عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01/05/2010, 11h58
الصورة الرمزية بلخياطي
بلخياطي بلخياطي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:440633
 
تاريخ التسجيل: June 2009
الجنسية: جزائرية
الإقامة: ولاية الشلف
العمر: 40
المشاركات: 666
افتراضي رد: كيف تطورت الآلة الإشبيلية والطرب الغرناطي في المهاجرات الأندلسية المغرب

وفي طليعة علماء الرباط الذين ولعوا بالعزف على الرباب الشعبي (الكنبري) قاضي الرباط ووزير العدل في العهد اليوسفي محمد الرندة.
وكان أهل الرباط قد سجلوا موشحات وأزجال الآلة الأندلسية في وثائق خاصة يستحضرها حتى الهواة في أجواقهم، لأن الموسيقى والتغني بها اندرجت في أبرز عادات وتقاليد المجتمع الرباطي. وكان من بين العوام رجالات أتقنوا الخمسة والخمسين مثل الموسيقار إبراهيم بن محمد الجزولي الرباطي (وهو من آل لميرو الأندلسيين المتوفى عام 1325هـ/1907م) ("الاغتباط" لأبي جندار، ج2، ص.22).
وقد عرفت من بين هؤلاء رجلا هو عمي محمد بنعبد الله المتوفى عام 1937م. كان حرارا يصنع "المجاديل"، يتغنى طول النهار بالنوبات الخمس والخمسين في تواجد وهيام. ويرجع الفضل في تدوين الموسيقى للحسن بن أحمد الحايك الأندلسي التونسي التطواني (1130هـ/1717م) الذي جمع هذه الموشحات في كتاب "الحايك" الذي اشتمل على جميع نوبات وطبوع آلات الطرب. وهذا الكناش لم يبق على ترتيبه الأصلي، بل نسق بترتيب الفقيه الوزير محمد بن المختار الجامعي. وقد أورد خطبته أبو إسحاق التادلي في "أغاني السيقا" (ليفي بروفنصال في "مخطوطات الرباط العربية"، ص.196، خع 8د (60 ورقة) / خع=488د).
وتوجد نسختان في كتاب "الوزير الجامعي" في خع=1327د/8د؛ وكذلك خطبة لتأليف في الموسيقى خع 1031د.
ولعل أبرز ظاهرة موسيقية برباط الفتح وجود جوقة للخمسة والخمسين بالقصر الملكي تعزف على مزامير نحاسية في أزيائها الأندلسية الزاهية، وهي الجبادولي ذو اللونين الأخضر والأحمر، تيمنا بلوني الراية المغربية. ومن مظاهر شعبية الموسيقى الأندلسية بالرباط أن الفقيه مدرر "مدرسة أبناء الأعيان بالرباط" كان يدربنا آخر الثلاثينيات على مقطوعات من رمل الماية خارج البرامج.
ولم يكن علم الموسيقى مجرد هواية في رباط الفتح، بل أصبحت الألحان تحرك الوجدان وتضبط خلجات الجنان تهذيبا للأنفاس وضبطا للأعصاب. ومعلوم أن مستشفى سيدي فرج بفاس كان يعالج الأمراض العصبية بالموسيقى منذ عهد السعديين في القرن العاشر الهجري، أي قبل أن تعرف أمريكا وأوربا موسيقى الروك (Rock an roll) الهادفة للغاية نفسها؛ وكذلك الموسيقى الأمريكية المعروفة بـRythm and blues. وقد وردت علينا من الصين الشعبية أواسط الثمانينيات أنباء تفيد قيام الصين بأبحاث لعلاج الأمراض العصبية بالموسيقى. فانضافت تجربة العلاج النفساني هذه إلى تجربة العلاج العضوي المعروف في الصين بالنقطية أو الوخز بالإبر (Acupuncture) والتي أتيح لي أن أشاهد بعض مظاهرها خلال رحلتي إلى الصين عام 1965م إبان الثورة الثقافية. وقد ظهر في هذا الموضوع أيضا بحث لسليمان الحوات (1231هـ/1816م) عنوانه "كشف القناع عن تأثير الطبوع في الطباع"، نسخة في خح (=الخزانة الحسنية بالرباط، 4229).
غير أنه لا يمكن أن نتعرف بعمق مدى تطور الآلة الأندلسية بشقيها الإشبيلي والغرناطي في المهاجرات، وخاصة رباط الفتح، إلا إذا استعرضنا تطور الفن الموسيقي عبر العصور في مختلف جهات المغرب التي احتضنت وطورت هذا التراث العربي الأندلسي الرائع.
فقد ظهرت بوادر هذا الفن في كل من فاس ومراكش منذ أواخر الموحدين وازدهرت معالمه خاصة في فاس أيام بني مرين وبني الأحمر أمراء غرناطة، ولكن الاضطرابات والفتن التي شبت أواخر السعديين وقيام نوع من أمراء الطوائف([3]) في المغرب حالت دون استمرار هذا الازدهار إلى أن ظهر المولى إسماعيل العلوي بعد مرور بضعة عقود من السنين على جواز آخر فئة من الموريسكيين المطرودين من الأندلس، فاستتب الأمن واطمأن الفكر وعاد الماء إلى مجراه مع تجدد مظاهر هذا الفن بإضافة عناصر جديدة تفتقت عن تجمع حافل ضم الفكر الأندلس في أصالته والفكر المغربي في حيويته وطرافته.
وقد انضاف إلى فن الموسيقى خينذاك فن جديد هو السماع المرفق بالآلة، فبرز منذ العهد السليماني ليكتمل خلال عهد المولى الحسن الأول في نهاية القرن الثالث عشر.
وكانت فئات المهاجرين قد انتقلت في الفترة نفسها أوائل القرن الحادي عشر الهجري ضمن حشود وفيرة إلي الجزائر وتونس ومصر والقسطنطينية؛ كما انتشر قسم منها في مقاطعات إسبانية خارج الأندلس وأشتات أخرى شكلت طلائع التروبادور (Troubadours) في جبال "المور" بجنوب فرنسا. وكان للمارانوس (Maranos)، وهم موريسكيو([4]) اليهود، دورهم في إسهامات لها ميسمها الخاص. فهي إذن موسيقي عربية أندلسية مغربية تجذرت أصولها على ضفاف الرافدين، وانتقلت مع زرياب إلى الأندلس الرطيب حيث تأثرت بعوامل مغربية ظلت خلوا من كل عنصر إسباني، وأثرت عي الأخرى في الموسيقى الأوربية، وخاصة الألحان الكنسية. وقد أدرج المغاربة في هذه الموسيقى الشرقية طبوعا وموازين وصنائع، مما أضفى عليها طابعا مغربيا في كثير من الحالات بجانب الأصول الراقية الأندلسية.
وتنقسم هذه الموسيقى لي وحدات أو نوبات لكل منها نغمة خاصة تسمى الطبع. وهذا الطبع يتكون بدوره من نقط خاصة. ويصل عدد الطبوع إلى ثلاثمائة وستة وستين على عدد أيام السنة الشمسية.
والتلحين عند الآليين معناه وضع قطعة موسيقية للتعبير عن عاطفة وإفراغها في نغمات ينسق فيما بينها في توليف متجانس يتكون منه طبع يسبك في "ميزان" مناسب، طبقا لإيقاع خاص له وحدة تؤدى في زمن محدد تسمى "الدور". وقد بلغ عدد الموازين في الأندلس أربعة، أضاف إليها المغاربة ميزانا خامسا هو الدرج. سمي بذلك، لأنه مدرج بين الموازين وهو خاص بالآلة الإشبيلية لا يوجد في المألوف التونسي ولا الغرناطي الجزائري، في حين أن الموازين الأخرى هي البسيط والقائم ونصف والبطايحي والقدام. ويضبط كل ميزان بما يدعى التوساد، أي الضرب بالآلة المسماة الطر أو باليدين، الراحة على الراحة. وكان بدل التنويط العصري هو النوطات السبع لا إله إلا الله محمد رسول الله. وما زال المغاربة يحفظون من النوبات إحدى عشرة تتناسق مع موازين عددها خمسة وخمسون. وقد لاحظ الأستاذ محمد الفاسي أن هذه الموازين ضاع منها ثلاثة هي قائم ونصف الرصد وقائم ونصف الحجاز المشرقي ودرج رصد الذيل التي تأمل جمعية هواة الموسيقى العثور عليها. وقد شاطرها والدي رحمه الله هذا الجهد، متعاونا مع رئيسها الفنان الحاج إدريس بن جلون.
والموسيقى تسمى "الآلة" بالمغرب، والموسيقار هو "الآلي". وقد وردت هذه التسمية في "نزهة الحادي" عند الكلام على سيرة المنصور الذهبي، وتسمى أيضا "الدندنة"، بينما تعرف بـ"الغرناطي" في الجزائر و"المألوف" بتونس.
وهكذا تتركب كل نوبة من خمسة ميازين يشكل كل ميزان صنعة تحتوي على قطع موسيقية خاصة، والنغمة المنبعثة منها عبارة عن نبرات تتواكب مع معاني المقطوعات الشعرية التي يقع اختيارها طبقا للتناسب لتستجيب لما يوحي به الظرف الزمني من استهلال أو تصاعد أو ارتخاء.
وقد لاحظ أخونا الأستاذ الكبير المرحوم محمد الفاسي في بحث قيم نشرته "اللسان العربي" في عددها السادس، وهي مجلة مكتب تنسيق التعريب في الوطن العربي، بعنوان "الذوق العربي في الموسيقى الأندلسية" أن النوبة إنما سميت بذلك لأن العازفين كان يتقدم كل واحد منهم أمام الخليفة بما اخترعه ليعزف بدوره ثم تأتي بعده نوبة غيره. فسمي المجموع نوبات. ولعل هنالك في نظرنا المتواضع تفسيرا آخر يرجع إلى عدد الأوتار أو الملامس أو قوة النقر عليها. فالآلات التي كانت مستعملة في العالم العربي عامة والأندلس والمغرب خاصة هي خمسة: الكمان والقانون والأرغن والعود والرباب، وكان لكل آلة نبرة تمتاز بها جعلت أصناف النبرات موازية للميازين الخمسة التي تشكل النوبة. أما بقية الآلات الموسيقية التي بدأنا نستعملها اليوم، فهي مجرد تطوير للآلات القديمة مثل الكمان الجهي (Violoncelle) والقيتارة (Guitare) والبيان (Piano) الذي عوض البيان القيتاري (Clavecin).
وقد لاحظ أستاذنا الكبير محمد الفاسي أيضا أن الموسيقى الأندلسية كانت تسمى الآلة بالعامية، تمييزا لها عن الموسيقى التي تؤدى بدون آلة وهي السماع. ونحن نرى أن السماع لم يكن يعدو مجرد مديح في المواليد النبوية أو التواجد بالحب الإلهي دون غزل أو تشبيب في حضرات الذكر الصوفية. فكانت الآلة محظورة في كليهما، وإن كان المادحون قد أصبحوا اليوم يرفقون السماع بالآلة مع الاحتفاظ بأناشيد المديح دون ما اعتادته الآلة الموسيقية من موشحات وأزجال يعطينا "الحايك" صورة واضحة عنها([5]).
غير أن ضرورة التحري لإدراك مدى بعد نظر أستاذنا الفاضل المرحوم محمد الفاسي تحدونا إلى القول بأن الأستاذ البحاثة قد حاول الرجوع بفكره الثاقب إلى الأصول حيث اعتبر السماع أصلا في الموسيقى. وإذا كان السماع هو منبع التواجد الغنائي حتى عند الحيوان، فما بالك بالإنسان في وجدانياته التي هي جزء من كيانه. فالمهاري في الصحراء المغربية تطوي المسافات في تسارعها الحثيث عندنا تتسمع إلى أصوات الحداة وهي تغني في نبرات ترددها أصداء الفيافي مما دفع أحد شعراء صحرائنا وهو ابن الونان في "شمقمقيتـ"ـه إلى إيصاء الحداة بالتؤدة والتمهل صارخا/
مهلا على رسلك حاذي الأينق ولا تكلفها بما لم تطق
__________________

رد مع اقتباس