(4)
تري السبع وهو سيّد الحيوان يركن إلي الحيل عند لقاء عدوّه , فيخشع أو يتقهقر حتي يستجمع قوَّته ,ثم يتحيّن الفرص للإفتراس. وقد جاء في المثل: مُحَزْ نْبِقُُ لِيَنْبَاع أي ساكن لداهية يريدها..
إن الشجاع إذا فاجأه الخوف لا تَفتُر همَّته ولا تتزعزع عزيمته بل يتريَّث ليوازن بين قوَّته وقوَّة خصمه, ويعالج الأمر لعله يجد مجلا للفوز, وإلا إلتمس طريق الفرار صونا لحياته ولا عار عليه, فقد قرأت في أحد الكتب بأن أحد السائحين رأي رجلا فارَّا من أسد يحاول إفتراسه, وفي أثناء فراره تسلق جدارا عاليا, ولمّا زال الخطر عاد هذا الرجل إلي تسلُّق الجِدار فشقَّ عليه؟! وربما لايحدث الهرب وإنما يقوم مقامه اللطراب إذا اشتدَّت وطئة الخوف, كالذهول الذي يحسُّه المستيقظ وقد شبت النيران بمنزله. وربما برق شعاع من نور عقله يثير فيه النشاط إلي إخماد النار أو الفرار طلبا للمساعدة. وكالفزع الذي ابتأست به أحدي الدول العظمي من الحدث الجلل الذي دبرته عصابة مجرمة من بني جلدتهم في الخريف ونسبوه ظلما وعدوانا لأبناء عمومتنا.فقد كانت البلاد آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان, وتكتظّ أرجاؤها بالقصور الضخمة والشوارع المعبدة, وأهلها مسوقون بالمطامع, يدخرون الأموال لعمر مديد, وعيش سعيد, وفي غضون دقائق معدودة إندكت تلك الصروح, وغارت في الأرض تلك الأبنية,فاتخذها قائدهم النازي في أخلاقه و الهتلري في تصرفاته حجة واهية فجّر بحماقته من الويلات والمصائب علي مدي عشرة أعوام ماجرّته تلك الحرب الضروس علي العالم المتحضر من مصائب فقد مادت المباني وانشقت طرقاتها فابتلعت الغادين والرائحين وخرّت المباني علي رءوس الساكنين, واندلعت ألسن النيران, وهاجت أمواج البر, فهلع القوم من شر ما رأوا , وانطلقوا علي غير هدي يحاولون الخلاص, وكلما خرجوا من خطر تلقاهم غيره, ومن نجا من هذا وذاك بات عرضة للجوع والعطش والعري. هكذا ازدحمت عوامل الهلاك, فأطارت لبّ العاقل, وروّعت قلب الشجاع, وخرجت البلاد من هذا المصاب دامية الجروح مَهيضة الجناح. ولولا صدور رجال مفعمة بالشجاعة وقلوب يملؤها الإيمان ولم يتسرب إليها اليأس لباتت البلاد أثرا بعد عين.
فالخيال الموسيقي يصون الصنعة من الأبتذال, وينفخ في القول والعمل روحا فياضة, ويشحذ الهمم ويدعو إالي الامعان وترداد النظر, ولو جفَّ المعين من الكتابة أو الشعر أو التلحين لذهبت مسحة البلاغة, ولتجردت من العوامل الحيَّة في تحريك الهمم وإثارة الخواطر فالخيال هو الحقيقة بعينها عند العازفين يحرصون عليها في مدوناتهم, وينتقون لمدلولاتها العبارات والجمل الموسيقية المتينة التي لا تدع للبس مجالا فالتاجر لا ينصف المشتري إذا بالغ في وصف سلعته و جاوز بها حدود قيمتها, والطبيب يسيء إلي المريض إذا استعار للدواء اسم دواء يشبهه, وتضيع الثقة من المؤرّخ الذي يمجّد ولم ترفعهم أعمالهم. وكم تثور الفتن و يضطرب بين الحلفاء حبل الولاء إذا راج سوق الخيال في نصوص المعاهدات وأخرجها عن أرض الواقع, فإنه يخرج مدلولات الألفاظ عن سياج المعاجم اللغوية, وإليها وحدها يرجع الأمر عند ما تستحكم حلقات النزاع
وصف المتنبي الصبر حيث قال:
رماني الدهر بالأرزاء حتي*** فؤادي في غشاء من نبال
فصرت إذا أصابتني سهام***تكسَّرت النصال علي النصال