عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 13/11/2006, 21h30
MOHAMED ALY MOHAMED ALY غير متصل  
قـناديلى ـ رحمة الله عليه
رقم العضوية:700
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 70
المشاركات: 839
افتراضي د مستجير عالم احترف الدهشه 2

د. أحمد مستجير... عالم إحترف الدهشة ( 2 )



لأنه يحب البشر أحب علم الوراثة، ولأنه يعشق الحياة فقد جعل علم الوراثة عشقه ومهنته، ولم ينس د.مستجير طوال رحلته أن داخله شاعر، وظلت أصداء قصيدة الشاعر أودن تتردد داخله:
العلم كالفن.. لهو.. لعب بالحقائق
وليس لأية لعبة
أن تدعى القدرة على حل أحجية الأحاجى:
"ماهى الحياة الحقة؟"
ويظل اللغز يكبر ويكبر، وعلامة الإستفهام تخرج لسانها لعالمنا الجليل وتستفزه، وتستدعى كلمات "جوته" فى رائعته "فاوست":
إن من يصف ويدرس ماهو حى
يفتش عن الروح أولاً
فلايبقى بين يديه غير شظايا
تفتقر - يالوعتى –إلى رباط الروح.
وتقف هذه القامة العملاقة أمام أسئلة الحياة فى حيرة وقلق، ولكن برغم كل شئ وأى شئ لايفقد أبداً تواضعه الجم و دهشته الطفولية التى تجعله يردد كلمات نيوتن " لست أدرى كيف أبدو بالنسبة للعالم، ولكنى أبدو لنفسى كطفل يلهو على شاطئ البحر، يتسلى بين الحين والآخر بإكتشاف حصاة أنعم أو صدفة أجمل، بينما يقف محيط الحقيقة بأكمله غامضاً غير مكتشف أمام ناظرى ".
ولكى يسبح د.مستجير فى محيط الحقيقة كان عليه أن يتزود بزاد يكفيه فى رحلته المنهكة المليئة بالأنواء والأمواج، وكان فى كل محطاته "الألفة " دائماً، بداية من حصوله على بكالوريوس كلية الزراعة 1954، إلى أن حصل على جائزة مبارك، مروراً بعمادته لكلية الزراعة من 1986 حتى 1995، وجائزة الدولة التشجيعية 1974، ووسام العلوم والفنون 1974، وجائزة أفضل ترجمة علمية 1993، وجائزة الإبداع العلمى 1995، وجائزة الدولة التقديرية 1996، ثم وسام العلوم والفنون للمرة الثانية 1996، وجائزة أفضل عمل ثقافى 2000.
وكما سرق برومثيوس نار المعرفة ليهديها للبشر، أعطانا الحكيم الطفل شعلة الثقافة العلمية التى نذر لها حياته، أعطاها لنا فى عشرات الألاف من الصفحات التى خطها قلمه وأبدعتها قريحته، فقد بدأ د.مستجير مشوار التأليف والترجمة فى 1966 بكتابه مقدمة فى علم تربية الحيوان، ثم توالت الجواهر فى عقد فريد مازال يتلألأ على جيد الزمن، بداية من كتبه الجامعية حتى كتابه المترجم عن السوبرمان، مروراً بالربيع الصامت وصناعة الحياة وطبيعة الحياة وهندسة الحياة وعقل جديد لعالم جديد ولغة الجينات وبحثاً عن عالم أفضل والشفرة الوراثية للإنسان، والطريق إلى دوللى ومن يخاف إستنساخ الإنسان وهمس من الماضى 000الخ.
أتذكر جيداً رده المفحم على أحد الأرستقراطيين عندما شتم الهندسة الوراثية وأخذ عليها إنتاج طماطم جامدة مش زى بتاعة زمان، رد عليه العالم بحسم إحنا عايزين نأكل الناس الفقرا اللى بيزيدوا بالملايين فلازم نعمل طماطم تستحمل حتى ولو كان طعمها مش زى زمان، رد إنسانى قبل أن يكون رداً علمياً، فهو يبحث ويكتشف لكى يأكل الغلابة لالكى يجعل علمه مطية لرفاهية أغنياء الحرب وأثرياء العصر الجديد ، وحتى تأملاته أخضعها لمصلحة الناس البسطاء ففى إحدى سفرياته على الطريق الصحراوى إلى الأسكندرية لاحظ كثافة الغاب والبوص فى الملاحات ونموه برغم نسبة الملح المرتفعة، فلمعت فى ذهنه الفكرة التى ينفذها الآن فى الفيوم بإمكانية زراعة القمح والأرز فى الأرض المالحة بالتهجين الخضرى مع الغاب، وحلمه الذى أراد تنفيذه بأسرع وقت هو إثراء الفول البلدى بحامض الميثونين الأمينى لتقترب قيمته الغذائية من اللحم أى أنه يريد تحويل طبلية الغلابة والحرافيش إلى سفرة البهوات والمستورين، وكان من أحلامه أيضاً إدخال جين مقاومة فيروس الإلتهاب الكبدى أكبر عدو لأبناء المحروسة إلى الموز، وغيرها من الأحلام التى هاجسها الوحيد فقراء هذا الوطن الذى يتخلى عنهم الجميع بمن فيهم العلماء الذين فضلوا تكييفات الخليج وريالاته على غيطان الفلاحين، وقطعوا حبالهم السرية لكى يرضعوا الهامبورجر والكاتشاب!!!.
يقول د.مستجير " فى جوف كل عالم شاعر هو الذى يأخذه إلى طريق الأحلام والأوهام ليخلق منها علماً حقاً، لاعلم بلاخيال، ولاشعر بلاخيال، وشطحات الشاعر هى نفسها شطحات العالم "، وعاش الشاعر بداخل العالم د.مستجير يداعبه من حين إلى آخر، وظل الشعر الرومانسى هو الجزيرة التى يتمدد العالم مسترخياً على رمالها، خالعاً كل طبقات التكلس التى تريد خنق مشاعره، ومن فرط حبه فى الشعر إبتكر وزناً جديداً فى كتاباته العروضية التى أزعجت التقليديين ممن يتبنون نظرية ليس فى الإمكان أبدع مماكان، أثبت لهم الحكيم الطفل بأحلامه العريضة التى تسع الكون أنه فى الإمكان دوماً أبدع مما كان، وأظن أن دهشتكم لن تقل عن دهشتى إذا تخيلتم هذا العالم الجليل وهو فى معمله يتعامل مع الخلية بكل غموضها وجلالها وهو يردد فى نفس الوقت هذه الأبيات الشعرية البديعة:
لورمنا نبكى كل الأزهار الذابلة
بدرب العمر لماإسطعنا
لكن هناك لكل منا زهرة
يرويه سره
يخشى لماتذبل أن تذروها الريح
يحضنها.. يندبها.. يذرف دمعه
يشعل شمعه
ويرتل من أنغام الناى صلاته
ثم يوسدها فى صمت قلبه
ويعيش بقية عمره يحمل جثته فى صدره.


بكيت بعد قراءة قصيدتك يا د.مستجير وتمنيت أن تصل دموعى إلى نفس درجة نقاء وصدق دموعك، ولك منى كل الحب وأعدك ألا تذبل زهرة الأمل أو تنطفئ شمعة الأمنيات فقد تعلمنا منك حرفة التفاؤل حتى ولو كان الواقع مريراً.

د. خالد منتصر
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2006/8/170376.htm
رد مع اقتباس