احمد مستجير ... أديب يتنكر فى صورة عالم ( 2 )
القرية الصغيرة الظالمة!!
حين كان يتابع نشرة الأخبار، ويسمع كيف أصبح العالم قرية صغيرة، كان يصرخ –بحسه الشاعري- ما أظلمها من قرية تلك التي تدع أطفالا تحولوا بفعل الجوع إلى هياكل عظمية؛ ولذا كان الأمل الذي يرفرف بين ضلوعه أن يقوم العلم بدوره الحقيقي في إنقاذ أرواح ملايين البشر، وتوفير الغذاء لمن يموتون جوعا، فحشد جهوده في تطوير مفهوم الزراعة واستنباط أنواع جديدة من المحاصيل والإنتاج الحيواني فأسس مركز علوم الوراثة وأصبح رائد علم الهندسة الوراثية في مصر والعالم العربي.
يردد مستجير دائمًا: "في عالمنا الآن أطفال يولدون للشقاء، لليل طويل بلا نهاية! في جعبة العلم الكثير الكثير، في جعبته طعام وبسمة لكل فم".
يرى أن البيوتكنولوجيا تستطيع إسعاد الفقراء، فهي تتضمن زراعة الأنسجة ودمج الخلايا والهندسة الوراثية - وباستخدامها يمكن إنتاج نبات مقاوم للأمراض أو مقاوم للملوحة أو متميز بمحصول وفير، والبشر يعتمدون في غذائهم على القمح والأرز، من هنا بدأ د. مستجير في استنباط سلالات من القمح و الأرز تتحمل الملوحة و الجفاف .. يقول مستجير: "إننا نتبنى حاليا التكنولوجيات التي تصلح لحل مشاكلنا الخاصة ببلادنا، فلو عرفنا الاستغلال الأمثل لمياه البحر في الري، لتمكننا من إنتاج أصناف من المحاصيل الزراعية التي تتحمل الملوحة والجفاف".
وتبرز أهمية هذه التجربة بعد قيام الشركات الأمريكية بإنتاج بذور عقيمة صالحة للإنتاج، ولكن لا تصلح للاستنبات مرة أخرى، وهو ما يحرم الفلاح من حقه الأزلي في الاحتفاظ بكمية من البذور لزرعها في الموسم القادم، ويجعل أمريكا تتحكم في المستقبل الغذائي للبشرية، وقد أطلق مستجير على هذه البذور ( يذور الشيطان ) محذرا من خطرها على زراعتنا واقتصادنا.. ولمستجير تاريخ حافل سواء في مسيرته العلميه او مؤلفاته او الجوائز التى حصل عليها.
مستجير.. شاعرًا مجيدًا
كان أحمد محمود أعز أصدقاء مستجير صديقا للشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، تزاملا بمدرسة الزقازيق الثانوية، وكانت قصيدة "الملك لك" لصلاح عبد الصبور هي أول قصيدة من الشعر الحر يقرؤها مستجير، بعدها أحبهما (الشعر الحر وصلاح عبد الصبور). وكتب مستجير أول مرة في حياته قصيدة من الشعر الحر بعنوان "غدا نلتقي"، وطلب من صديقه أحمد أن يصطحبه ليقرأها أمام صلاح.
قرأ مستجير القصيدة فى خجل متخوفا أن يكون قد أصاب عبد الصبور بالملل، أما الشاعر فقد ظل صامتا إلى أن وصل مستجير لقوله "... فأصل المياه بكاء المحبين منذ القدم"، هنا نظر عبد الصبور إلى صديقه وقال: "كاتب هذه القصيدة شاعر" يومها طار مستجير فرحا، وبدأ يكتب الشعر وقد أصدر ديوانين هما: "عزف ناي قديم"، و"هل ترجع أسراب البط؟.
ومن أبرز جهوده الأدبية كتاباته في عروض الشعر، وضع في إحداها نظرية علمية رياضية لدراسة عروض الشعر العربي وإيقاعاته الموسيقية أودعها في كتابه "مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي"، قدم فيها رؤية مختلفة في موسيقى الشعر، من شأنها أن تبسط أمره لكل من يود معرفته، عوضًا عن الطريقة التقليدية التي تعتمد على التفعيلات والتي تقوم على الذوق أساسًا.
زوجتي.. عميدة حياتي
يقول الدكتور أحمد مستجير: لحسن حظي أن زوجتي امرأة عظيمة تعرف كيف تدفعني للأمام، رغم أنها أوربية التقيت بها أثناء دراستي هناك وتزوجتها عام 1965، فإنها لم تتردد لحظة في ترك بلادها من أجلي، إن من أسرار نجاحي وجود مثل هذه الزوجة في حياتي، فإذا كانت عمادتي لكلية الزراعة استمرت 9 سنوات فإن زوجتي عميدة حياتي لأكثر من 35 عاما.
لدى مستجير 3 أبناء: طارق مهندس يعمل في الكمبيوتر والبرمجة، وسلمى معها ماجستير في اللغة الألمانية، ومروة تعمل في البيولوجيا الجزئية، وقد اكتشفت مع فريق الباحثين معها في فيينا أحد الجينات الوراثية التي تزيد من احتمال إصابة الإنسان بسرطان القولون والرئة.. فهل تكون مروة وريثة أبيها في كنزه العلمي؟ هذا ما قد تثبته الأيام.