أحبائي عشاق فن حبيب العمر كله موسيقار كل الأزمان فريد الأطرش
لي، كما لكم بالتأكيد ، مع فريد الأطرش حكايات كثيرة ، وكنت من المحظوظين حقا أن نمت بيني وبينه صداقة بلغت ذروتها في لقائي معه حوالي أربع ساعات كاملة ظهر اليوم الذي شدا فيه برائعتيه " الربيع " و " سنة وسنتين " ربيع عام 1970 ، أي في نفس اليوم الذي أقام فيه عبد الحليم شبانة حفلة هو الآخر، وهذا حدث يذكره جيدا عشاق النغم والفن العربي.
وحكاياتي مع فريد طويلة .. طويلة، امتدت منذ نعومة أظافري عام 1944 وحتى اليوم ، ولسوف أسردها عليكم علي حلقات متمنيا أن تروق لكم، وأن يتأكد الآلاف منكم أنه قد مر بكثير مما حدث لي فيها، فعشاق فريد وفن فريد لهم الكثير من سجايا فريد ذاته، ويربطهم به وببعضهم البعض خيوطا عامة تجعلهم وحدة واحدة، الكل في واحد، والواحد في الكل.المهم هنا أنها حكاية العمر كله ، أضعها أمامكم بكل صدق وبلا اختلاق كلمة واحدة عير حقيقية أو عير صادقة، والله علي ما أقول شهيد.
وأنا للأسف لا أجيد استخدام الكمبيوتر بالشكل الذي يتيح لي أن أقدم شيئا فيه سوى الكتابة، وهاأنذا أتولى تنفيذ ما أستطيع وما أريد، لكني لا أستطيع مثلا وضع صورتي مع اسمي " رشدي 2010 " أو " فريد .. وبس " كما كنت أطلق علي نفسي في منتدى آخر. كما أنني لا أعرف أين أخصص جزءا في هذا المنتدى الرائع لحكاياتي مع فريد، وأرجو من الأخوة المسئولين عنه أن يدبروا لي هذا الشأن، كما أرجو أن تتاح لي فرصة شرف لقائهم جميعا في أي وقت يشاءون، وأنا من سكان مدينة نصر بقاهرة المعز لدين الله الفاطمي.
أتتركم الآن مع أولى حلقات " حكاياتي مع فريد الأطرش " .
) ذكريات الصبا )
أحبائي أنتم جميعا ... فأنتم أصحاب الذوقالرفيع ... والإحساس المرهف ... وأخلاق النبلاء ... ولم لا وأنتم محبي فريد الأطرش ؟
أتشرف بالمشاركة معكم بالكتابة عن فريد، وسوف أعطي نفسي اسما أرجو أن ينالإعجابكم وهو : فريد .. وبس، لم أفكر في هذا الاسم إلا لحظة كتابته الآن، ولعل ماسأقدمه لحضراتكم من مشاركات يتفق مع ما اختاره ضميري لحظة كتابته. ماذا سأكتب ؟ كلما يدور بخاطري هو ذكريات عمر كامل مع حب فريد، وهي مليئة بالأحداث الشجية. وليتنيأستطيع أن أعبر بصدق عما يدور في خاطري من ذكريات، لو حدث ذلك لاستمتعت حقا معكممعها... فهي ذكرياتي... وذكريات شعب عربي بأكمله ... مع الطرب الأصيل. أدعو معي بأن أنجح في تحقيق أمنيتي لإسعادكم.
أبدأ بالقول أنني وإخوتي كنا من هواة دخول السينمامنذ نعومة أظافرنا . أخص بالذكر منهم أخي الأكبر " محمد " أطال الله في عمره ،وأختي الأكبر مني سنا " كوثر " . كان ذلك وأنا في الرابعة من عمري عام 1944 . الوالد رحمة الله عليه كان قد تخرج من كلية الشريعة مع إطلالتي علي الحياة عام 1940، ولم يكن قد تم تعيينه في الحكومة بعد... وكان يعمل مدرسا للغة العربية والدينبمدارس المعهد العلميالخاصة، والتي كان يملكها الوزير المرحوم إبراهيم عبد الهاديوكان يتقاضي سبعة أو ثمان جنيهات راتبا شهريا منها. كان رحمة الله عليه يفني عمرهكله محاولا إسعاد أولاده الخمسة وبناته الاثنتين. وكان السباق محتدما بيني وبين أخيالأكبر محمد في عدد الأفلام التي يشاهدها كل منا في السينما. ولتعجب يا عزيزيالقارئ أنّنا أخذنا نكتب ذات مرة كل ما شاهده كل منا من أفلام، وكنت لم أكن قدتجاوزت السادسة من عمري بعد، وفاق عدد ما كتبته من أفلام مصرية 450 فيلما، وكان أخيمحمد يفوقني بقليل رغم أنّه يكبرني بخمس سنوات.
كان الراديو قد دخل شقتنا فيالسيدة زينب من شهور ... وبالإضافة لسماع القرآن الكريم بأصوات الشيخ رفعت ورفاقهأول ما نسمع في الصباح ... ثم تمرينات الصباح الرياضية ... ثم أغاني الصباح لأمكلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش ... ومحمد قنديل وكارم محمود ... وغيرهم.
كانالمرحوم أنور وجدي نجم النجوم ... أفلامه تشد إليها شعب مصر بأكمله... وكنت أحبهكحبي لوالدي، وخصوصا عندما بدأت تضم معه ليلي مراد. كنت أكره أفلام عبد الوهاببنظارته ذات الدوائر الكثيرة ، وعدم قدرته علي نطق الراء ، وضحكته الشهيرة الذميمةالتي كانت تشعرني أنّه يمثل الضحك فقط ... وربما عرفت من خلالها أنّ ما أراه عليالشاشة ليس إلا تمثيلا. كنت لا أحب سماع أغانيه إلا قصيدة قيس وليلي مع مطربة أسرنيصوتها ، وكنت أحس أنّها كمان ملائكي حزين يدغدع كل خلجة في كياني... وخصوصا وهيتردد كلمة " قيس" كما كان يعجبني أيضا رد عبد الوهاب عليها : ليلي بجانبي ... كلشيء إذا حضر ، ومن هنا كنت أعجب بصوته أيضا في هذه الأغنية والقليل النادر منالأغاني الأخرى في أفلامه ... وكانت جميعها في فيلم " رصاصة في القلب "، كما كانيعجبني هذا الفيلم بالذات لمحمد عبد الوهاب فيما بعد .
وفي أحد أيام عام 1944 ،خرجت من شقتنا بشارع العمري في قلعة الكبش بالسيدة زينب لأشتري بقرش صاغ جبناستامبولي، كان الجو عاصفا كئيبا ، وأحسست أنّها ربما كانت نهاية الدنيا. وفجأة سرىبين الناس في الشارع خبر انتشر بسرعة البرق. وقع عليّ كالصاعقة ... وكرهت الدنيابأسرها عند سماعه. قال الناس : ماتت أسمهان غرقا ".
ألقاكم قريبا كلما سنحتالفرصة بذلك إذا كان في العمر بقية.
أحباء حبيبي ... السلام عليكم ورحمةالله