي تعلم الغناء فلا يجد من يأخذ بيده و يسير به علي التدريج من المقاطع إلي الأدوار, وأين يجد المدوّنات لنماذج الأصوات الجميلة التي كان المجيدون يتغنون بها ؟
وقد يرجع إلي أسطوانات الحاكي, وقد يرجع إلي أهل الفن فيسمع منهم النغمات, ولكن إذا اختلت الأسطوانات أو مات حفّاظ الأصوات أو ضعفت ذاكرتهم ضاعت الصنعة وانعدمت الثقة بما احتفظوا به من أدوار الغناء وطرق أدائها وكانت عرضة للضياع أو للتشويه والمسخ, كما ضاع كثير من من فنون وأدبيات وأساطين الأعصر الخالية....

(1)العود
(2)العود كذلك
(3)الكمنجة


رد مع اقتباس