عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27/04/2010, 03h12
الصورة الرمزية محمد رمضان ماضي
محمد رمضان ماضي محمد رمضان ماضي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:493641
 
تاريخ التسجيل: January 2010
الجنسية: فلسطينية
الإقامة: مصر
العمر: 52
المشاركات: 413
افتراضي الشيخ المبروك ( في ذكرى النكبة )


الشيخ المبروك
( في ذكرى النكبة )
قصة من الواقع

جاء وأيقظني من النوم ، ألم يكفك صيام ، أعتب عليك ، فلم تذكرني يوما ً في أسطرك ، أجف مداد القلم ؟، .... لا بل قرف مما يدور ، .... ، الم يخبرك والدك ؟

قلت :بلا أخبرني.... فتحت عيني ًّ ببطء ، التلفاز كما هو ، لم يغلقه أحد ، ينقل أخبار من هناك شهيد إلتحق بالقافلة ، دارت بي الدوامة بعنف ، .....وتوقفت فجأة ووالدي يروي لي

ما حـــدث : يا بني ..... كنت صغيرا في بيت جدك ، يافا تلك المدينة الصغيرة الساحرة ، على شاطيء المتوسط ، يفصلها عرض شارع يقل عن ستة أمتار عن تل أبيب ، عشنا في سلام ، لعبنا في أمان ، جدك يخرج للصيد كل يوم بقارب صغير لنا ، قانعين برزق الله ، وما يجود به البحر........

وكان رجل يجول في المدينة ، يعرف اهلها كلهم ، يرتدي زيا ً خيشيا ً ، يوزع إبتسامات ساهمة بلهاء هنا وهناك ، يهذي بأقوال مفهومة وغير مفهومة ، والآراء تتفرق من حوله .....

رجل مبروك.....

رجل مجذوب.....

رجل أبله.....

مجنون......

وهو لا يبالي بأحد ، ينظر إليهم بطيبة ، يبتسم ويمضي....

حكوا عنه قصة رآها بعضهم .... كان الإنجليز...منعوا التجوال ذات مرة....، الناس في منازلهم ، هناك من يتحرك ،

سيقتله الإنجليز...، يرقبونه من خلف شراعات النوافذ ،من الثقوب ، وهو يجول لا يبالي بأحد ...، إستوقفه الجنود ، .... لم يعر أحد إنتباهه ، .... مضى ، قف ....، أطلقوا النار من بنادقهم نحوه.

يا للعجب ، ما الذى يحدث ، الرصاص يصطدم برداءه الخيشي، ويتساقط كأنه حبات كبيرة من الرمل ، ويا للعجب الرجل لم يصب بسوء ، وهو لا يزال يبتسم إبتسامته المعهودة ، مضى في طريقه......

تركه من بعدها الإنجليز ، ولم يتعرضوا له أبدا..........

كان يوم ، أفاق أهل المدينة على طرقات عنيفة على الأبواب ،

أفاقوا وقد أصابهم الفزع ، ترى من ؟

فتحت الأبواب ، رأوا الشيخ يجري بجنون ، عصبية غير معهودة ، قالوا لقد جن الرجل بحق ، أصابته حالة هياج ،....

صرخ بأعلى صوته...

الى البحر......

الى البحر......

إحذروا النوة ...

الأشباح......

الأشباح......

تهامسوا غريب ما يفعل ؟!

أين النوة ، ليس وقتها ، وها هو البحر هاديء ،لا يكاد يتحرك.

قال لنا جدك يا ولدي: ليس جنونا ً والله ، أمر ٌ ما سيحدث ..

يبدو شؤم قادم ، الأيام قد تحمل التفسير....................

إلى أن كان يوم ليس ببعيد ، عند الفجر ،.... لم ينبلج الظلام بعد ، أشباح تخرج من البحر ، ينسلون خفية بإتجاه تل أبيب ، عشرات الآلاف ـ كقطع الليل المظلم ـ من هؤلاء ؟

قال جدي: يبدو أن أيامنا هنا قليلة ، علينا ركوب البحر ، قالها الشيخ ،والأنباء تتناقلها الألسنة ، فظاعات ، مذابح ، ثكالى ، أرامل ، عويل في كل مكان ، الرعب ، والإنجليز لا يحركون ساكنا ، هيا بنا ، قال جدي وهو يغلق باب الدار ،
ويعلق المفتاح الحديدي الكبير على صدره ،....


ركبوا البحر ، القارب الصغير لا يكاد يحملهم ، الأمواج ساكنة،

إلى أين ؟

إلى غزة هاشم ، .... إنها في مأمن ، المصريون هناك ،...

مرة ٌ أخرى يصدق الشيخ ، أرتفعت الأمواج ، كالجبال ، تلاعبت بالقارب الصغير ، كريشة في مهب الريح ، تأرجحوا بعنف ، أرتطمت بهم موجة عاتية ، مال القارب ، سقط الماء بداخله ، الصراع مع الموت ، صرخة شقت الظلام ، أولادي ...

كانت جدتي ، سقط والدي وعمتي في الماء ، جدي يصارع لحفظ توازن القارب ، الباقي ينزح الماء ، خلع أخواي ملابسهما وشقا الماء ،بحثا طويلا ً ، نجيت من الغرق ،أنقذني أخي الأصغر، - قال والدي- ، أما الفتاة فلم يعثرا عليها ، إبتلعها البحر.

مضي يومان وصباح الثالث إقتربوا من الشاطيء ، تصاحبهم الدموع ، نزلوا عند بعض البدو ، .... يسألون الأخبار ، يتزودون بالماء والطعام ، يسألون عن الفتاة ،...ذكروا لهم أن الأوصاف تلك كانت لفتاة لفظها البحر ، منذ يومين ، ودفنت بجوار مقام ليونس النبي ـ عليه السلام ـ زاروا قبرها وترحموا عليها ، ثم مضوا في طريقهم برا ً ليواصلوا الرحلة ، ......
تمت بحمد الله

القاهرة

27/4/2010
رد مع اقتباس