عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 13/11/2006, 21h27
MOHAMED ALY MOHAMED ALY غير متصل  
قـناديلى ـ رحمة الله عليه
رقم العضوية:700
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 70
المشاركات: 839
افتراضي د . مستجير . عالم احترف الدهشه

د. أحمد مستجير... عالم إحترف الدهشة

حارب الخرافة وإنتصر للفقراء وكتب الشعر وجعل الهندسة الوراثية فى خدمة البسطاء.

- بكى على أطفال لبنان وقال لإبنه "دول فى عمر أحفادى" قبل أن تنفجر شرايين مخه.
- فى إحدى رحلاته للفيوم إكتشف سر زراعة الأرز فى المياه المالحة.
* "دول فى عمر أحفادى" آخر جملة قالها د.أحمد مستجير أمام التليفزيون وهو يبكى على ضحايا الحرب اللبنانية، قالها لإبنه طارق قبل أن تنفجر شرايين المخ وينتقل صديقى وأستاذى العزيز العظيم عالم الهندسة الوراثية إلى العناية المركزة بإحدى مستشفيات النمسا مكبلاً بأجهزة التنفس الصناعى ليموت بعدها ويرحل عنا هذا الرجل الجميل الذى لابد أن أحكى لكم عنه، وتحكون أنتم عنه لأولادكم وأشقائكم، عن رجل عشق مصر حتى النخاع، عشقها بالعمل والعلم وليس بالأغانى والأناشيد.
"إنه الحكيم الذى يشبه الطفل " هذا هو ماقاله الشاعر وليام كاوبر عن العالم الإنجليزى نيوتن، وهى عبارة تنطبق ربما بصورة أكبر وأدق على عالمنا المصرى الكبير د. أحمد مستجير، هذا الرجل الذى برغم إكليل الشعر الأبيض الذى يتوج رأسه إلا أن قلبه مازال يحمل شقاوة الأطفال ودهشتهم وبراءتهم، وهو قد إستفاد من هذا الطفل الكامن فى بناء صرحه العلمى الشامخ، فقدرة هذا الطفل الفذة واللامحدودة على الدهشة هى التى دفعته دوماً للتساؤل.
* الطفل إبن الثانيه والسبعين عندما كان يتسلم أرفع جائزة مصرية ، ألمح غلالة دموع تغلف إبتسامته التى دوماً تنضح تفاؤلاً أراه أنا فى أحيان كثيرة غير مبرر ، وكأننى أسمعه يهمس بعد أن أنهكته المسيرة الطويلة " ياه معقول لسه فيه حد فى مصر بيقدر العلم والعلماء!! "، أرى قامته الطويلة التى لم تنحنى إلا للرب ولميكرسكوب المعمل، أراها تنبض بالمهابة وأيضاً بالخجل، ويده القوية الضخمة التى تصافحك فتتعطر بفتوتها إحتضنت الجميع بحميمية، وبشرته التى لفحتها شمس الوادى قرأ الكل عليها حروف العشق لهذا الوطن الذى مازال فى القلب برغم أن الكثيرين من حوله قد حولوه إلى مجرد ورقة بنكنوت وصفقة سمسرة، للحظة تجسدت ملامح الوطن فى ملامح وجهه وإختلطت تضاريس المحروسة بخطوط الزمن على لوحة جدارية ضخمة إسمها أحمد مستجير.
* غلالة الدموع التى لمحتها تغلف المآقى يوم الجائزة لم تكن هى الأولى فى حياته، فالدموع والشجن لهما قصة طويلة مع د.مستجير، والبكاء كما أنه يغسل القلب فإنه أيضاً يحدد المسار ويرسم المسيرة، كان اللقاء الأول مع الدموع فى العاشرة من عمره وفى مدرسة المطرية دقهلية نهر شفيق أفندى مدرس اللغة الإنجليزية صديقه يوسف شطا عندما أخطأ فى إجابة أحد الأسئلة وزجره قائلاً " روح موت "، ومضت ثلاثة أيام ولم يظهر يوسف، وفى اليوم الرابع وصله خبر موته، وأيقن الصبى مستجير أن شفيق أفندى قد قتل صديقه فبكى بحرقة وقرر فى الفسحة أن يكتب خطاباً لأحمد ماهر باشا رئيس الوزراء شاكياً هذا القاتل، وفى جنازة صديقه كانت السماء تمطر، وشارك الطفل السماء فى بكائها على يوسف، ليظل د.مستجير طوال عمره على يقينه الثابت بأن الكلمات من الممكن أن تقتل، ولهذا فإنه يحمل للكلمات نفس القدر من الإحترام وأيضاً الخوف.
واللقاء الثانى مع الدموع كان عندما إلتقى الشاب أحمد مستجير إبن قرية الصلاحات بدكرنس بأطفال عزبة "الربعمية " المجاورة لقريته، كان حينها قد عين فى الإصلاح الزراعى بعد تخرجه من الكلية، وفى مشاويره اليومية كان يشاهد الأطفال وهم يجمعون القطن وكان يداعبهم بحب، يشم فى عرقهم عطر الوطن وقسوته أيضاً، نفح أحد هؤلاء الأطفال قرشين، ولم يعرف أن هذين القرشين يمثلان كارثة، فقد علم المفتش بهذه الحادثة وعنف الشاب مستجير قائلاً " لايصح أن تعامل الفلاحين هكذا لابد أن يخشاك الناس هنا حتى تحفظ هيبتك، لايجوز أن يحسوا أن لك قلباً رحيماً، ولاأحب أن أسمع أنك كررتها ثانية!!!!"، وبكى الشاب اليافع البرئ وصرخ " ياأيتها الشمس الغاربة، لماذا تكون الحياة هكذا؟، أيستكثرون أن يحظى منا فلاح ببسمة؟!، أو بكلمة حلوة، يكرهون أن يربت إنسان على كتف إنسان، يريدون أن يقتلوا فينا الطيبة وحب الناس" وتساءل "من نحن سوى الآخرين، بدونهم لسنا بشراً، لايصح أن نكون، أمن أجل خمسة عشر جنيهاً يقتلون فىّ الإنسان؟ "، وقرر الشاب أن يهجر هذا العمل وأن يدوس على تلك الجنيهات الملوثة بآهات هؤلاء البسطاء وأن يشترى نقاء روحه، وعرف كما قال فى إحدى مقالاته أن الإنسانية قبل العلم وقبل الشعر.
وبعد أن حزم حقائبه إلى أدنبرة فى أواخر سبتمبر 1960 لإستكمال دراسته فى معهد الوراثه، كان هناك موعد آخر مع الدموع، ولكنها هذه المرة دموع الفرح عندما حصل على الدكتوراه فى 14 نوفمبر 1963، وبرغم أنه قبلها حصل على الدبلومة بشهادة الإمتياز لأول مرة فى تاريخ المعهد، وحصل أيضاً على ثقة أستاذه ألان روبرتسون، ولكن طعم العناد ورائحة التعب التى إنبعثت من حبر الرسالة التى لم يصوب فيها المشرف إلا ثمان كلمات فقط، كل هذا جعل الفرح مغموساً فى ملح الدمع والشجن، ولكن الدموع كانت أقوى وأغزر حين عاد بعدها إلى أدنبرة بحوالى ربع قرن مع زوجته وقاما بزيارة منزل أستاذه، وعرف منها قصة موته الميلودرامية حين كان يلقى بمحاضرته وفجأة صمت وصرخ فى الحضور من أنتم؟وأين أنا؟، وإنقلب طفلاً صغيراً يتصرف برعونة الصغار وحمقهم، إنه أصيب بمرض وراثى خطير، بكى أمام زوجة أستاذه وصرخ مردداً كلمات قصيدة فاروق شوشة: كم أنت قاسٍ أيها الموت 00كم أنت قاسٍ أيها الموت، ومن يومها قرر أن تكون أهم سطور رسالة حياته هى دراسة الأمراض الوراثية للإنسان.
د. خالد منتصر
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2006/8/170376.htm
رد مع اقتباس