عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 28/04/2010, 05h03
صالح الحسن صالح الحسن غير متصل  
عضو سماعي
رقم العضوية:252705
 
تاريخ التسجيل: juin 2008
الجنسية: سعودية
الإقامة: السعودية
المشاركات: 34
افتراضي رد: الربابة والإنشاد عليها في نجد، وسط الجزيرة العربية

آلة الموسيقى العربية الأولى...


الربابة في وسط الجزيرة العربية
(2)
عرف العرب إبان حضارتهم وتنقلهم بين أرجاء الوطن العربي سبعة أشكال من الربابة وهي المربع ، المدور، القارب،الكمثرى ، النصف كروى ، الطنبورى ، الصندوق المكشوف. وقد انتقلت آلة الربابة مع كثير من مظاهر الحضارة العربية إلى أوروبا إبان الفتح العربي للأندلس وصقلية. ويذكر أنها قد احتفظت ببعض ملامح اسمها العربي الأول ففيفرنسا تسمى رابلا، وفيإيطاليا ريبك، و فيأسبانيا رابيل أوأربيل.
تصنع الربابة في صورتها الأصلية من جلود الحيوانات الصغيرة من ماعز أو غزال. وتتألف من صندوق خشبي يصل في طوله إلى أربعين سنتمترا ، وعرضه إلى عشرين سنتمترا ، وعمقه إلى خمسة عشر سنتمترا . وفي منتصف الجانب الأعلى للصندوق ثقب واسع يوافقه ثقب آخر في الجانب المقابل. ويكسى هذا الصندوق من جميع جوانبه بالجلد الذي يخاط بإحكام على الصندوق بخيوط من الجلد أيضا . على أن يبقى الثقبان ظاهرين ، ويترك الصندوق بكسائه الجلدي حتى يجف . ومن ثم تولج عصا أسطوانية بطول يصل إلى خمسة وسبعين سنتمترا في الثقبين من الأعلى إلى الأسفل ، على أن ينفذ طرفها السفلي خارج الصندوق بحوالي خمسة سنتمترات ، في حين يبقى أربعون سنتمترا منها خارج الصندوق من جهته العلوية . وتربط خصلة من ذيل الحصان بين طرفي العصا مرورا بظهر الصندوق ، وتشد هذه الخصلة التي تسمى (السبيب) بواسطة عود يثقب له في أعلى العصا ويسمى (المزوي) أو (الكراب)، وتوضع تحت (السبيب) قطعة خشبية صغيرة تسمى (الغزال) أو (الديك) حتى ترفعه فيزاد شده فيكون قابلا لإصدار الصوت . ويكون العزف (الذي يسمى الجر) بالسحب على هذا الوتر(السبيب) .
ويأتي قوس العزف ، المسمى بالذراب، مصنوعا من غصن الرمان ، أو من عسيب النحل ، بحيث يثنى؛ ليكون على شكل قوس بطول يصل إلى خمسين سنتمترا ، ويربط طرفاه بوتر من شعر ذيل الحصان أيضا.
وقبل العزف على الربابة يلزم دعك الوترين (سبيب الربابة، وسبيب القوس) بقطعة من اللبان الجاوي (الجاونية) ويكون من الصمغ والشب، وهو ما يسمى بتطعيم السبيب ، إذ بهذا الدعك يشتد الوتران ويزدادان خشونة، فيحصل عند التقائهما بالحركة إصدار الصوت المطلوب.
ويكون العزف على الربابة (الجر على الربابة) بتمرير وتر القوس (الذراب) على تر الربابة(السبيب) ، وتحتاج الأصوات الصادرة من جسم الربابة إلى التنغيم والتغيير في درجاتها الصوتية ؛ ويتم هذا بطريقة التنقيط ، أي الضغط على الوتر قرب أعلى عنق الربابة ، فتتناسب النغمات المتغيرة بتغير طول الوتر وشده بتلك الصادرة من احتكاك وتر القوس بوتر الربابة ، ويكون ذلك على حسب الوزن اللحني الذي يريد تحقيقه العازف؛ ليتناسب مع حالته الشعورية والنفسية، والشعر الذي ينشده . وتوجد ألحان عامة معروفة للربابة، لعل أبرزها الهجيني، والمسحوب،والصخري، والسامري.
وإذا لم تخني ذائقتي الموسيقية -غير المعززة بالمعرفة العلمية في الموسيقى للأسف- فإنني أكاد أجزم بأن آلة الربابة الموجودة في الجزيرة العربية ، والأهم من ذلك أسلوب العزف عليها ، والألحان التي تعزف عليها هي الأصول الأولى لآلة الربابة العربية ومعزوفات العرب الأولى في صحراء جزيرتهم، بل لعلها هي ما عرفه العرب في جاهليتهم من لحون ، وأترك لأساتذة الموسيقى في (سماعي ) الحكم على هذا الرأي بعد سماعهم لبعض المقطوعات المنشدة على أنغامها ، لكن ما يعزز هذا الرأي أمور منها :
1- تأتي آلة الربابة المعروفة في وسط الجزيرة العربية وشرقها في شكل بسيط ، من مكونات ترجع إلى مواد طبيعية من البيئة البدوية الصحراوية كجلد الماعز أو الغزال أو حتى الذئب، ويصنع صندوقها ورقبتها من سعف النخل أو ما شابهه من أشجار ، في حين أن الأوتار تؤخذ من ذيل الخيل .
2- تتكون الربابة من وتر وحيد للعزف ، وهي بذلك تخالف آلة الربابة الموجودة في بعض البيئات الزراعية والرعوية في الدول العربية الأخرى . كما أنها تعزف لوحدها مع الصوت البشري؛ فكأن الشاعر أو المنشد يناجيها أو يحاورها بوصفها صديقته أو رفيقة دربه، يشكو إليها همومه؛ فترد عليه بنغمها .
3- ألحانها بسيطة ،وهي لا تخرج عن أوزان معروفة ، وإن كان كل منشد يضيف عليها من رؤاه وطريقته في الأداء، التي تميزه عن غيره من المنشدين.
4- أن معزوفات الربابة تتميز بالشجن ، والقرب من الأنين، والدوي المتتابع لأصواتها في صورتها البسيطة التي تتوافق مع أزيز الريح ودوي الرعد في فلوات الصحراء، وهو ما يتسق مع طبيعة الصحراء المقفرة المكلل بالصمت والسكون الذي لا نهاية له. في حين أننا نجد الربابة في أشكالها العربية الأخرى ومعزوفاتها تتميز بآثار الصنعة، والبعد عن البساطة في الشكل ، أو في صياغة الألحان التي تكاد تكون خاصية ملازمة للربابة في وسط الجزيرة العربية.
5- لم تكن الربابة آلة لهو ولعب عند العربي في جزيرته ، بل كانت آلة يلجأ إليها في وحدته ويناجيها ؛ لكيتعينه على تصوير همومَه وشجونه وما يعانيه من الآلام.
ومن هنا يمكن القول إن آلة الربابة في وسط الجزيرة العربية وشرقها بشكلها الأولي الذي لم يصطبغ بأي تطوير ، وكذلك بألحانها المتميزة بالبساطة التي استقتها من صحراء العرب الأولى هي الآلة الموسيقية الأولى للعرب في صحرائه. وما زال الشعراء في وسط الجزيرة العربية ينشدون عليها قصائدهم بألحان تكاد تكون ألحان العرب الأوائل في الجزيرة العربية .
ومما يؤسف له أن الربابة وألحانها الشجية، يكاد البلى أن يصيبها بمقتل؛ إذ تقابل بتجاهل كبيرة في الأوساط الشعبية والرسمية . فشعوب الجزيرة العربية في انصراف عنها بسبب زهد فيها بوصفها آلة بدوية بدائية ، أو بسبب الزهد العام في الفن بوصفه أمرا غير مستحب ، وأنه قرين اللهو والعبث ، في حين أن الهيآت الحكومية غافلة عن هذا الجانب كغفلتها عن كثير من أمور الحياة الثقافية .
وتقبلوا تحيات محبكم: صالح إبراهيم الحسن

التعديل الأخير تم بواسطة : abo hamza بتاريخ 11/11/2011 الساعة 13h17
رد مع اقتباس